أكّد الرئيس التونسي قيس سعيّد الأربعاء خلال لقائه رؤساء الطوائف الإسلامية واليهودية والمسيحية في بلده بعد الاعتداء الدامي الذي وقع الأسبوع الماضي أمام كنيس جربة أنّ تونس بلد “التسامح بين الأديان كلها منذ قرون”، وذلك ردا على الاتهامات بمعاداة السامية.
واستقبل سعيّد في قصر قرطاج كلا من مفتي تونس الشيخ هشام بن محمود وكبير أحبار اليهود في تونس حاييم بيتان وكبير أساقفة الكنيسة الكاثوليكية بتونس إيلاريو أنطونيازي.
وبثّت الرئاسة التونسية تسجيل فيديو لجانب من الاجتماع قال خلاله سعيّد إنّه أراد من هذا اللقاء أن “تكون الصورة موجّهة إلى العالم أجمع بأنّ هناك دولة، وهناك تسامح بين الأديان كلّها، وهذا الأمر ليس جديداً في تونس بل هو راسخ منذ قرون”.
وأضاف أن “من دبّر ونفذ سعى بكل تأكيد إلى المساس بأمن تونس واستقرارها، وبث الفتنة والانقسام داخل المجتمع”، مشدداً على أن “الاعتداء ليس اعتداء على أشخاص تونسيين، سواء كانوا من اليهود أو مسلمين، وإنما هو اعتداء على تونس كلها”، مستطرداً “لكن من دبّر ونفذ لم يصل لمبتغاه لأن تونس دولة قوية، وستبقى قوية، وسيتم التصدي لكلّ من تخوّل نفسه أن يزرع بذور الفتنة”.
وخلال اللقاء أكّد سعيّد أنّ التحقيقات الجارية لتحديد من يقف خلف هذا الاعتداء تتقدّم بعد أن تم تحديد هوية من قام بالتنفيذ.
ومساء الأربعاء، أفادت إذاعة “موزايك إف إم” الخاصة أنّ أربعة أشخاص على صلة بالمهاجم، أوقفوا وأودعوا الحبس الاحتياطي للاشتباه بضلوعهم في الاعتداء.
وفي اجتماعه مع القادة الروحيين الثلاثة قال سعيّد “أرحّب بكم في هذا اللقاء وأعتبره من بين أهمّ اللقاءات التاريخية التي تبرز التسامح والتعايش الثابتين في تونس منذ قرون وقرون”.
وتابع سعيّد مخاطباً كبير أحبار اليهود “عيشوا في تونس مواطنين آمنين كسائر المواطنين، فإن لحقكم أذى فهو يؤذينا”.
وأضاف “سنؤمّن معابدكم، وهي مؤمّنة، وممارسة شعائر دينكم، ولنجتثّ معاً بذور الفتنة والفرقة التي يريد أعداء وطننا العزيز إشعالها”.
لكنّ الرئيس التونسي توّجه إلى “الذين يريدون الترتيب لسفك الدماء عبر فرض ما يسمّى بالتطبيع فليعلموا أنّه لا وجود في قاموس شعبنا في تونس لهذا المفهوم، ونحن نفرّق بين اليهودية والصهيونية”.
ودعا سعيّد المجتمع الدولي إلى العمل من أجل “وضع حدّ لمأساة الشعب الفلسطيني حتى يستردّ حقّه في أرضه ويقيم دولته وعاصمتها القدس الشريف”.
وعبّر الرئيس سعيد عن أسفه لحديث البعض داخل البلاد وفي بعض العواصم عن معاداة للسامية في تونس داعيا إلى القيام بقراءة جديدة للتاريخ عوضا عن كيل الاتهامات.
وأكد الرئيس قيس سعيد لضيوفه أن حرية التدين وممارسة الشعائر وحرية الضمير مضمونة في تونس مشددا على أن دستور 25 يوليو 2022 يكفل ويضمن تلك الحقوق.
وفي أعقاب اللقاء قال كبير أحبار اليهود في التسجيل نفسه إنّ “اللقاء كان ممتازاً”، مؤكّداً أنّ رئيس الجمهورية “تكلّم بما في قلب الجميع… لقد طمأننا بأنّنا نحن يهود تونس نعيش كسائر التونسيين وأعطانا ضمانات بأنّ ما حصل لن يتكرّر مرة أخرى إن شاء الله”.
وبدوره أكّد كبير أساقفة الكنيسة الكاثوليكية أن “لقاء الرّئيس مع ممثلي الديانات الثلاث كان عبارة عن مفاجأة سارة ولم يحصل مثله في الماضي، وشعرنا أنه قريب منا جدا كأخ يتكلم مع إخوانه ويريد أن يصغي لآلامهم وأفراحهم ويستجيب لطبلاتهم”.
وأضاف “سيكون لما جرى في جزيرة جربة رد فعل إيجابي بين أفراد الشعب التونسي للتعمق في الأخوة والمحبة”.
من جانبه قال مفتي تونس إن “اللقاء مع الرئيس مثّل لحظة تاريخية سجلت خلاله مدى سماحة تونس وتعايش الديانات فيها بشكل إيجابي تجمعهم الخوة في وطن لا يفرق بين الديانات”.
وأضاف “سنتجاوز هذه المرحلة العابرة وستكون تونس آمنة مطمئنة تفسح مجالها لكل أبنائها مهما كانت دياناتهم”.
وكان سعيّد نفى الجمعة وجود أيّ معاداة للسامية لدى الدولة التونسية بعدما نفّذ شرطي عملية إطلاق نار دامية أمام كنيس يهودي في جزيرة جربة.
ووقع الهجوم مساء الثلاثاء في الوقت الذي أكمل فيه مئات اليهود الزيارة السنوية إلى كنيس الغريبة الأقدم في أفريقيا.
وقُتل ثلاثة من عناصر الشرطة واثنان من الزوار – أحدهما يحمل الجنسيتين التونسية والإسرائيلية والآخر فرنسي تونسي – برصاص المهاجم قبل أن يرديه عناصر الأمن.
ونددت السلطات التونسية بالهجوم “الإجرامي” لكنها امتنعت عن وصفه بـ”الإرهاب” أو إضفاء بُعد معاد للسامية عليه.
وتعتبر زيارة الغريبة من صميم تقاليد التونسيين اليهود الذين يبلغ عددهم 1500 نسمة فقط مقارنة بـ100 قبل الاستقلال في عام 1956.
وفي عام 2002، استُهدف الكنيس بهجوم انتحاري بشاحنة مفخخة أسفر عن مقتل 21 شخصًا وتبناه تنظيم القاعدة.
صحيفة العرب