انسداد كلّ الأفق لإيجاد حلول للأزمة السياسية والإقتصادية والصحية التي تمرّ بها تونس في ظلّ انعدام التواصل بين المؤسسات السيادية الثلاثة، مؤسسة رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان، دفع بالعديد من المنظمات والشخصيات الوطنية إلى طرح العديد من الحلول خلال هذا الأسبوع.
الأميرال المتقاعد كمال العكروت وجّه دعوة للإنقاذ لأنّ تونس لم تعد تتحمّل مواصلة المزيد من الأزمات دعا من خلالها كلّ الأحزاب وكلّ الأطراف السياسية إلى التخلي عن نرجسيّتها وأن تجلس على نفس طاولة الحوار لإيجاد حلول عاجلة. الأميرال العكروت كشف أنّ تصوّره لخطة الإنقاذ يتمثّل في جلوس كلّ الأطراف المعنية بالأزمة التي تمرّ بها تونس على نفس الطاولة للحوار، واعتبر أنّ صداقاته مع مختلف الأحزاب ستمكّنه من جمع الكلّ على طاولة الحوار لإيجاد حلّ للبلاد. بالنسبة للأميرال كمال العكروت، فإنّ المنظومة السياسية التي امتدّت على عشرة سنوات هي المسؤولة على الأزمة التي أصابت تونس، كما أنّ هذه المنظومة أفرزت حكومات مبنية على المحاصصة الحزبية وليس على الكفاءة.
فكرة الإنقاذ وفقا للأميرال العكروت تتمثل في تركيز حكومة كفاءات تعمل لمدّة عامين دون محاصصة حزبية لإنقاذ البلاد وفي نفس الوقت يتمّ الإعداد لفريق يعمل على ”موطن الداء وهو المنظومة السياسية” وعلى المجلّة الإنتخابية. والغاية من مبادرته هو أن يتغيّر المشهد السياسي المُتسّم بالسبّ والشتم وكان الأميرال قد لام في تصريحاته الإعلامية على الرؤساء الثلاثة التي لم تلتزم بتطبيق القانون على الجميع، ”تونس تستحق الأحسن، بلادنا ليست مفلسة وتزخر بالثروات والطاقات وينقصها الحوكمة الجيّدة وحسن التصرّف”.
لم تكن مبادرة العكروت هي الأولى من نوعها في سلك المؤسّسة العسكرية، فقد وجّه عدد من الجنرالات المتقاعدين رسالة مفتوحة موحّدة إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد قصد دعوته إلى لمّ شمل كلّ الأطياف السياسية والحزبية والمنظمات الوطنية وطالبوا أن يقوم رئيس الدولة بخطاب تحت قبّة البرلمان يطرح فيه أهمّ مكامن وأسباب الأزمة التي أصابت تونس وأن يقترح الحلول الفعلية لحلّ الأزمة وذلك بفتح باب الصُلح بين جميع مكوّنات المشهد السياسي وترك الخصومات على جنب. ستة جنرالات وهم محمد المؤدب، البشير مجدوب، بوبكّر بنكريّم، علي السلاّمي، مختار بالنصر، سُهَيل الشّمنقي، في رسالتهم اعتبروا أنّ اللحظة التي تمرّ بها تونس على غاية من الخطورة مؤكّدين أنّه يفترض على جميع الأطراف أن تكون في مستوى تحدّيات المرحلة التي تتطلّب مجابهتها وحدة الصفّ وتظافر جهود كلّ التونسيين مهما كانت مواقعهم، صُلْب مختلف مؤسّسات الدّولة أو خارجها ومهما اختلفت توجّهاتهم، فالوضع لا يحتمل تشتيت الجهود والموارد التي أضحت شَحِيحة أكثر من أيّ وقت مضى.
