تسبب رد رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، على اتهامات «بعض الدول الجارة البلاد بالإرهاب»، في حالة تراشق في تونس وليبيا بين رافض لها وداعٍ إلى الابتعاد عن لغة التهجم.
ورغم مرور نحو 48 ساعة من عودة وفد حكومي ليبي رفيع المستوى إلى طرابلس من تونس، حاملًا معه من طرف السلطات تطمينات تنفي تسلل «إرهابيين» من الأراضي الليبية إليها، كما زعمت عدة تقارير، إلا أن تصريحات الدبيبة ليلة الجمعة إلى السبت في كلمة متلفزة أعادت إثارة القضية، وخلفت ردود فعل متباينة في البلدين، عندما أوضح أن «ليبيا حاربت الإرهاب في سرت وفي كل مكان، ولا يمكن أن نقبل باتهامنا بالإرهاب، وأنه تم إرسال وفد كبير لتونس للتفاهم معها بشأن هذه الاتهامات الغريبة».
وتساءل في هذا السياق: «من أين وفد علينا أكثر من عشرة آلاف إرهابي؟ لقد أتوا من الخارج، خاصة من بعض الدول المجاورة».
استغراب الرد على تقارير إخبارية
وتابع: «إذا كانت تونس تريد بناء علاقات قوية وصادقة معنا، فلابد من احترام دول الجوار، فهي دولة جارة وصديقة ونحن نريد بناء علاقات طيبة مع كل دول الجوار».
وجاء التوتر منذ أن أعلنت حكومة الوحدة الوطنية في 17 أغسطس الجاري، إعادة فتح المنافذ البرية وحركة الملاحة الجوية مع تونس، لكن الأخيرة رفضت القرار بدعوى الوضع الوبائي وعدم ترخيص اللجنة المكلفة مكافحة فيروس «كورونا»، فيما ربطته أوساط أخرى بمحاولة تسلل مجموعات إرهابية من قاعدة الوطية إلى تونس، ما نفته وزارة الداخلية بحكومة الوحدة لاحقًا.
وتفاعل حقوقيون ونشطاء مع تصريحات الدبيبة، معربين عن استيائهم لما سموه «التطاول على تونس»، مستدلين باختيار الرد على تقارير إخبارية ووثائق مسربة لم يكن مصدرها السلطات التونسية.
وعلق الباحث التونسي محمد ذويب في منشور له عبر حسابه الرسمي في «فيسبوك» أن عبد الحميد الدبيبة بعد «أن فشل في إيجاد حل لمشاكل بلاده ورفض إحراج حلفائه الأتراك وإيقاف عربدتهم وإجرام ميليشياتهم على كامل التراب الليبي، يحاول اليوم في خطابه تبرير فشله عبر تصدير أزمة حكومته إلى تونس».
وذكر محمد ذويب ردًّا على اتهام تونس بتصدير عشرة آلاف إرهابي لبلده، لكنه رفض ذكر بقية الحقيقة ولم يقل من المسؤول عن تسفير الشباب المغرر به إلى بؤر التوتر من ليبيا إلى سورية إلى العراق وغيرها، على حد تعبيره.
وبلغة أكثر هدوءًا يرى المكلف الإعلام باسم الاتحاد العام التونسي للشغل وهي من أكبر المنظمات النقابية، غسان القصيبي، أن ترويج الأكاذيب والأخبار المغلوطة في تونس كان سببًا لمهاجمة الدبيبة لتونس، في سياق الدفاع عن بلاده.وأضاف أن تونس «تحتاج إلى علاقات طيبة مع جيرانها الجزائر، ليبيا، إيطاليا» داعيًا بعض الأصوات للكف عن نشر الأكاذيب والإشاعات وتشويه دول في إطار «لعبة الشقوق والمحاور».
اتهام بتسجيل نقاط انتخابية
وفي رد هجومي اعتبر الإعلامي التونسي سمير الوافي، في منشور على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أن «الخبرة والحنكة السياسية خذلت الدبيبة» بعدما تجنى وتحامل وتطاول على تونس، كما أورد الوافي، معتقدًا أن الدبيبة «أراد تسجيل نقاط لغايات انتخابية، فتهور لسانه وخرج عن الذوق الدبلوماسي».
