يوجد بين سورية والجزائر علاقة قوية جعلتها تختلف عن غيرها من علاقات الجزائر بالدول العربية الأخرى لا سيما إنها العلاقات الوحيدة في المنطقة التي تتسم بالثبات والرسوخ في بيئة تتسم بالتوتر واللاستقرار والتغيرات السريعة والفجائية.
والمتأمل في علاقات سورية بالجزائر يدرك إن الجزائر هي دوماً الأقرب إلى سورية، والأقدر على فهم ما يجري فيها، إنطلاقاً من تجربتها التاريخية في النضال من أجل التحرر وحماية وإستقلالية القرار السياسي والوطني فيها، وإنطلاقاً من ذلك يستمر الجزائريون على موقفهم المبدئي من علاقة بلادهم مع شقيقتهم سورية، كون كلا البلدين لهما وزنهما وأهميتهما في المنطقة .
اليوم رغم المشاهد الصادمة والجرح الذي سببه الزلزال المدمر في سورية إلا أن هناك ما يدعو للتفاؤل والأمل حيث شكلت حالة التضامن والتكاتف الشعبي صورة مضيئة أمام هول الكارثة، فبعد ساعات قليلة من وقوع الزلزال هرع المواطنين السوريين من كافة المحافظات للتبرع بالدم في طوابير طويلة، مما دفع المنظمين الى طلب العودة في اليوم التالي بسبب كثافة الاعداد، وفي الوقت نفسه انتشروا المتبرعين الذين يحملون كل ما يستطيعون ويسرعون به نحو مراكز التبرعات المالية والعينية.
وعلى الضفة الأخرى دشنت الجزائر جسرين جويين لتقديم المساعدات العاجلة الى سورية ومواجهة تداعيات الزلزال المدمر هناك، وتحت “حق الأخوة” التي تفرض التضامن مع الشعب السوري اتسعت وتكثفت دائرة التضامن في الجزائر مع المتضررين من الزلزال في سورية وانتقلت من منصات التواصل الاجتماعي الى مبادرات خيرية لمساعدة المنكوبين، كما وصلت فرق من الهلال الأحمر والدفاع المدني الجزائري الى سورية يشمل مسعفين وأطباء للمساعدة في عمليات البحث والانقاذ في مدينة حلب، فضلاً عن المساعدات الإنسانية والمالية.
وفي السياق ذاته تعهد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بتقديم كل الامدادات الاغاثية العاجلة التي تحتاجها سورية لمواجهة أثار الكارثة المروعة، حيث أعلنت وزارة الخارجية تشكيلها خلية أزمة لتتابع عن كثب وضع الجالية بين البلدين.
بالمقابل شكر الرئيس الأسد الشعب الجزائري وتضامنه مع الشعب السوري ولا سيما أن الشعب الجزائري أول من استجاب لنداء المساعدة، وأثناء زيارة الرئيس الأسد لمنطقة بستان القصر التي تضررت من الزلزال أكد في تصريحات اعلامية لوفد الانقاذ الجزائري على متانة وقوة العلاقات السورية الجزائرية وأن العلاقة بين البلدين مبنية على وقوف سورية الى جانب الجزائر إبان الثورة التحريرية، ووقوف الجزائر الى جانب القضايا السورية، وأن “الجزائر في الوجدان” بالنسبة للسوريين. وأضاف” شعرنا بأن الجزائريين أتوا من قلب سورية لإسعاد السوريين، ولم نشعر بأن هناك أشخاص قدموا من دولة بعيدة، ليختم قائلاً: هذا الشعور الحقيقي والصادق الذي نشعره اتجاه كل مواطن جزائري”.
فالحقيقة التي يجب أن ندركها بيقين إن هناك قوى تتربص لضرب العلاقات السورية الجزائرية وعزل سورية عن الصف العربي وفي مقدمتها الشقيقة الجزائر لأنها تدرك جيداً خطورة التقارب السوري الجزائري على مصالحهما الحيوية في المنطقة، وإنطلاقاً من ذلك كشف زلزال سورية عن الوجه الحقيقي لأوروبا والغرب عموماً وأثبت للعالم أن الغرب مهتم بالتدمير والحرب أكثر من اعتماده بالتعمير والبناء.
ولذلك ينظر الشعبان السوري الجزائري الى هذه العلاقة على إنها لها أهميتها وعمقها وحيويتها الآن وفي المستقبل لأنه ليس في مقدورنا أن ننفصل عن تاريخنا وتراثنا وحاضرنا، لكن المفاجأة لن تكون فقط في تمتين العلاقات ما بين سورية والجزائر، بل سيكون أيضاً في استعادة سورية لمقعدها في جامعة الدول العربية خاصة بعد التغييرات التي شهدتها بعض الدول العربية والتي دعمت تجميد عضوية سورية في الجامعة، بالإضافة الى ما تمر به تركيا من اضطرابات وتوترات تؤثر بشدة على دورها الإقليمي، أو تدخلها في الشأن السوري.
في إطار ما ذُكر فإنني أرى إن سورية والجزائر هما الأكثر مسؤولية في إيقاظ الصحوة القومية المنشودة والحفاظ على ثوابتهما بحكم دورهما التاريخي في صياغة الحل العربي على مدى الحقب والأزمان، وأنهما الأكثر قدرة وجرأة على جذب بل دفع الآخرين نحو الطريق، بعد أن أثبت تاريخ العرب الطويل بأن محور دمشق والجزائر كان وما زال هو الفاعل المؤثر في الإقليم.
رأي اليوم