دعا الرئيس التونسي قيس سعيّد في الفترة الأخيرة مختلف الهياكل الاقتصادية والتجارية إلى التخفيض في أسعار المواد الاستهلاكية، ما يطرح بجدية سبل تفعيل هذه الخطوة على أرض الواقع، وسط دعوات المراقبين إلى محاربة الاحتكار والمضاربة، فضلا عن مراقبة مسالك التوزيع لمعالجة القدرة الشرائية للمواطنين.
وقررت الغرفة النقابية الوطنية للمياه المعلّبة التابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية الجمعة التخفيض في أسعار البيع عند الإنتاج للمياه المعلبة بنسب متفاوتة لا يقل حدّها الأدنى عن 5 في المئة في جميع الحالات. ويأتي ذلك تفاعلا مع دعوة الرئيس سعيّد أصحاب الشركات المعلِّبة للمياه للتخفيض في الأسعار في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد.
وسبق أن اسقبل الرئيس قيس سعيّد الرئيس المدير العام للصيدلية المركزية التونسية ورئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة وكاتب عام نقابة الصيادلة، ودعا إلى التخفيض في أسعار الأدوية، مثمّنا الدور الكبير الذي بذله الصيادلة في مواجهة جائحة كورونا، حسبما ذكرت وكالة الأنباء التونسية.
ودعا الرئيس سعيّد الصيادلة إلى التخفيض قدر الإمكان في أسعار الأدوية وأن يساهموا في المجهود الوطني ومساعدة “البائس والمحتاج والفقير قدر الإمكان”، مذكرا فى هذا الصدد بدعوة سابقة كان قد توجه بها إلى التجار ولقيت استجابة من العديد منهم إثر لقاء جمعه برئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، مشيرا إلى قدرتهم على التخفيض في أسعار الأدوية بالنظر إلى أن تونس تمر بمرحلة صعبة تقتضي تحمل “المسؤولية التاريخية”.
ويرى مراقبون أن مسألة التخفيض في الأسعار تتطلب بالأساس إصلاح السياسات الاقتصادية المتبعة منذ عشر سنوات، فضلا عن مراجعة مختلف العوامل المرتبطة بها، وفي مقدمتها الاحتكار والمضاربة.
وأفاد حسين الديماسي وزير المالية الأسبق أن “مسألة التخفيض في الأسعار معقّدة، وهناك استسهال كبير في التعامل معها، وهي ناتجة عن تراكم الأخطاء الكبيرة المرتكبة منذ أكثر من عشر سنوات ونتج عنها هبوط في قيمة الدينار التونسي”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “التخفيض في الأسعار ممكن، لكن ليس بالأماني، والمسألة تتطلب إصلاح المجال الاقتصادي، حيث هناك ارتفاع مهول في الكلفة وكتلة الرواتب، وهناك أسعار مدعمة وأُجبرت الدولة على الزيادة فيها”.
ودعا الديماسي إلى “ضرورة إصلاح السياسة الاقتصادية”، قائلا “محاربة المحتكرين والمضاربين لا تكفي لخفض الأسعار”.
ولئن ثمّنت شخصيات سياسية الخطوة التي اتخذها الرئيس سعيّد، فإنها دعت إلى ضرورة تفعيلها عبر حوارات حقيقية مع الهياكل المعنية، علاوة عن مراجعة الأسعار ومراقبة مسالك التوزيع لتحسين القدرة الشرائية للتونسيين.
وتساءل النائب المستقل حاتم المليكي في تصريح لـ”العرب”، إن كانت هذه التخفيضات موسمية وتشمل بعض المواد، أم أنها ستكون هيكلية وتطال حتى تلك المواد المدعمة من الدولة؟
وأضاف “هناك مسألتان هامتان تحتاجان معالجة وهما، الاحتكار والقدرة الشرائية للمواطنين”، مشيرا إلى أنه “يفترض على سعيّد أن يبدأ في نقاشات حول المسألة في علاقة بكلفة الإنتاج ومراجعة الأسعار”.
وتابع “مراقبة الاحتكار الآن من أصعب الخطوات لأنها تشمل مختلف المواد الاستهلاكية والأدوية وغيرهما، ويجب وضع خطة وطنية لمحاربة الاحتكار ومراقبة مسالك التوزيع من قبل وزارتي التجارة والمالية”.
واستطرد “الرئيس سعيّد وضع التوجّه العام لمعالجة القدرة الشرائية للتونسيين، وتفعيل هذه الخطوة يتطلب جهدا كبيرا”.
وحذر الرئيس سعيّد موزعي المواد الغذائية من احتكارها والتلاعب بالأسعار واستغلال الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
ودعا في مقطع مصور نشرته الرئاسة التونسية عقب زيارة أداها إلى مقر وزارة التجارة وتنمية الصادرات إلى “ضرورة مساهمة أصحاب مسالك التوزيع في المجهود الوطني وتحمل المسؤولية، وعدم استغلال الظرف الذي تمر به البلاد”، قائلا “نحن في معركة أو في حرب إن شئتم، لكن دون دماء ودون رصاص، أعرف الكثير عن طرق الاحتكار وعن المستودعات التي توجد فيها الآلاف من الأطنان من المواد الغذائية”.
وأكد سعيّد حق التجار في “ربح مشروع، ولكن ليس لهم الحق في الاحتكار أو المضاربة أو تغييب بعض المواد الغذائية”، مضيفا “يمكن التصدي لهم بالقانون ولكن قبل أن نلجأ إلى القوانين عليهم أن يساهموا من تلقاء أنفسهم”.
وقرّر الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والجامعة الوطنية للصناعات الغذائية في بلاغ التخفيض في أسعار عدد من المنتوجات.
كما أعلنت الغرفة النقابية الوطنية للمساحات التجارية الكبرى التابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية في بلاغ لها قرارها الاستجابة لدعوة الرئيس قيس سعيّد بالتخفيض في الأسعار.
وسبق أن دعا الرئيس التونسي البنوك إلى خفض أسعار الفائدة، وقال إنه لا سبيل لمصادرة الأموال أو الابتزاز، في محاولة لطمأنة رجال الأعمال والمستثمرين بعد أن أكّد أنه سيطرح مبادرة صلح لاسترجاع الأموال المنهوبة.
وجاء ذلك في بيان صادر عن الرئاسة التونسية عقب لقاء جمع سعيّد في قصر قرطاج مع محمد العقربي رئيس الجمعية المهنية التونسية للبنوك والمؤسسات المالية (مستقلة) وعضوي الجمعية منى سعيد وهشام الرباعي.
وأشار سعيد إلى أنه “يقدر وطنية الناشطين في قطاع البنوك والمؤسسات المالية”. كما دعاهم إلى “بذل جهد إضافي في هذه الفترة الاستثنائية التي تمر بها بلادنا والوقوف في نفس الجبهة مع الشعب التونسي وذلك عبر الحط قدر الإمكان من نسب الفائدة المعمول بها ليعود جزء منها إلى المجموعة الوطنية”.
صحافي تونسي
صحيفة العرب