واستغرب كيف بنى رئيس الحكومة اتهامه على تقارير إعلامية أغلبها مصدرها ليبي ونقلتها وسائل الإعلام التونسية قائلًا إن «تونس لم يصدر عنها أي موقف رسمي خلال المدة الأخيرة يتهم ليبيا باحتواء إرهابيين».
من جانبه أوضح الباحث المختص في الشأن الليبي، رافع الطبيب، أنه «باستثناء ثلة من الأكاديميين والصحفيين المهتمين بشؤون ليبيا الحبيبة، لا أحد من الرسميين أو المسؤولين، يخوض في المعضلة الليبية التزامًا بواجب التحفظ، وكم كنت أتمنى أن يكون التعامل بالمثل من جانبكم».
ولفت إلى أن «تونس دولة وشعبًا لم ترسل أي إرهابي إلى ليبيا الحبيبة. ليبيا العمق الاستراتيجي»، متهمًا في هذا الصدد حركة «النهضة» التونسية بأنها شحنت إلى «طرابلس قطيعًا من الإرهابيين»، مخاطبًا الدبيبة بألا يكون «ذراعًا تخريبية بيد أنقرة لأن في تونس جيشًا عصيًّا عن الاختراق».واللافت من تفاعل أغلب النشطاء التونسيين أن كلا طرفي الأزمة السياسية سواء الموالين للرئيس قيس سعيد بشأن قراراته الأخيرة الصادرة منذ 25 يوليو أو الرافضين لها اصطفوا في سياسة المحاور ردًّا على تصريحات الدبيبة.
وقال القيادي بحركة «النهضة»، وزير الصحة الأسبق عبد اللطيف المكي في تدوينة له عبر حسابه الرسمي بـ«فيسبوك»، إن «توتير العلاقات مع ليبيا عن طريق الإشاعات والتراشق الإعلامي هو قمة العبث بالأمن القومي التونسي والتلاعب بقوت مئات الآلاف من التونسيين، خاصة في الجنوب وأيضًا مصالح مئات الآلاف من الأشقاء الليبيين»، متسائلاً عن المستفيد من ذلك ولمصلحة من؟ جازمًا بأن الأمر لا يخدم مصلحة تونس وإنما مصالح جهات خارجية معادية.
ردود ليبية متباينة
وداخليًّا أشاد اتحاد القبائل الليبية، أمس السبت، في بيان، بـ«عمق العلاقات التاريخية والروابط الاجتماعية التي تربط الشعبين الشقيقين»، متوجهًا «بأسمى عبارات الود والاحترام والتقدير إلى الشعب التونسي الشقيق وقيادته الحكيمة». لكنه استطرد أن الشعبين، الليبي والتونسي، شعب واحد في دولتين، يتعرضان للإرهاب المدعوم من تركيا، على حد قوله.
أما وزير العدل الليبي الأسبق صلاح المرغني، فقد رفض مهاجمة أو إهانة دولة تونس قائلًا في منشور له، عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «إن الليبيين والتونسيين، شعب واحد في دولتين».وقبلها رد ما يسمى بـ«تجمع قادة ثوار ليبيا»، على ما صدر عن الجانب التونسية عن تجنيد عناصر «دواعش» في ليبيا من أجل زعزعة الأمن في تونس، بأنه اتهام الباطل وتلفيق وأكاذيب.
يشار إلى أنه مع إعلان الرئيس التونسي كشف مخطط إرهابي كان يستهدف اغتياله، أعلنت وزارة الدفاع التونسية توقيف عشرات السوريين الذين حاولوا التسلل إلى تونس من ليبيا.وكانت مذكرة من مكتب «الإنتربول» في تونس، زعمت وجود نحو 100 إرهابي يتدربون في قاعدة الوطية الجوية التي تشرف عليها القوات التركية، وهو أمر نفاه وزير داخلية حكومة الوحدة الوطنية خالد مازن.
وقبل أيام مدد قيس سعيد، بأمر رئاسي صدر في الجريدة الرسمية، إعلان المثلث الحدودي الجنوبي منطقة حدودية عازلة لسنة إضافية بداية من اليوم الأحد الـ29 من أغسطس 2021، في مواصلة للقرار الصادر منذ العام 2013.
بوابة الوسط