الجزائر أعلنت الأربعاء عودة سفيرها لدى فرنسا عنتر داود إلى ممارسة مهامه وذلك بعد قرابة 3 أشهر من استدعائه للتشاور احتجاجا على تصريحات “مسيئة”.
الخبير الدولي الجزائري في الأزمات، حسان قاسيمي، قال للأناضول:
– في حال استمرت باريس في سياسة عدم الاعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي بالجزائر فإن التوتر لن ينقشع عن العلاقات الثنائية.
– شرط تجاوز الانسداد الحاصل حاليا، أن تتطلع فرنسا جديا لعلاقة هادئة مع الجزائر
– الجالية الجزائرية في فرنسا يمكن أن تشكل أداة مهمة للضغط في الانتخابات المقبلة.
يرى الخبير الدولي في الأزمات، حسان قاسيمي، أن استئناف سفير الجزائر لدى باريس لمهامه، لا يعني بالضرورة “عودة العلاقات بين البلدين إلى حالتها الطبيعية”.
وأعلنت الجزائر، الأربعاء، عودة سفيرها لدى فرنسا عنتر داود إلى ممارسة مهامه ابتداء من الخميس، وذلك بعد قرابة 3 أشهر من استدعائه للتشاور احتجاجا على تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون الـ”مسيئة”.
وقال قاسيمي الذي شغل مناصب سامية في وزارة الداخلية الجزائرية سابقا، للأناضول: “إن السوابق بين الجزائر وفرنسا ثقيلة جدا، وفي حالة ما استمرت باريس في سياسة الهروب إلى الأمام وعدم الاعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي (1830-1962) في الجزائر فإن التوتر لن ينقشع عن العلاقات الثنائية”.
ويتوقع قاسيمي أن تكون عودة السفير الجزائري إلى باريس، استئنافا “حذرا” لعلاقات، لن تكون أبدا مثل سابق عهدها.
وأوضح أن سحب الجزائر سفيرها لدى باريس في 2 أكتوبر/تشرين الماضي، “يدخل ضمن الإجراءات الدبلوماسية المتعارف عليها لكي تعبر دولة ما عن انزعاج واستنكار سياسي لما صدر من دولة أخرى”.
وأضاف أن ما حصل لم يصل إلى درجة القطيعة النهائية، “حيث استمرت القنوات الدبلوماسية في العمل، كما استمر السفير الفرنسي لدى الجزائر في أداء مهامه بالعاصمة الجزائرية”.
وبين قاسيمي في المقابل، أن ما أرادت أن توصله الجزائر لباريس “هو أنها (فرنسا) تعيش حملة انتخابية مسبقة، ومطلوب منها أن تكون حذرة للغاية حتى لا تكون الجزائر مستغلة أو مقحمة في الصراعات الداخلية لفرنسا”.
وجاء استدعاء السفير الجزائري، عقب تصريحات نقلتها صحيفة لوموند عن الرئيس الفرنسي يتساءل فيها “عما إذا كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي (1830-1962)، متهما النظام الجزائري، بالاستثمار في “ريع الذاكرة” وتنمية الضغينة تجاه فرنسا.
وقرر الرئيس عبد المجيد تبون في 3 أكتوبر، حظر تحليق الطيران العسكري الفرنسي العامل في الساحل الإفريقي ضمن قوة برخان، في الأجواء الجزائرية وهو قرار لم يعلن بعد رفعه.
واعتبر تبون في مقابلة مع مجلة “شبيغل” الألمانية تصريحات ماكرون “خطيرة جدا”، وقال: “لا ينبغي المساس بتاريخ الشعوب، ولا يجب أن يهان الجزائريون”، وأكد أنه لن يبادر بتخفيف الأزمة، لأنه “لا يوجد جزائري سيقبل أن استأنف الاتصالات مع من أطلقوا هذه الشتائم”.
وفي 10 ديسمبر/ كانون الأول الماضي أجرى وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان زيارة مفاجئة إلى الجزائر وصفت بأنها محاولة لحلحلة الأزمة بين البلدين.
