يادة الغذائية للبلاد، مع رفض الرجال العمل فيه بسبب تدني الأجور وإرهاق العمل، ومع ذلك تعاني العاملات من ظروف مجحفة في غياب أي حقوق لهن.
تونس – يستمرّ تهميش قطاع العاملات في المجال الزراعي في تونس، حيث لم يتم تحسين وضعياتهنّ المعيشية والمهنية منذ سنوات، ولا زلن يشتغلن في ظروف عمل هشّة دون تغطية اجتماعية أو صحيّة، رغم المساهمة الكبيرة للنساء الريفيات في بناء الاقتصاد والمجتمع.
وتفيد أرقام رسمية بوجود نصف مليون امرأة يشتغلن في القطاع الزراعي، ويمثلن 80 في المئة من السيادة الغذائية لتونس وأجورهنّ لا تغطي حاجياتهن الأساسية أمام الأزمة الاقتصادية الخانقة، ما يطرح بجدية ضرورة أن تضع الهياكل المشرفة على القطاع برامج جديدة تهدف إلى تقنين عملهن وحفظ كرامتهن.
وتخاطر النساء العاملات في الزراعة بحياتهن يوميا للوصول إلى أماكن عملهن، حيث يركبن سيارات تتخطى حمولتها ما يسمح به القانون بدون أدنى حماية وفي ظروف قاسية.
ويتهم السياسيون التونسيون السائقين بالتسبب في حوادث الطرقات التي تودي بحياة العاملات اللائي يعتبرن أن وسيلة النقل هذه ورغم خطورتها مهمة وهي الوحيدة المتاحة لهن.
وطالبت النساء العاملات في القطاع الزراعي الحكومة بضرورة تحسين وضعيتهن الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة والهشة، وخاصة تفعيل ترسانة القوانين الموضوعة والتي لم تفعّل إلى الآن وبقيت معطلة.
وعبرت النساء العاملات بمناسبة انعقاد المؤتمر السنوي الأول للعاملات في القطاع الزراعي بالعاصمة تونس، تحت شعار “نضال من أجل حقوقنا الاقتصادية والاجتماعية”، عن امتعاضهن من الظروف الصعبة التي يعملن فيها.
وتحدثن عن ظروف النقل المحفوفة بالمخاطر وهضم حقوقهن المالية في ظل تقاضيهن لأجور يومية زهيدة.
وشددت منية بن عمر عاملة في القطاع الزراعي في ولاية سيدي بوزيد على أن وضعيتها والعديد من النساء في الجهة “صعبة جدا”، بداية من توقيت العمل الذي يستغرق 12 ساعة في اليوم (من الرابعة فجرا إلى الرابعة بعد الظهر) مرورا بظروف النقل الخطيرة، وصولا إلى ظروف العمل الشاقة والمقابل المادي الزهيد والحرمان من التغطية الاجتماعية والصحية.
وأكدت في تصريح لوكالة الأنباء التونسية على “عدم إنسانية ظروف النقل بواسطة الشاحنات”، موضحة أن “سائق الشاحنة يتعمد إلقاء الماء في الشاحنة حتى لا تجلس النساء من أجل تخصيص أكبر عدد ممكن من الأماكن وقوفا إلى درجة أنه يتم نقل أكثر من 30 امرأة في الشاحنة الواحدة”.
وتعيش أكثر من مليون و700 ألف امرأة وفتاة في الأرياف، بنسبة 32 في المئة من مجمل النساء في تونس، و50 في المئة من مجمل سكان المناطق الريفية، كما يمثلن ما بين 62 و80 في المئة من اليد العاملة في القطاع الزراعي في البلاد. ورغم ذلك تعد المرأة الريفية من أكثر الفئات تهميشاً.
وأوضحت سارة بن سعيد من جمعية “أصوات نساء” أن حملة “نساء تعيش” انطلقت منذ عام 2020 وتتكون من عدة منظمات من المجتمع المدني وعدد من العاملات في القطاع الزراعي ساهموا للوصول إلى تنظيم أول مؤتمر سنوي للنساء العاملات في القطاع الزراعي بعد خمس سنوات من إصدار القانون رقم 51 لسنة 2019 المتعلق بالنقل الآمن للعاملات في القطاع الزراعي.
