وصل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، إلى الجزائر، يوم أمس، وفي جعبته مبادرة للتوسط بينها وبين الرباط، ومحاولة حل الخلافات القائمة بينهما.
وقطعت الجزائر علاقاتها مع المغرب للمرة الأولى في سبعينيات القرن الماضي، على خلفية الخلاف حول ملف الصحراء الغربية، واتهام الجزائر بدعم جبهة “البوليساريو”.
وتم لاحقا إعادة العلاقات في الثمانينيات، لتعود وتتدهور مع إغلاق الحدود بين البلدين عام 1994.
وفي أغسطس الماضي، أعلنت الجزائر قطع علاقاتها مع المغرب. وفي أكتوبر، أعلن تبون “عدم تجديد عقد استغلال خط أنابيب الغاز الذي يزود إسبانيا بالغاز الجزائري مرورا بالمغرب”.
كما ساهمت اتفاقية التطبيع بين المغرب وكيان الإحتلال، بتوتير العلاقات مع الجزائر، وفي نوفمبر الماضي، اعتبر رئيس مجلس الأمة الجزائري، صلاح قوجيل، أن بلاده “هي المستهدفة” بزيارة وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، للمغرب، حيث وقع البلدان اتفاقا للتعاون الأمني.
وقال قوجيل، في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء الجزائرية، إن “الأعداء يتجندون أكثر فأكثر لعرقلة مسار الجزائر”. ووقع المغرب وإسرائيل خلال زيارة غانتس للمملكة اتفاقا للتعاون الأمني من شأنه تسهيل حصول الرباط على التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية. وأثارت هذه الزيارة ردود فعل منددة في الإعلام الجزائري.
“ليست المرة الأولى”
وبدعوة من تبون، يصل الغزواني إلى الجزائر، في زيارة دولة، تستمر لثلاثة أيام ابتداء من 27 إلى 29 ديسمبر 2021.
وتدخل الزيارة في إطار تقوية العلاقات الثنائية، وتعزيز التعاون بما يخدم البلدين الشقيقين، وفقا للرئاسة الجزائرية.
وتأتي زيارة الرئيس الموريتاني، بعد أيام من مبادرته للتوسط بين الجزائر والمغرب، سعيا لإعادة العلاقات بين الجارتين.
وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي الجزائري، توفيق بوقاعدة، إن “المبادرة الموريتانية للوساطة ليست المرة الأولى، وقد عرضت موريتانيا الوساطة في مرات عديدة سابقة”.
وأضاف في حديثه لموقع “الحرة” أن مبدأ “الوساطة عرض سابقا من قبل أطراف إقليمية ودولية أخرى أيضا”.
وأشار إلى أن “الجزائر عادة ما ترفض هذه الوساطات، لأن مبدأ العلاقة بين الدولتين قائم على ضرورة إنهاء الأسباب التي أدت إلى قطع العلاقات”.
وأوضح أنه لا يوجد حاجة لوساطات من أجل تقريب وجهات النظر بين الجزائر والمغرب، بقدر الحاجة إلى إنهاء هذه الأسباب.
وذكر بوقاعدة، أن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، أعلن عن هذه الأسباب التي دفعت الجزائر لهذه الخطوة (قطع العلاقات)، وأن “العودة عن هذه الخطوة لن يكون إلا بمعالجة الأسباب التي أدت إلى ذلك”.
من جانبه قال حفيظ الزهري، الباحث المغربي المتخصص في الدراسات السياسية والدولية، إن “زيارة الرئيس الموريتاني إلى الجزائر زيارة عادية، تدخل في إطار العلاقات الثنائية بين البلدين”.
“تلطيف الأجواء”
وأضاف الزهري في حديثه لموقع “الحرة” أن “مبادرة الرئيس الموريتاني للوساطة ستفشل، نظرا للرفض الجزائري المطلق للمفاوضات بين البلدين”.
وأشار الزهري إلى “إمكانية أن تساهم هذه الزيارة في تلطيف أجواء التوتر بين الجانبين، وقد تليها زيارة أخرى إلى المغرب”.
