أقحم سياسيون فرنسيون مرة أخرى، الجزائر في قلب نقاش فرنسي خالص، واتخذوا من موقف سيد قصر الإيليزي، إيمانويل ماكرون، من قضية “ذاكرة حرب الجزائر”، منفذا لهذا النقاش الذي يؤكد مدى تشبث بعض الفرنسيين ولاسيما من يتبنى طروحات اليمين واليمين المتطرف، بهذا الملف الذي كثيرا ما تسبب في تسميم العلاقات الثنائية.
وعلى الرغم أن موضوع النقاش تمحور حول قضية صنعت الحدث في فرنسا، وتمثلت في تعليق علم الاتحاد الأوروبي في “قصر النصر” بباريس دون العلم الفرنسي، ما سبب متاعب سياسية للرئيس الفرنسي، إلا أن السياسيين الذين خاضوا في هذه القضية في حوارات لمحطات إعلامية معينة، عادوا ليقحموا “الذاكرة الجزائرية” في هذا النقاش، منتقدين موقف ماكرون في هذا الشأن.
فاليري بيكراس، وهي المرشحة التي دفع بها اليمين التقليدي، بعد ما هزمت جميع منافسيها في “حزب الجمهوريون” للانتخابات الرئاسية الفرنسية المرتقبة ربيع العام المقبل، ولدى استضافتها من قبل مؤسسة راديو وتلفزيون لوغسمبورغ “آر تي آل”، سئلت عن قضية “العلم الأوروبي” فانجرفت نحو الحديث عن ذاكرة الجزائر، رافضة تقديم الاعتذار للجزائريين، معتبرة هذه القضية من الأخطاء التي وقع فيها منافسها في الرئاسيات المقبلة، الرئيس المنتهية ولايته، ماكرون، حتى وهو لم يقم بأية خطوة على هذا الصعيد.
وفي برنامج “الاستجواب الكبير”، قالت بيكراس وهي تهاجم رئيس بلادها: “ذهب إلى الجزائر ليقول إننا ارتكبنا جرائم ضد الإنسانية، وذهب إلى إحدى وسائل الإعلام الأنجلو سكسونية ليقول إنه يريد تفكيك تاريخ فرنسا، واليوم، هناك قضية العلم الأوروبي”، وأضافت: “أعتقد أنه يجب علينا ألا ندمر تاريخ فرنسا (…)”.
وترى مرشحة “حزب الجمهوريون” أن “كل البلدان بحاجة إلى الأساطير، كما هي بحاجة إلى أبطال. كل البلدان بحاجة إلى أن تقول إنها أصل الأشياء العظيمة وهذا هو حال فرنسا”، وانطلقت من هذه المقدمة لتردد عبارة يمقتها الجزائريون بشدة، وهي أن الاستعمار الفرنسي للجزائر خلف أمورا إيجابية: “كانت هناك أشياء جيدة وأخرى سيئة، ولكن إعادة كتابة التاريخ بعد قرون، يعتبر في حد ذاته مفارقة تاريخية”.
ما صدر عن فاليري بيكراس، كان اليمين الفرنسي قد حاول التأسيس القانوني له فيما عرف بقانون 23 فبراير في عام 2005، الذي سعى إلى تمجيد ممارسات الاستعمار الفرنسي في الجزائر وفي غيرها من المستعمرات، لكن الرئيس الأسبق جاك شيراك أسقط المواد التي تضمنت هذا التمجيد، عبر قرار أصدره المجلس الدستوري حينها.
ولم تكن مرشحة “حزب الجمهوريون” هي الوحيدة التي أقحمت الجزائر في قضية لا تعنيها، بل سار منافسها المهزوم أمامها في “أوّليات” حزبها، إيريك سيوتي، على نهجها، وهو يتهم ماكرون بتقديم الاعتذار للجزائر عندما زارها في 2017 كمرشح، وهو الأمر الذي لم يحصل، بل قال كلاما مشجعا، لكنه سرعان ما تراجع عنه مباشرة بعد عودته إلى باريس، تحت ضغط اليمين واليمين المتطرف، وفلول الأقدام السوداء.
إقحام بعض السياسيين الفرنسيين للجزائر وتاريخها في نقاش سياسي فرنسي، يعبر بصدق على أن هناك في الضفة الحالية للبحر الأبيض المتوسط، من لا يزال غير قادر على هضم ما حصل لأغبى استعمار في العالم، وذلك على الرغم من مرور أزيد من نصف قرن من الزمان على هزيمة فرنسا في الجزائر.
المصدر الشروق أون لاين