ولاحظت بن سعيد أن “المؤتمر ينعقد في ظل الظروف الهشة التي تعرفها النساء العاملات في القطاع الزراعي وهن من قررن تنظيم هذا المؤتمر في العاصمة للتعبير عن حقهن في العمل اللائق وفي التغطية الاجتماعية والنفاذ إلى الخدمات الصحية”.
وعبرت عن أسفها من تعاطي الحكومات المتعاقبة مع ملف النساء العاملات في القطاع الزراعي وهضم حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية في ظل ما وصفته بـ”الصمت المريب من الدولة بخصوص هذا الملف”.
وتتصاعد دعوات المطالبة بتحسين ظروف عمل النساء في الزراعة، وقد وصلت إلى حد دعوتهن إلى الاحتجاج في الشارع من أجل تحقيق مطالبهن.
وتطالب النساء العاملات في القطاع الزراعي بضرورة توفير وسائل نقل ملائمة، وتبسيط الإجراءات لاقتناء تلك الوسائل، فضلا عن الإحاطة بهنّ اقتصاديا واجتماعيا.
وقالت زهرة النفاتي رئيسة الاتحاد المحلي للفلاحة والصيد البحري بغار الملح من ولاية بنزرت (شمال) إن “وضعية العاملات في القطاع الزراعي لم تتحسن منذ سنوات، وفي سنة 2020 أسسنا لجنة لتمكين أصحاب النقل الريفي من نقل العاملات، لكن المشكلة أن العاملات يتعاملن مع صاحب الضيعة”.
وأضافت النفاتي لـ”العرب” أن “العاملات يفتقرن إلى الإمكانات وأجورهنّ لا تزال ضعيفة، حيث تتراوح بين 15 و20 دينارا (4.73 و6.31 دولارا) في ضيعات الشمال الغربي وبين 25 و35 دينارا (7.39 و11.05 دولار) في الشمال الشرقي، مقابل طول ساعات العمل بين 10 و12 ساعة في اليوم”.
وتابعت “من تعرّضن لحوادث شغل أثناء نقلهنّ وأخريات توفيْن لم تتحصل عائلاتهن على تعويضات مادية باعتبار أن الكثيرات منهنّ يعتبرن مورد الرزق الوحيد لأسرهنّ، ويجب إبرام اتفاقية لتقنين شروط العمل وتوفير الحماية اللازمة للعاملات في الحقول”.
وتطرّق تقرير رصد الحقوق الاجتماعية والاقتصادية في البلدان العربية إلى إنتاج زيت الزيتون في تونس، إذ ورد فيه أنّ مساهمة النساء في صناعته تعتبر هي الأكبر وتقدّر بـ2 مليار دينار تونسي، وذلك لكونهن مصدرًا للعمالة الرخيصة خلال مواسم الجني.
وجاء في التقرير أن النساء الريفيات يشكّلن 90 في المئة من عمال الحصاد ويعملن كعاملات زراعيات موسميات، كما يتلقين أجورهن بشكل يومي وهي غالبًا أقل مما يكسب الرجال الذين يقومون بالعمل ذاته، ويتم صرف جزء صغير من أجورهن على وسائل النقل التي تقلهن من قراهن إلى بساتين الزيتون وينظم ذلك عادة المستخدمون من أصحاب المزارع.
ووصفت لمياء قام مديرة وحدة المرأة الفلاحة باتحاد الفلاحين في تونس، وضعية المرأة العاملة في الحقول بـ”الهشة”، قائلة “لم يتطوّر وضع النسوة العاملات ولا توجد أي مشاريع لتحسين تلك الظروف، فضلا عن وجود نقل غير لائق وغير آمن مع تواصل الأجور الزهيدة”.
وأوضحت في تصريحات لـ”العرب” أنه “لم تتم معالجة مشكلة النقل، وهناك مقترح قانون خاص بتنظيم تنقل النسوة العاملات في الضيعات مع تشديد الرقابة على تلك العمليات، لكن تبيّن أنهنّ يعملن حسب المواسم الزراعية، فضلا عن وجود وسطاء في نقلهنّ إلى مكان العمل”.
واستطردت قائلة “ظلّت تلك النساء تعملن حتى في زمن الكوارث والأوبئة وبقي المنتوج متواصلا في فترات انتشار وباء كورونا”.
