يبدو أن التيار بين الجزائر وفرنسا لا يمر، وأصبح “الضرب تحت الحزام” السمة البارزة للعلاقات الثنائية، فمع ارتفاع دعوات فرنسيين إلى مراجعة قانون الهجرة “التفضيلي”، أصدرت السلطات الجزائرية قراراً بإعادة إدراج نص محذوف إلى النشيد الوطني يعتبر “مرفوضاً” لدى باريس، فهل هي بداية فصل جديد من فصول العلاقات المتبادلة؟
إعادة بعد حذف
وينص المرسوم الذي وقعه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، ونشر في الجريدة الرسمية، على أنه يُؤدى النشيد الرسمي في صيغته الكاملة، كلمات وموسيقى، بمقاطعه الخمسة، في المناسبات السياسية والعسكرية التي تستدعي ذلك، كإحياء الذكريات الرسمية التي يحضرها رئيس الجمهورية والاحتفالات والمناسبات الملائمة، ويقول المقطع المقصود “يا فرنسا قد مضى وقت العتاب، وطويناه كما يطوى الكتاب، يا فرنسا إن ذا يوم الحساب، فاستعدي وخذي منا الجواب، إن في ثورتنا فصل الخطاب، وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر”.
وكانت الجزائر أقدمت على حذف المقطع الذي عرف تجاذبات “سرية” بين البلدين في عديد المناسبات من دون أن تظهر على السطح، بسبب أوضاع صعبة سادت البلاد على مختلف المستويات استغلتها فرنسا لتحقيق مصالح من بينها المقطع “المرفوض”، وذلك في عام 1986، حيث صدر مرسوم وسمح بإلغائه من النص الرسمي للنشيد الذي وزعته السلطات في تلك الفترة، لينتقل الأمر في 2007، مع حذف المقطع من الكتب المدرسية.
الأمر وراءه قصد
ويظهر من خلال التشديد الذي جاء في المرسوم الجديد بذكر عدد المقاطع الخمسة للنشيد الجزائري، أن الأمر من ورائه قصد، لا سيما أنه يسمح بعزف التوليفة الموسيقية المختصرة في مناسبات أخرى، كاستقبال رؤساء الدول خلال الزيارات الرسمية، أو الخطابات التي يوجهها الرئيس إلى الأمة، والمراسيم العسكرية بوزارة الدفاع وغيرها.
القرار يأتي في وقت تشهد العلاقات الجزائرية – الفرنسية توتراً صامتاً كشفت عنه دعوات باريس إلى ضرورة مراجعة قانون الهجرة الذي تعتبره تفضيلياً ولم يعد الوضع يستدعي ذلك، وهو ما أغضب الجزائر، كما أنه جاء في سياق الحديث عن زيارة كانت مقررة للرئيس تبون إلى فرنسا.
وكتب النشيد الوطني الجزائري الشاعر مفدي زكريا خلال فترة سجنه في الخمسينيات، ولحنه الموسيقار المصري محمد فوزي، ويعتبر الوحيد في العالم الذي يتضمن ذكر دولة أخرى.
رفض فرنسي
ودعا رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، جيرارد لاريشر، إلى إعادة النظر في الاتفاقية الفرنسية – الجزائرية لعام 1968 بشأن دخول وإقامة وتوظيف الجزائريين في فرنسا، الأمر الذي “حرّك” سفير الجزائر في باريس، سعيد مويسي، الذي التقى المسؤول الفرنسي بحسب ما جاء في الحساب الرسمي للسفارة على “تويتر”، حيث وصف المنشور اللقاء بـ”المثمر” وركز على العلاقات الثنائية وترسيخ التعاون البرلماني.
وكان رئيس الوزراء الفرنسي السابق، إدوار فيليب، طالب بضرورة إعادة التفاوض بشأن اتفاق 1968 مع الجزائر بشأن قضايا الهجرة، وهو موقف نقله مسؤولون آخرون من اليمين في وقت أصبح الملف مجدداً في قلب النقاش السياسي لباريس، وقال في حديث لمجلة “ليكسبريس” بالطبع هناك علاقات تاريخية قوية جداً بين فرنسا والجزائر “لكن الحفاظ على مثل هذه الترتيبات اليوم مع بلد نقيم معه علاقات معقدة لم يعد مبرراً”.
