أكد خبيران أن المناورات البحرية الجزائرية والروسية تحمل رسائل مرتبطة بسعي موسكو لـ”إثبات حضورها” إقليمياً ودولياً.
ووفق وسائل إعلام روسية، وصل، السبت الماضي، إلى ميناء الجزائر أسطول البحر المتوسط، تمهيدا لـ”مناورات بحرية مشتركة – 2021 مع سفن البحرية الجزائرية”.
- بقيادة أسطول البحر الأسود.. مناورات بحرية جزائرية روسية بالمتوسط
- الجزائر وروسيا.. “أولوية” دبلوماسية وعسكرية “تدعمها” أسلحة الردع
وبحسب وسائل الإعلام الروسية، يشارك في هذه المناورات العسكرية البحرية أسطول مكون من الفرقاطة “الأدميرال غريغوروفيتش”، والسفينة الدورية “دميتري روغاتشيف” وزورق الإنقاذ “SB-742” من التجمع الدائم للبحرية الروسية في البحر الأبيض المتوسط.
وفي تصريحين متفرقين لـ”العين الإخبارية”، أكد خبيران جزائريان أن المناورات بين البلدين الحليفين تحمل دلالتين تتعلقان أساساً باستمرار وتكثيف التعاون الاستراتيجي في المجال العسكري.
أما الدلالة الثانية فهي سعي موسكو لـ”إثبات حضورها” في منطقتي غرب المتوسط وأفريقيا عموماً ومنطقة الساحل خصوصاً، في محاولة للاستفادة من ثقلها الموروث عن الاتحاد السوفيتي في القارة السمراء، وتماشياً مع صعودها المتسارع كقوة دولية ومنافس شرس لقوى تقليدية “تُحكم بزمام الأمور” في هذه القارة.
تعاون استراتيجي
والمناورات العسكرية بين جيشي البلدين، “تطبيقاً لبرنامج التعاون الثنائي العسكري الجزائري الروسي لعام 2021، والمصادق عليه من طرف القيادة العليا للجيش”.
وجرت مطلع الشهر الماضي أول مناورات عسكرية بين جيشي البلدين “خارج الجزائر” في مجال مكافحة الإرهاب.
وشاركت وحدات عسكرية من الجيش الجزائري في مناورة تكتيكية رفيعة المستوى لمكافحة الإرهاب مع القوات الخاصة الروسية للجيش الخامس المتمركز في منطقة “فلاديكافكاز” بـ”أوسيتيا الشمالية”.
وهذه المرة الأولى التي يشارك فيها الجيش الجزائري بمناورات عسكرية خارج حدوده، والتي تجرى عادة داخل الأراضي الجزائرية.
وتم خلال المناورات البرية تحديد أهداف تتعلق بـ”إجراءات تكتيكية، للبحث عن التشكيلات المسلحة غير الشرعية وكشفها وتدميرها”، في إشارة إلى الجماعات الإرهابية المسلحة.
وترتبط الجزائر وروسيا منذ 2001 بـ”اتفاق شراكة استراتيجية”، يتعلق بالتعاون في عدة مجالات أبرزها الاقتصادي والتجاري والطاقة والعسكري والعلمي والتقني، والتي تصفها موسكو بـ”المثالية” منذ استقلال الجزائر قبل نحو 60 عاماً.
وتعد الجزائر ثالث مستورد للسلاح الروسي في العالم، في حين تعتبر روسيا الممول الأول للجزائر بالأسلحة، إذ تقتني أكثر من 60 % من أسلحتها من موسكو، وتمتلك 6 غواصات روسية الصنع، بالإضافة إلى اقتنائها نظام الدفاع الجوي الصاروخي “س 400” وكذا دبابات وطائرات ومروحيات هجومية وأنظمة رادارات روسية تشكل ركيزة قواتها.
وفي الشأن الأمني الإقليمي، تلتقي المواقف الجزائرية والروسية في الملفين الليبي والمالي، إذ شددا على رفضهما التدخلات العسكرية الأجنبية وخروج المرتزقة والمليشيات من الأراضي الليبية، وأن يكون حل الأزمة في هذا البلد العربي بعيدا عن التدخلات الخارجية.
إثبات حضور
الخبير الأمني والضابط المتقاعد من الجيش الجزائري، عمر بن جانة، قال إن للمناورات البحرية مع روسيا دلالات مرتبطة بـ”أبعاد جيواستراتيجية تتعلق أساساً بعودة روسيا القوية والمفاجئة إلى أفريقيا خاصة إلى منطقة الساحل والصحراء”.
وفي حديث مع “العين الإخبارية”، قال بن جانة إن “هذه المناورات قد تشير إلى إثبات الحضور الروسي في منطقتي غرب المتوسط وأفريقيا كقوة عسكرية واستراتيجية”.