وسنّ البرلمان التونسي المنحلّ القانون عدد 51 لسنة 2019 المتعلق بإحداث صنف نقل خاص بالعملة والعاملات في القطاع الزراعي إثر فاجعة منطقة السبّالة من ولاية سيدي بوزيد (وسط) والتي راح ضحيتها 12 عاملا وعاملة بالإضافة إلى وقوع 20 جريحا، تحت ضغط مجتمعيّ واسع.
وعلى الرغم من سنّ هذا القانون، فإنّ مطلب النقل الآمن لم يتحقق في ظلّ عجز الدولة وأحيانا تواطؤ الموظفين في الرقابة على وسائل النقل التي تستقلها النساء العاملات في القطاع الزراعي، وكذلك الإشكال في مقاربة الدولة في معالجة هذا الملف.
وكشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تقرير له أنه منذ 2015 سجلت وفاة 51 امرأة من العاملات بالقطاع الزراعي في 56 حادثة، لكن هذا الرقم مرشح للارتفاع، إذ يتم الإعلان بشكل يومي عن حوادث جديدة من دون أن تنجح السلطات في إيجاد حل لهذه المعضلة.
وقالت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة في تونس راضية الجربي إن “العاملات في القطاع الزراعي موضوع شائك ومعقد، ومع تقدم الوقت يزداد صعوبة، لأننا لم نهتدِ إلى الحل الأسلم والجذري لمعالجة قضايا النقل وقضاياهن بشكل عام سواء بالأجر أو الضمانات الاجتماعية والصحية”.
وبسبب عدم تنظيم هذا القطاع وعدم دراسة القضايا التي تخصه باتت النساء عرضة للعنف والاستغلال وحوادث مستمرة.
وصدر بتاريخ 19 أكتوبر 2022 الأمر الحكومي عدد 768 الذي يقضي بترفيع طفيف في الأجر الأدنى اليومي المضمون للعاملات بالقطاع الزراعي ليبلغ 17.664 دينارا بعد أن كان 16.512 خلال سنة 2021.
وكانت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن قد أعلنت عام 2018 عن دعم النساء والفتيات في المناطق الريفية من خلال 3550 قرضا بقيمة تتجاوز 8 ملايين دولار، عبر برنامج تمكين المرأة الريفية لحثها على إنشاء مشاريع صغرى.
ويهدف البرنامج إلى تنمية القدرات والمهارات الإنتاجية وإدارتها، ودعم انخراط النساء في الاقتصاد، وضمان ظروف العمل اللائق للمرأة الريفية بما في ذلك حمايتها من الأخطار الممكنة في النشاط الزراعي.
جنديات السيادة الغذائية حقوقهن مهضومة في تونس
خالد هدوي
الأحد 2023/03/19
ShareWhatsAppTwitterFacebook
يجب حفظ كرامتهن
تعتبر النساء العاملات في القطاع الزراعي التونسي عماد السيادة الغذائية للبلاد، مع رفض الرجال العمل فيه بسبب تدني الأجور وإرهاق العمل، ومع ذلك تعاني العاملات من ظروف مجحفة في غياب أي حقوق لهن.
تونس – يستمرّ تهميش قطاع العاملات في المجال الزراعي في تونس، حيث لم يتم تحسين وضعياتهنّ المعيشية والمهنية منذ سنوات، ولا زلن يشتغلن في ظروف عمل هشّة دون تغطية اجتماعية أو صحيّة، رغم المساهمة الكبيرة للنساء الريفيات في بناء الاقتصاد والمجتمع.
وتفيد أرقام رسمية بوجود نصف مليون امرأة يشتغلن في القطاع الزراعي، ويمثلن 80 في المئة من السيادة الغذائية لتونس وأجورهنّ لا تغطي حاجياتهن الأساسية أمام الأزمة الاقتصادية الخانقة، ما يطرح بجدية ضرورة أن تضع الهياكل المشرفة على القطاع برامج جديدة تهدف إلى تقنين عملهن وحفظ كرامتهن.
وتخاطر النساء العاملات في الزراعة بحياتهن يوميا للوصول إلى أماكن عملهن، حيث يركبن سيارات تتخطى حمولتها ما يسمح به القانون بدون أدنى حماية وفي ظروف قاسية.