وزارة الخارجية الفرنسية ردت في ما تعلق بالاتفاق وما يجري من نقاشات فرنسية بخصوص مراجعتها، بالقول إن “اتفاقية 1968 وبشكل عام التعاون والتبادلات بين بلدينا هي موضوع حوار منتظم مع شركائنا الجزائريين”.
ضغط جزائري
إلى ذلك، يرى المتخصص في الحقوق الجزائري عابد نعمان، في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، أن إعادة المقطع المحذوف إلى النشيد الجزائري كان متوقعاً من عدة أبعاد، أولها أن العلاقات الثنائية التي تعيش الصراع منذ التصريح الفرنسي المستفز بأنه لا وجود لأمة اسمها الجزائر قبل الاحتلال الفرنسي، مروراً بمسألة الذاكرة إلى التدخل في الشؤون الداخلية للدولة وتدعيم نشاطات معادية للجزائر من الأراضي الفرنسية.
وأشار نعمان إلى “الدور الفرنسي المشبوه في إفشال المساعي الجزائرية إقليمياً بليبيا وتونس والسودان ولبنان، ثم موضوع دعم المغرب في ما تعلق بقضية الصحراء الغربية، والأمر الثالث وهو الأهم حيث أن الدولتين متقابلتان على محورين أساسيين الروسي – الصيني والأميركي – الأوروبي”، بحسب قوله.
ولفت إلى أن القرار ربما يكون إعلاناً رسمياً على خلق مسافة لتحجيم الجانب الفرنسي ووضعه في الزاوية سواء دولة أو ممثل أوروبي أو حتى ناطق باسم المحور الأميركي – الأوروبي”، وقال إن المرسوم بداية لتغيير جذري في التعامل مع فرنسا، وختم بخصوص زيارة تبون إلى باريس، موضحاً أنه في ظاهرها “ملغاة” لكن لو “ندقق جيداً في الخطوة فهي نوع من الضغط”.
إعلان حرب
في المقابل، يعتبر السفير الفرنسي السابق بالجزائر، كزافييه دريانكور، المسؤول عن اللجنة المكلفة بإعداد قانون الهجرة الجديد، أن اتفاق 1968 وقع عندما كان عدد سكان الجزائر لا يتجاوز 10 ملايين، وكانت فرنسا تعيش آنذاك نهضة اقتصادية كبيرة تحتاج إلى اليد العاملة، لذلك سعت السلطات الفرنسية إلى تسهيل دخول الجزائريين إليها وإقامتهم على أراضيها.
وأضاف دريانكور أن الرئيس عبدالمجيد تبون قال في أكثر من مرة إن إلغاء اتفاق 1968، سيكون بمثابة إعلان حرب نظراً لأهميته بالنسبة لبلاده التي تتخبط في أزمات اقتصادية خانقة، مشيراً إلى أنه أمام مستقبل يبدو مجهولاً، متابعاً “لا تجد الشبيبة الجزائرية متنفساً لها سوى الرياضة والتدين والعنف، وكذلك الهجرة إلى فرنسا بتأشيرة أو بغير”.
ويرى دريانكور، أن السلطات الفرنسية تتردد في إلغاء الاتفاق المذكور والتفاوض بشأنه مع السلطات الجزائرية لأنها تخشى النتائج التي يمكن أن تترتب عن ذلك، فقد تقوم الجزائر بسحب سفيرها وينتفض بسبب ذلك الفرنسيون من أصول جزائرية احتجاجاً، لافتاً إلى أن المسؤولين الجزائريين الذين تكونوا في مدرسة “بريجنيف” السوفياتية “يعرفون جيداً أن اتفاقية 68 لم تعد تعكس المعطيات الجديدة، لكنهم يريدون الضحك على غباوة الفرنسيين”.
اندبندنت عربي