“يجب أن تتخلى عن ذهنية الاستعمار”
ويجيب قاسيمي عن رؤيته لمستقبل العلاقات بين البلدين بالقول:” إنه مرهون بمدى تخلي فرنسا عن ذهنيتها الكولونيالية (الاستعمارية) والتي تعرف بثقافة فرنسا-إفريقيا أي ارتباط مصيرهما”.
وقال:” دائما ما اعتبرت فرنسا، أن الجزائر بمثابة حديقتها الخاصة، وهذا ما تعمق أكثر طيلة ال 20 سنة الماضية لحكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة (1999-2019) الذي منح امتيازات ضخمة لفرنسا دون مقابل”.
وتابع قاسيمي: “علاقات البلدين يمكن أن تتجاوز الانسداد الحاصل حاليا، شريطة أن تتطلع فرنسا جديا لعلاقة هادئة مع الجزائر التي لن تقبل أبدا التجاوزات أو التصرفات العدائية او غير المقبولة الصادرة عن هذه الدولة”.
وحذر الخبير الدولي في الأزمات وقضايا الهجرة، من “النوايا السيئة لفرنسا تجاه الجزائر، حيث تعمل على قدم وساق لحرمانها من كل عناصر النهضة والقوة والاستقرار”.
وأفاد بأنها (فرنسا) تستمر في التآمر من أجل إضعاف الجزائر، أملا في خلق سيناريو مشابه لليبيا، حيث تستهدف الانهيار التام للدولة الجزائرية.
لوبي جزائري مؤثر في فرنسا
وفيما يتعلق بقراءة الجزائر للمشهد الانتخابي الفرنسي، تحسبا لرئاسيات أبريل/ نيسان المقبل، قال قاسيمي إن “للجزائر جالية قوية هناك، يمكن أن تشكل أداة مهمة للضغط في هذه الانتخابات”.
وغالبا ما يلجأ المرشحون الأوفر حظا، للفوز بسباق الرئاسة الفرنسية إلى الجالية الجزائرية، كونها تشكل وعاء معتبرا من الناخبين يقترب من حوالي 6 ملايين نسمة وفق تقديرات غير رسمية.
وألمح قاسيمي إلى ضعف التواصل الفعال بين الحكومة الجزائرية والجزائريين المقيمين بفرنسا، والذين يشكلون الأغلبية الكبيرة للأجانب المقيمين بهذه البلاد.
ودعا في السياق، الحكومة الجزائرية إلى تنظيم الجالية بالخارج بالشكل الذي يجعلها “قادرة على لعب دور اللوبي القوي والمفيد لصالح البلاد”.
وأردف أن “تشكيل هذا اللوبي ضرورة ملحة يجب أن تدون في أجندة الحكومة الجزائرية”.
وتابع أن “الجزائر استفاقت لتوها من سبات سياسي طويل جعلها تخسر تأثيرها في فرنسا، رغم أننا نملك جالية معتبرة بهذا البلد”.
واعتبر قاسيمي بأن “جزائر اليوم ليست جزائر فال دوغراس”، في إشارة إلى المستشفى الفرنسي الذي عالج فيه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، سنة 2013 وكان معارضون يعتبرونه رمزا للهيمنة الفرنسية على القرار الجزائري آنذاك.
وقال إن “فرنسا قامت بابتزاز الرئيس السابق (عبد العزيز بوتفليقة)، بعلاجه وملفه الصحي مقابل الحصول على امتيازات بملايين اليوروهات”.
ودام الاستعمار الفرنسي للجزائر بين 1830 و1962، وتقول السلطات الجزائرية ومؤرخون إن هذه الفترة شهدت جرائم قتل بحق قرابة 5 ملايين شخص، إلى جانب حملات تهجير ونهب الثروات.
وفي عام 2012، اعترفت فرنسا للمرة الأولى بهذه المجازر، من قبل الرئيس السابق فرانسوا أولاند خلال زيارته للجزائر.
المصدر وكالات