عاد السفير الفرنسي السابق في الجزائر، كسافيي دريانكور، للتفصيل في تصريح سابق له خلّف جدلا كبيرا في الأوساط السياسية والإعلامية، عندما قال إن الجزائر ينظر إليها في دواليب صناعة القرار في باريس على أنها شأن داخلي فرنسي.
وقال الدبلوماسي الفرنسي السابق بعدما راجع تصريحه السابق: “يتعامل السفير الفرنسي في الجزائر عادة مع الماضي، هناك قضية الذاكرة لكنه يحضر للمستقبل من دون شك.. وبالنسبة لدبلوماسيتنا، فإن الجزائر هي موضوع سياستنا الخارجية، مثلها مثل أوكرانيا أو الصين. لكنها أيضًا موضوع للسياسة الداخلية، بالنظر إلى عدد السكان الفرنسيين، نحو 10٪ منهم لديهم صلة بالجزائر”.
دريانكور الذي مر على الجزائر كسفير لمرتين، الأولى بين عامي 2008 و2012، والثانية بين عامي 2017 و2020، تحدث عن جانب من الخلفيات التي كانت وراء الانزلاق الذي وقع فيه الرئيس الفرنسي، إيمانوبل ماركون، الخريف المنصرم، والذي شكك فيه بوجود أمة جزائرية قبل الاحتلال الفرنسي لها في العام 1830.
وأوضح ماكرون في حوار لـ”لوفيغارو فوكس” أورده موقع الصفحة على الأنترنيت: “أتخيل أن إيمانويل ماكرون كان له هدف، وهو إعادة تفعيل مسودة” معاهدة الصداقة “بين البلدين أو على الأقل اغتنام الفرصة لتطبيع العلاقات مع الجزائر. اعتمد على تقرير بنجامين ستورا، وبدأ بتصريحه الذي وصف فيه في العام 2017 ممارسات الاستعمار بـ”الجرائم ضد الإنسانية” التي يُفترض أن فرنسا ارتكبتها في فبراير 2017، عندما كان لا يزال مرشحًا للإليزيه. لكنه أدرك لاحقا أنه لم يحصل على أي “عائد” من محاوريه الجزائريين.
وأضاف: “بعد نشر تقرير ستورافي يناير 2021، أعلن المستشار الجزائري (لدى رئاسة الجمهورية) المسؤول عن الأرشيف والذاكرة، عبد المجيد الشيخي، على سبيل المثال، أن (التقرير) يعتبر “مشكلة فرنسية – فرنسية”، دون مزيد من التعليق. غير أن عدم تجاوب الطرف الجزائري خلف خيبة أمل ومرارة لدى الرئيس (ماكرون) فيما يتعلق بالجزائر. ومن هنا جاءت تصريحات إيمانويل ماكرون الأخيرة (في أكتوبر2021) حول “المتاجرة بملف الذاكرة” من قبل الجزائر”.
وعن نظرة الجزائريين إلى بلاده، يقول السفير السابق: “بالنسبة للجزائريين، فإن فرنسا هي المستعمر السابق الذي ننتقده، لكنها أيضًا البلد المجاور، حيث لكل فرد أخ، وجدة، وابن عم… هي أيضا تأشيرة، كرسي في المدرسة الثانوية الفرنسية في الجزائر العاصمة أو في السوربون…”، لكنه تجاهل أن يقول إن الكثير من المشاكل التي تعانيها الجزائر اليوم، موروثة من حقبة الاحتلال الفرنسي المظلمة، والتي تسببت في تقهقر الجزائر بسنوات ضوئية، جراء سرقة ثرواتها وتفقير وتجهيل أبنائها ونفيهم إلى أقاصي الدنيا.
وبالمقابل، فقد اعترف الدبلوماسي الفرنسي، أن سياسة بلاده تجاه الجزائر في السنوات القليلة الأخيرة، تسببت في خسارتها الكثير من الامتيازات التي كانت تتمتع بها: “.. في عام 2008، زودت الشركات الفرنسية 16٪ من حاجيات السوق الجزائري، واليوم انخفضت النسبة إلى 10٪ فقط. تحول صناع القرار الجزائريون بشكل كبير إلى إيطاليا وإسبانيا وألمانيا وبالطبع تركيا والصين..”.
وبخصوص اتفاقية 1968 المتعلقة بتنقل وإقامة الأشخاص الموقعة بين الجزائر وباريس، قال دريانكور: “تم التفاوض بشأن حركة وتوطين الجزائريين في فرنسا في وقت كانت تبذل فيه جهود لجلب العمالة الأجنبية إلى فرنسا. تمت إعادة التفاوض عليها ثلاث مرات، لكن مبادئها الأساسية واستثناءاتها من القانون العام باقية. في كل مرة أردنا تغيير الخلفية، لكن فشلنا، وسيكون من الضروري اليوم وضع الجهاز بالكامل للنقاش، لكننا نميل إلى ترتيب الملفات المتعلقة بالجزائر، وينبغي مناقشة هذه النقطة مع الآخرين، للحصول على نظرة عامة حقيقية عن علاقتنا”.