ويتهم السياسيون التونسيون السائقين بالتسبب في حوادث الطرقات التي تودي بحياة العاملات اللائي يعتبرن أن وسيلة النقل هذه ورغم خطورتها مهمة وهي الوحيدة المتاحة لهن.
وطالبت النساء العاملات في القطاع الزراعي الحكومة بضرورة تحسين وضعيتهن الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة والهشة، وخاصة تفعيل ترسانة القوانين الموضوعة والتي لم تفعّل إلى الآن وبقيت معطلة.
لمياء قم: وضع العاملات لم يتطور ولا مشاريع لتحسين ظروفهن
لمياء قم: وضع العاملات لم يتطور ولا مشاريع لتحسين ظروفهن
وعبرت النساء العاملات بمناسبة انعقاد المؤتمر السنوي الأول للعاملات في القطاع الزراعي بالعاصمة تونس، تحت شعار “نضال من أجل حقوقنا الاقتصادية والاجتماعية”، عن امتعاضهن من الظروف الصعبة التي يعملن فيها.
وتحدثن عن ظروف النقل المحفوفة بالمخاطر وهضم حقوقهن المالية في ظل تقاضيهن لأجور يومية زهيدة.
وشددت منية بن عمر عاملة في القطاع الزراعي في ولاية سيدي بوزيد على أن وضعيتها والعديد من النساء في الجهة “صعبة جدا”، بداية من توقيت العمل الذي يستغرق 12 ساعة في اليوم (من الرابعة فجرا إلى الرابعة بعد الظهر) مرورا بظروف النقل الخطيرة، وصولا إلى ظروف العمل الشاقة والمقابل المادي الزهيد والحرمان من التغطية الاجتماعية والصحية.
وأكدت في تصريح لوكالة الأنباء التونسية على “عدم إنسانية ظروف النقل بواسطة الشاحنات”، موضحة أن “سائق الشاحنة يتعمد إلقاء الماء في الشاحنة حتى لا تجلس النساء من أجل تخصيص أكبر عدد ممكن من الأماكن وقوفا إلى درجة أنه يتم نقل أكثر من 30 امرأة في الشاحنة الواحدة”.
وتعيش أكثر من مليون و700 ألف امرأة وفتاة في الأرياف، بنسبة 32 في المئة من مجمل النساء في تونس، و50 في المئة من مجمل سكان المناطق الريفية، كما يمثلن ما بين 62 و80 في المئة من اليد العاملة في القطاع الزراعي في البلاد. ورغم ذلك تعد المرأة الريفية من أكثر الفئات تهميشاً.
وأوضحت سارة بن سعيد من جمعية “أصوات نساء” أن حملة “نساء تعيش” انطلقت منذ عام 2020 وتتكون من عدة منظمات من المجتمع المدني وعدد من العاملات في القطاع الزراعي ساهموا للوصول إلى تنظيم أول مؤتمر سنوي للنساء العاملات في القطاع الزراعي بعد خمس سنوات من إصدار القانون رقم 51 لسنة 2019 المتعلق بالنقل الآمن للعاملات في القطاع الزراعي.
ولاحظت بن سعيد أن “المؤتمر ينعقد في ظل الظروف الهشة التي تعرفها النساء العاملات في القطاع الزراعي وهن من قررن تنظيم هذا المؤتمر في العاصمة للتعبير عن حقهن في العمل اللائق وفي التغطية الاجتماعية والنفاذ إلى الخدمات الصحية”.
90
في المئة من عمال الحصاد من النساء الريفيات ويعملن كعاملات زراعيات موسميات
وعبرت عن أسفها من تعاطي الحكومات المتعاقبة مع ملف النساء العاملات في القطاع الزراعي وهضم حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية في ظل ما وصفته بـ”الصمت المريب من الدولة بخصوص هذا الملف”.
وتتصاعد دعوات المطالبة بتحسين ظروف عمل النساء في الزراعة، وقد وصلت إلى حد دعوتهن إلى الاحتجاج في الشارع من أجل تحقيق مطالبهن.
