شنّ حزب جبهة التحرير الوطني صاحب الأغلبية النسبية في البرلمان الجزائري، هجوما لاذعا على وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا على خلفية تصريحاتها الأخيرة التي استغربت فيها توسيع استعمال المقطع الذي يتوعد فرنسا في النشيد الوطني الجزائري.
ووصف الحزب في بيان له ما أدلت به وزيرة الخارجية الفرنسية من تصريحات بـ”الاستفزازية وغير المقبولة”، واعتبر أنها تشكل “خرقا صارخا للأعراف الدبلوماسية وتدخلا سافرا في الشؤون الداخلية لدولة مستقلة ذات سيادة”، وتمثل “شاهدا آخر من شواهد عدم الجدية فى بناء علاقات تقوم على أسس صحيحة ومبادئ ثابتة، تتميز أساسا بالندية والمنافع المشتركة”.
وأبرز أن دعوة هذه المسؤولة الفرنسية إلى “تكييف” “النشيد الوطني تعد مساسا بسيادة الدولة الجزائرية واعتداء صريحا على رموزها الوطنية، ومنها النشيد الوطني بمقاطعه الخمسة، الذي يمثل حسب البيان “بمضامينه ولغته ومفرداته ورمزيته شاهدا على كفاح الشعب الجزائري الأبي ونضاله من أجل الحرية والسيادة، كما أنه يذكر الأجيال على تعاقبها بأن فرنسا قد ارتكبت مجازر نكراء ستبقى وصمة عار في جبينها وفي تاريخها”.
واستعمل حزب جبهة التحرير مقطع “يا فرنسا قد مضى وقت العتاب” في بيانه ليقول إن “التاريخ لا يمكن تزييفه أو طمسه أو التلاعب به، وعلى فرنسا أن تنسى أن الجزائر كانت مستعمرة”. وأبرز أن النشيد الوطني “قسما”..، ليس مجرد كلمات قابلة للحذف والإلغاء والتعويض، فهو “القسم الذي يروي قصة شعب مكافح في سبيل استرجاع استقلاله واستعادة دولته التي أراد الاستعمار محوها من خريطة الجغرافيا وسجل التاريخ”.
ودعا الحزب الأول في البرلمان الجزائري الوزيرة الفرنسية أن تنظر مرة أخرى إلى نهر السين”، الذي ما يزال دما في عيون الجزائريين علها تتذكر بأن قرابة 6 ملايين شهيد دفعوا أرواحهم في سبيل أن تحيا الجزائر حرة سيدة، وأكد أن نشيد قسما” سيبقى يدوي في سماء الجزائر المستقلة وفي كل أصقاع العالم في شموخ وعز وكبرياء”.
وشدد على أن “السلام الوطني الجزائري قد تم تدوينه بالدم، وسيبقى شاهدا على كفاح شعب وهمجية احتلال وجد شعبا عنيدا متحديا ومقدما القرابين السخية، ولم تستطع أن تقهره أو تهزم إرادته كل أساليب القتل والتعذيب والمجازر الجماعية الهمجية”.
وتابع يقول “فبعد 60 سنة من استقلال الجزائر مازالت مخلفات الاستعمار الفرنسي موجودة، وما يزال الفكر الاستعماري قائما، وها هي تصريحات الوزيرة الفرنسية وهي عدوانية وتطاول استعماري تتزامن مع حملة شرسة تقودها أحزاب وشخصيات يمينية بهدف وضع الجزائر في قلب الجدل الداخلي حول قضايا الهجرة، ولأهداف انتخابية”.
كما نوّه الحزب بمواقف الرئيس عبد المجيد تبون التي قال إنها تؤكد حرصه على التعاطي مع قضايا التاريخ والذاكرة والرموز الوطنية، ومنها النشيد الوطني بمقاطعه الخمسة، بعيدا عن أي تراخ أو تنازل أو أهواء تقديرا منه لثقة الشعب وشعورا بعظمة المسؤولية التي يتحملها والوفاء لعهد الشهداء.
وعلى الجانب الرسمي، لم يصدر أي رد فعل على تصريحات وزيرة الخارجية الفرنسية لكن التفاعل الواسع مع قالته من أحزاب الموالاة يظهر انزعاجا كبيرا يوحي بوجود أزمة جديدة في العلاقات بين البلدين التي تتأثر كثيرا بكل ما يتعلق بالرمزيات والذاكرة الاستعمارية الأليمة التي ما تزال قوية في الجزائر.
وتواصلت ردود الفعل من كل الأحزاب الكبيرة في الموالاة، فقد أبدى التجمع الوطني الديمقراطي من خلال تصريح صافي العرابي المكلف بالإعلام في الحزب، رفضه القاطع للتصريحات التي وصفها بالفجّة وغير دبلوماسية والتي تأتي حسبه في سياق حملة سياسية مناوئة تقوم بها أحزاب وشخصيات يمينية متطرفة تقحم الجزائر في جدل قضايا الهجرة والحرب الدائرة في أوروبا.
وأكد ثاني أحزاب الموالاة أن تصريحات كولونا تعبر عن موقف حكومي فرنسي في ظرف يحتاج فيه البلدان إلى تجاوز الخلافات بمنطق الندية لا بمنطق الاستعلاء الذي يتسم به الساسة الفرنسيون، متسائلا: “لماذا دومًا يقوم الطرف الفرنسي بإثارة الجدل، كلما حاول البلدان البحث عن منافذ لإرساء علاقات تعاون وتفاهم؟ ولماذا ينزعج الساسة الفرنسيون كلما استدعى الجزائريون صفحات من تاريخهم النضالي ضد جبروت الاستعمار الفرنسي؟”.
وما أثار الغضب في تصريحات وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا في حوارها على قناة “أل سي آي” الفرنسية قولها إنها تستغرب قرار السلطات الجزائرية توسيع استخدام النشيد كاملا كونه يعود حسبها لفترة تاريخية مختلفة. وذكرت أن نص النشيد تمت كتابته في سنة 1956، في سياق التخلص من الاستعمار، ويمكن القول في سياق الحرب، ومن هنا جاءت العبارات القوية المتعلقة بتلك الفترة”.
وكانت الجزائر قد اعتمدت مرسوما جديدا نهاية أيار/مايو الماضي، يوسع مجالات استخدام النشيد كاملا بمقاطعه الخمسة، علما أن المقطع الثالث الذي يثير حفيظة السلطات الفرنسية يقول: “يا فرنسا قد مضى وقت العتاب، وطويناه مثلما يطوى الكتاب، يا فرنسا إن ذا يوم الحساب، فاستعدي وخذي منا الجواب، إن في ثورتنا فصل الخطاب، وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر”.
القدس العربي