ولفت إلى الحضور الروسي بـ”قوات غير نظامية في مالي (في إشارة إلى مجموعة فاجنر)، وقد تمتد إلى دول مجاورة لها في إطار الحرب على الإرهاب، وهي المنطقة التي تشهد وجود جماعات إرهابية خطرة والتي لم تستطع فرنسا احتواءها”.
وأضاف أن للجزائر “علاقات استراتيجية مع روسيا منذ الاستقلال إلى حد الآن، وللجيش الجزائري علاقة وطيدة جدا مع نظيره الروسي خاصة فيما يخص التسليح والتكوين والتدريب”.
رهانات استراتيجية
أما الدكتور إدريس شريف، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، فقد شدد على قراءة توقيت ودلالات المناورات البحرية بين البلدين في سياق موضوعي وتحليل منطقي بعيد عن التخمينات التي قد تجانب الحقيقة، وحصرها في خانة الرهانات الاستراتيجية.
واستند في تحليله من خلال حديثه مع “العين الإخبارية” إلى فهم دلالات توقيت المناورات عبر زاويتين اثنتين، هما “النفوذ الروسي في شمال أفريقيا والذي يمتد نحو الساحل، والتعاون العسكري القديم بين الجزائر وروسيا”.
وأشار إلى أن هذه المناورات تدخل في إطار “التعاون العسكري الجزائري الروسي حيث اعتادتا إجراء مناورات كل عام أو عامين، خاصة فيما يتعلق بتبادل الخبرات والمقاربات، لا سيما في مجال الاستراتيجيات البحرية، وتعكس في حد ذاتها أهمية التعاون بين البلدين، وأهمية الجزائر لروسيا كفاعل في شمال أفريقيا، ويطمح لأن يكون فاعلا استراتيجيا مؤثرا، وأيضا سعي موسكو لأن تعزز نفوذها في الضفة الجنوبية لحوض المتوسط، والتوغل أكثر في منطقة شمال أفريقيا نحو الساحل”.
ولفت المحلل السياسي إلى بعض الدلالات الأساسية أو كما سماها “ما وراء الدلالات الظرفية لهذه المناورات”، وقال إنها “تعكس الاتجاه الثقيل في العلاقات بين البلدين منذ عهد الاتحاد السوفيتي، وكلا الطرفين متمسك بهذه العلاقة الاستراتيجية، والجزائر بحاجة لموسكو كحليف استراتيجي في إطار التحولات الإقليمية والدولية، وروسيا أيضا بحاجة لحلفاء في المنطقة خاصة لمواجهة النفوذ الأمريكي والأوروبي وحتى الصيني الذي تزايد في السنوات الأخيرة”.
واستبعد فرضية “وجود تهديدات مشتركة” للبلدين، وفسر ذلك بالقول: “الأصح نتحدث عن تقارب أكثر في التصورات، والتهديدات المشتركة يفترض وجود عدو مشترك محدد وهذا ما لا يوجد في حالة العلاقات مع موسكو، بل هناك تقارب في التوجهات والتصورات نحو السلوك الذي يجب اتجاهه حيال التحولات التي يشهدها المحيط الدولي والإقليمي”.
واستطرد قائلا: “البلدان يسعيان إلى توحيد الرؤى نحو قضايا إقليمية أولها ليبيا، والجزائر وروسيا تلعبان دورا مهماً لحل أزمتهما، خاصة بعد الحديث في وقت سابق عن التضارب في موقفي البلدين مما يحدث بهذا البلد العربي، وفي العموم هناك تقارب أيضا فيما يتعلق بالأزمة السورية، وقضايا إقليمية مهمة مثلما يحدث في الساحل”.
وتحدث المحلل السياسي عن “عودة النفوذ الروسي في الأشهر الأخيرة إلى المنطقة، وهناك مسعى من موسكو ليكون لها موقع قدم في الساحل، وهي تبقى فرضية تستند إلى حنين للسياسة السوفيتية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي عندما كان الاتحاد يلعب دورا في دعم الحركات التحررية بأفريقيا”.
وأكد على أن المناورات بين البلدين “توحي بتقارب وتوحيد في وجهات النظر في بعض التحديات”.
وعاد المحلل السياسي إلى أهمية روسيا بالنسبة للجزائر، وذلك من خلال أن موسكو تعد “أكبر ممول للجزائر بالأسلحة، ومن الطبيعي أن يكون هناك توحيد للرؤى، ومن وجهة نظري كلا البلدين بحاجة إلى بعضهما، فروسيا تسعى لأن يكون لها حليف في المنطقة المتوسطية وهي منطقة استراتيجية، والجزائر بحاجة لحليف مثل روسيا في إطار التحولات الاستراتيجية وبعض القضايا الإقليمية ودعم الصوت الجزائري في بعض القضايا”.
المصدر العين الإخبارية