وتطالب النساء العاملات في القطاع الزراعي بضرورة توفير وسائل نقل ملائمة، وتبسيط الإجراءات لاقتناء تلك الوسائل، فضلا عن الإحاطة بهنّ اقتصاديا واجتماعيا.
وقالت زهرة النفاتي رئيسة الاتحاد المحلي للفلاحة والصيد البحري بغار الملح من ولاية بنزرت (شمال) إن “وضعية العاملات في القطاع الزراعي لم تتحسن منذ سنوات، وفي سنة 2020 أسسنا لجنة لتمكين أصحاب النقل الريفي من نقل العاملات، لكن المشكلة أن العاملات يتعاملن مع صاحب الضيعة”.
وأضافت النفاتي لـ”العرب” أن “العاملات يفتقرن إلى الإمكانات وأجورهنّ لا تزال ضعيفة، حيث تتراوح بين 15 و20 دينارا (4.73 و6.31 دولارا) في ضيعات الشمال الغربي وبين 25 و35 دينارا (7.39 و11.05 دولار) في الشمال الشرقي، مقابل طول ساعات العمل بين 10 و12 ساعة في اليوم”.
وتابعت “من تعرّضن لحوادث شغل أثناء نقلهنّ وأخريات توفيْن لم تتحصل عائلاتهن على تعويضات مادية باعتبار أن الكثيرات منهنّ يعتبرن مورد الرزق الوحيد لأسرهنّ، ويجب إبرام اتفاقية لتقنين شروط العمل وتوفير الحماية اللازمة للعاملات في الحقول”.
وتطرّق تقرير رصد الحقوق الاجتماعية والاقتصادية في البلدان العربية إلى إنتاج زيت الزيتون في تونس، إذ ورد فيه أنّ مساهمة النساء في صناعته تعتبر هي الأكبر وتقدّر بـ2 مليار دينار تونسي، وذلك لكونهن مصدرًا للعمالة الرخيصة خلال مواسم الجني.
المرأة الريفية مهمشة
المرأة الريفية مهمشة
وجاء في التقرير أن النساء الريفيات يشكّلن 90 في المئة من عمال الحصاد ويعملن كعاملات زراعيات موسميات، كما يتلقين أجورهن بشكل يومي وهي غالبًا أقل مما يكسب الرجال الذين يقومون بالعمل ذاته، ويتم صرف جزء صغير من أجورهن على وسائل النقل التي تقلهن من قراهن إلى بساتين الزيتون وينظم ذلك عادة المستخدمون من أصحاب المزارع.
ووصفت لمياء قام مديرة وحدة المرأة الفلاحة باتحاد الفلاحين في تونس، وضعية المرأة العاملة في الحقول بـ”الهشة”، قائلة “لم يتطوّر وضع النسوة العاملات ولا توجد أي مشاريع لتحسين تلك الظروف، فضلا عن وجود نقل غير لائق وغير آمن مع تواصل الأجور الزهيدة”.
وأوضحت في تصريحات لـ”العرب” أنه “لم تتم معالجة مشكلة النقل، وهناك مقترح قانون خاص بتنظيم تنقل النسوة العاملات في الضيعات مع تشديد الرقابة على تلك العمليات، لكن تبيّن أنهنّ يعملن حسب المواسم الزراعية، فضلا عن وجود وسطاء في نقلهنّ إلى مكان العمل”.
واستطردت قائلة “ظلّت تلك النساء تعملن حتى في زمن الكوارث والأوبئة وبقي المنتوج متواصلا في فترات انتشار وباء كورونا”.
وسنّ البرلمان التونسي المنحلّ القانون عدد 51 لسنة 2019 المتعلق بإحداث صنف نقل خاص بالعملة والعاملات في القطاع الزراعي إثر فاجعة منطقة السبّالة من ولاية سيدي بوزيد (وسط) والتي راح ضحيتها 12 عاملا وعاملة بالإضافة إلى وقوع 20 جريحا، تحت ضغط مجتمعيّ واسع.
دعوات المطالبة بتحسين ظروف عمل النساء في الزراعة تتصاعد، وقد وصلت إلى حد دعوتهن إلى الاحتجاج في الشارع من أجل تحقيق مطالبهن
وعلى الرغم من سنّ هذا القانون، فإنّ مطلب النقل الآمن لم يتحقق في ظلّ عجز الدولة وأحيانا تواطؤ الموظفين في الرقابة على وسائل النقل التي تستقلها النساء العاملات في القطاع الزراعي، وكذلك الإشكال في مقاربة الدولة في معالجة هذا الملف.
وكشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تقرير له أنه منذ 2015 سجلت وفاة 51 امرأة من العاملات بالقطاع الزراعي في 56 حادثة، لكن هذا الرقم مرشح للارتفاع، إذ يتم الإعلان بشكل يومي عن حوادث جديدة من دون أن تنجح السلطات في إيجاد حل لهذه المعضلة.
وقالت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة في تونس راضية الجربي إن “العاملات في القطاع الزراعي موضوع شائك ومعقد، ومع تقدم الوقت يزداد صعوبة، لأننا لم نهتدِ إلى الحل الأسلم والجذري لمعالجة قضايا النقل وقضاياهن بشكل عام سواء بالأجر أو الضمانات الاجتماعية والصحية”.
وبسبب عدم تنظيم هذا القطاع وعدم دراسة القضايا التي تخصه باتت النساء عرضة للعنف والاستغلال وحوادث مستمرة.
وصدر بتاريخ 19 أكتوبر 2022 الأمر الحكومي عدد 768 الذي يقضي بترفيع طفيف في الأجر الأدنى اليومي المضمون للعاملات بالقطاع الزراعي ليبلغ 17.664 دينارا بعد أن كان 16.512 خلال سنة 2021.
وكانت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن قد أعلنت عام 2018 عن دعم النساء والفتيات في المناطق الريفية من خلال 3550 قرضا بقيمة تتجاوز 8 ملايين دولار، عبر برنامج تمكين المرأة الريفية لحثها على إنشاء مشاريع صغرى.
ويهدف البرنامج إلى تنمية القدرات والمهارات الإنتاجية وإدارتها، ودعم انخراط النساء في الاقتصاد، وضمان ظروف العمل اللائق للمرأة الريفية بما في ذلك حمايتها من الأخطار الممكنة في النشاط الزراعي.
Thumbnail
ويتم تنفيذ البرنامج على مراحل سنويا، ففي كل عام تُدعم مجموعة من النساء في أحد الأرياف سواء في الشمال أو في الجنوب.
وفي مارس 2021 مكّنت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن 16 امرأة من أرياف منطقتي ذهيبة ورمادة في ولاية تطاوين بالجنوب التونسي من مشاريع صغرى بكلفة تناهز 140 ألف دولار.
وشدّد المؤتمر السنوي الأول للعاملات على أن النساء العاملات في القطاع الزراعي يساهمن بفضل عملهن في السيادة الغذائية لتونس في ظل عزوف الشباب من الذكور عن العمل في النشاط الزراعي من دون التفكير من قبل الدولة في إيجاد إستراتيجية فعالة في السياسات الزراعية للبلاد.
وهجر الرجال والشباب قطاع الزراعة خلال الأعوام الأخيرة بشكل كبير بحثاً عن موارد أخرى، مما جعل النساء يلجأن إليه كملاذ لتوفير قوت العيش في بلد تزداد فيه القدرة الشرائية صعوبة مع الانهيار الاقتصادي المستمر.
وتنتشر البساتين وغيرها في مناطق عدة على غرار سيدي بوزيد التي شهدت كثيراً من الحوادث خلال الأعوام الأخيرة لعاملات في القطاع الزراعي.
وتمت التوصية بتعديل المرسوم الحكومي عدد 724 بتاريخ 31 أغسطس 2020 بإحالة معايير العربة إلى كراس شروط تضعه وزارة النقل وتفويض الاختصاصات المتعلقة بإسناد بطاقة العاملة في القطاع الزراعي والمنظمات الخاضعة لإشراف وزارة الفلاحة بالاتفاق مع الفاعلين الاجتماعيين المعنيين على غرار اتحاد الشغل واتحاد الفلاحين.
وتسعى تونس التي تشهد أزمة اقتصادية خانقة فاقمها غياب الإنتاج لتحقيق الأمن الغذائي الذاتي عبر تعزيز الإنتاج، لكن يبدو أن هذا الهدف صعب المنال في ظل سنوات الجفاف التي تمر بها.
بقلم: خالد هدوي
صحيفة العرب