الجنرالات الستّة أكّدوا أنّ تونس في مفترق الطُّرُق، وتفكّكت وتلاشت سلطتها فعَمَّ الفساد واستشرى العُنْفُ بكلّ أشكاله وأصبحت البلاد على شفى انهيارٍ اقتصادي حقيقي، وشدّدوا على أنّ التّراشُقُ بالتُّهم وتحميل الآخرين مسؤوليّة الإخفاق لا ينفع، فالكلّ يتحمّل قِسْطًا من مسؤوليّة ما حصل وما يحصُل، وبطبيعة الحال، يتحمّل من هو في المواقع العليا للسّلطة يتحمّل قسطًا أكبر من تلك المسؤوليّة، إِذْ عليه تقديم البدائل والدّفع باتّجاه الحلول. وأوضح الجنرالات أنّ المبادرة تنطلق بخطاب توجيهي تجْمِيعِي في جلسة عامّة ممتازة لمجلس نوّاب الشعب، يحضرها كلّ أعضاء الحكومة ورؤساء المنظمات الوطنيّة، تتمّ خلالها إبراز متطلّبات المرحلة وأولويّاتها وبناء على هذا الخطاب تتمّ دعوة الشّعب التونسي، مواطنين وإعلام ومجتمع مدني وأحزاب سياسيّة ومؤسّسات الدّولة وعلى رأسها، رئاسة الجمهوريّة ومجلس نوّاب الشعب والحكومة والمنظّمات الوطنيّة، كلّا من موقعه، إلى الإيقاف الفوري لكلّ حملات تبادل العنف والتشويه والسّباب وتجنّب كلّ ما يُعَكّر الأجواء العامّة ويُعِيق تظافر الجهود من أجل السيطرة على الوباء وإنقاذ اقتصاد البلاد مع الالتزام بروح المسؤوليّة واحترام الأطراف السياسيّة المنافسة والحرص باستمرار على تقديم مصلحة الوطن على أيّ اعتبار آخر.
لم يقف الموضوع عند الجنرالات فقط، بل إنّ رئيس حزب آفاق تونس فاضل عبد الكافي أكّد أنّ تونس قادرة على أن تتغيّر نحو الأفضل واعتبر أنّ القوانين القديمة هي التي أدخلت تونس في وعمّقت الخلافات بين مؤسسة رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية. بالنسبة لفاضل عبد الكافي فإنّ تونس لها من الإمكانيات ما يمكّنها من أن تتغيّر وذلك عن طريق إعطاء الحريّة للتونسيين كبارا وصغارا ويُمكن أن يُصبح لديها نمو إندماجي وذلك بالتركيز على الجانب الإقتصادي والإجتماعي. واقترح الفاضل عبد الكافي أنّه لو كان مكان هشام المشيشي، فإنّه سيتوجّه لرئيس الجمهورية قيس سعيد ويقول له حرفيا ” بيني وبينك تونس وليس معركة شخصية، ونحن دولة مؤسسات وتعال لنتفاهم ونتفق ونقدّم أو أقدّم إستقالتي وأخرج للتونسيين وأصارحهم للخروج من الباب الكبير”. كما أفاد عبد الكافي فإنّ الرئاسات الثلاثة هم سبب الأزمة التي تعيشها تونس.
كما أنّ الخبير الاقتصادي ووزير المالية السابق، حكيم بن حمودة، نوّه بضرورة حماية المالية العمومية وذلك من خلال توحيد كل الجهود والمساعي بين مؤسسات الدولة لحلّ الأزمة، وأعلن اليوم عن إطلاق مركز تجميع أفكار وأبحاث ”think tank”، يُطلق عليه اسم ” GI4T (Global Institue for Transitions)”، هذا المعهد سيكون قوة اقتراح لإيجاد حلول وآمال للمستقبل. ووفقا للخبير الإقتصادي بن حمودة، فإنّ هذا المعهد GI4T، سيجمع مئات الأكاديميين والمثقفين والباحثين ويهدف إلى تطوير سبل للتفكير ودراسات ومشاريع من أجل توجيه السياسات العامة، وأوضح أنّ تمشي هذا المعهد وطريقة التفكير ستكون جزءًا من السوق العالمية وستنفتح على الممارسات الإقليمية والعالمية. وأكّد أنّه بات من الضروري الخروج من المسار الحالي والتفكير بطرق أخرى واقتراح مشاريع جديدة وسياسات جديدة لتقديم وجهات نظر حقيقية للشباب التونسي وفتح الأفق لهم وتقديم تجربة تاريخية جديدة لتونس. واختتم بن حمودة تدوينته قائلا ” علينا يعتمد الغد المُشرق”.
رسائل الجنرالات إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد لإنقاذ تونس من كلّ الأزمات لم تُعجب الإسلاميّين وفي اعتقادهم أنّ قيس سعيد سينقلب على النظام السياسي معتمدا على المؤسسة العسكرية وغايتهم الوحيدة فقط إضعاف مؤسسة رئاسة الجمهورية، كما أنّ كلّ المبادرات الأخرى لها دور كبير في إنقاذ تونس من الأزمة وبقي الحلّ أمام رئيس الجمهورية إما أن ينساق لتجميع كلّ المبادرات لإنقاذ تونس وإما الفشل والإرتهان للإسلاميين.