وقبيل زيارته للجزائر، قال الغزواني في مقابلة صحفية مع مجلة الاقتصاد والأعمال اللبنانية، إنه “لا يمكن تصور حجم الكلفة التي تدفعها شعوب المنطقة من جراء عدم قيام اتحاد مغاربي قوي وفعال ومتكامل”.
وأضاف “نحن ندرك الصعوبات التي تواجه هذا الحلم، ونأسف للعقبات التي تقف في طريقه، كما نحن قلقون من عوامل التوتر التي تظهر من حين لآخر، ونعبر بشكل دائم عن أن بلادنا يمكن أن تلعب دورا رئيسيا في استعادة اللحمة بين البلدان المغاربية، وقد ظلت مواقفنا تصب في هذا الاتجاه دائما”.
وعن الحلول التي يمكن أن يطرحها الرئيس الموريتاني لحل الأزمة، قال بوقاعدة “للأسف الشديد، ليس في تقديري أن يكون للرئيس الموريتاني أي أدوات دبلوماسية، أو إمكانية للتأثير على رأي الجزائر والمغرب فيما يتعلق بالقضايا الخلافية بين الدولتين”.
وتابع بوقاعدة “هذه القضايا الخلافية ليست قضايا يمكن معالجتها بتقريب وجهات النظر للأسف الشديد، والصحراء الغربية ملف شائك”.
وعبر المحلل السياسي الجزائري عن “شكره للأشقاء الموريتانيين على سعيهم، ونحن كلنا نتألم لما وصلت إليه العلاقة بين الجزائر والمغرب”.
من ناحيته قال الزهري “من المعروف أن القيادة الجزائرية الحالية تكن العداء للمغرب”، مشيرا إلى أن هناك مشاكل جزائرية داخلية بسبب “استثمار الفائض المالي في شراء الذمم بإطار الحرب الدبلوماسية ضد المغرب”.
وعن إمكانية قبول المغرب للوساطة الموريتانية لحل الأزمة مع الجزائر، قال بوقاعدة إن “المغرب منذ البداية طرح ما يسميه الحوار من أجل حل المشاكل الخلافية، والعائق ليس لدى المغرب”.
وأشار إلى أن المغرب “لم يكن هو المبادر، بقدر ما كان يقوم بردة الفعل، فيما يتعلق بالأزمة الدبلوماسية تحديدا، ومن قطع العلاقات وحظر الطيران هي الجزائر وليست المغرب”.
“أزمة خلافية”
وأضاف أن “الطرف المغربي بحاجة إلى عودة علاقاته مع الجزائر من أجل العديد من المصالح الاستراتيجية والاقتصادية، ومن أجل تسويق صورته على أنه دولة محبة للسلام، وأنه يسعى إلى رأب الصدع، والمغرب مستعدة لكل الوساطات”.
وختم بوقعدة حديثه بالتأكيد على أن المعضلة “ليست العلاقة بين الدولتين”، بقدر ما هي أزمة خلافية حول ملف الصحراء الغربية الشائك.
بدوره، قال الزهري إن “الرئيس الموريتاني سيطرح بالفعل الوساطة مع المغرب، في الوقت الذي تسعى فيه الجزائر إلى عكس ذلك، عبر استمالة الطرف الموريتاني إلى صفها، في محاولة منها لتضييق الخناق على المغرب ومحاصرته، مثلما فعلت مع تونس، ومحاولتها استمالة القيادة الليبية الحالية”.
وفي 15 ديسمبر الحالي، زار تبون تونس، لأول مرة منذ انتخابه عام 2019، تزامنا مع علاقات متوترة بين المغرب وبلاده.
واعتبر محللون أن هذه الزيارة تأتي لدعم الرئيس التونسي قيس سعيد، مشيرين إلى أنها تحمل في الوقت نفسه رسالة للمغرب.
وأضاف الزهري “لا أعتقد أن الجزائر ستنجح في استمالة القيادة الموريتانية، نظرا للعلاقات التي تربط موريتانيا والمغرب، وهي علاقات متجذرة”.
المصدر وكالات