شهدت تونس في 2021 إحدى أسوأ أزماتها الاقتصادية التي عرفتها منذ الاستقلال، وفاقمتها التجاذبات السياسية وتداعيات انتشار جائحة كورونا.
ورغم تعافي دول عديدة من تبعات الجائحة، وعودة النشاط الاقتصادي إلى سالف نشاطه، فإن تونس لم تستفد من هذه الوضعية بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي عاشته منذ بداية العام.
أمام هذه الوضعية، فإن ما ميّز هذه السنة هو بلوغ الدين العام مستويات قياسية، وتفاقم العجز في الميزانية، وارتفاع نسب البطالة والتضخم مع تراجع النمو الاقتصادي.
كما ساهم عدم الاستقرار السياسي في عجز الحكومة عن الخروج إلى الأسواق المالية العالمية، ومن ثم عن تعبئة موارد للدولة.
عدم تحقيق المأمول
في ظل التجاذبات السياسية التي عرفتها البلاد منذ بداية العام، كان من الصعب تحقيق نمو اقتصادي كما كان متوقعا، ليتم في قانون المالية التعديلي خفض توقعات النمو لعام 2021 إلى 2.6 في المئة، من 4 في المئة.
وعلى عكس التوقعات، بدأت السنة بتسجيل انكماش بـ1.7 في المئة في الربع الأول من العام، على أساس سنوي، ثمّ نمو بـ16.2 في المئة في الربع الثاني، و0.3 في المئة في الربع الثالث من 2021.
ويرى محللون أن حتى نسبة 2.6 في المئة لكامل العام من الصعب تحقيقها، في ظل الوضع الحالي.
الدين العام
شهد الدين العام نسقا تصاعديا منذ سنوات ما بعد الثورة، فبعد أن كان حجمه لا يتجاوز 43 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2009، ارتفع إلى 90 في المئة في 2020.
وتشير توقعات قانون المالية الأصلي للعام الحالي، إلى بلوغ الدين العام مستوى قياسيا ليصل إلى 109.23 مليارات دينار (37.6 مليار دولار) منها 74.21 مليار دينار (25.5 مليار دولار) دين للخارج.
وفي 2020، بلغت قيمة الدين العام 93.04 مليار دينار (32.08 مليار دولار)، منها 61.29 مليار دينار (21.1 مليار دولار) دين للخارج.
وبلغ الدين العام في 2019، ما قيمته 83.33 مليار دينار (28.7 مليار دولار)، منها 58.60 مليار دينار (20.2 مليار دولار) دين للخارج.
التضخم صعودا
شهدت نسبة التضخم ارتفاعا متواصلا منذ بداية 2021، حيث كانت تبلغ 4.9 في المئة في يناير/ كانون الثاني، لترتفع إلى 5.7 في المئة في يونيو/ حزيران، و6.4 في المئة في نوفمبر/ تشرين الثاني.
هذا الارتفاع في التضخم قادم أساسا من الارتفاع المتواصل للأسعار، رغم الدعوات المتكررة للحد من ارتفاع الأسعار واحتكار المواد الأساسية.
تعطّل المفاوضات مع صندوق النقد
سعت تونس في 2021 إلى تجاوز الأزمة الاقتصادية التي تعيشها منذ سنوات ما بعد الثورة، والتي فاقمتها الأزمة الصحية، من خلال دخولها منذ مايو/ أيار الماضي في مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي بهدف الحصول على قرض جديد قيمته 4 مليارات دولار.
لكن الأخير يشترط توفر الاستقرار السياسي وتوافقاً بين جميع الأطراف السياسية والمنظمات الوطنية، إلى جانب الالتزام بتنفيذ جملة من الإصلاحات المتأخرة.
هذه المفاوضات توقفت تزامنا مع قرارات 25 يوليو/ تموز الماضي، نتيجة عدم الوضوح السياسي، لتستأنف في بداية نوفمبر.
ورغم التصريحات المتكررة بشأن مواصلة صندوق النقد تقديم الدعم إلى تونس، فإنه لم يتم التوصل إلى أي اتفاق مبدئي بين الطرفين.
عجز الميزانية
الفشل في تعبئة موارد للدولة خارجيا، أجبر الحكومة على مراجعة توقعاتها ليس فقط للنمو، بل أيضا للعجز في الميزانية.
ووفقا لقانون المالية التعديلي لعام 2021، رفعت الحكومة قيمة العجز إلى 9.79 مليارات دينار (3.37 مليارات دولار)، صعودا من 7.094 مليارات دينار (2.44 مليار دولار)، في قانون المالية الأصلي.
وتسعى الحكومة إلى تغطية هذا العجز باللجوء إلى الاقتراض الداخلي.
عجز في تعبئة موارد للدولة
أثقلت تداعيات الأزمة الصحية كاهل الموازنة في 2021، فمع تراجع العائدات السياحية، وقيود الإغلاق التي كانت مفروضة عام 2020، فإن الحكومة كانت في حاجة إلى تعبئة موارد إضافية للدولة عبر الاقتراض بقيمة 19.6 مليار دينار (6.75 مليارات دولار).
يتوزع مبلغ التعبئة المفترض، بين 16.6 مليار دينار (5.72 مليارات دولار) في شكل اقتراض خارجي، و2.9 مليار دينار (مليار دولار) كاقتراض داخلي.
ارتفاع نسب البطالة
شهدت نسب البطالة منحى تصاعديا منذ بداية جائحة كورونا، وما فرضته من قيود على المواطنين بسبب الحجر الصحي وهو ما أدّى إلى فقدان العديد وظائفهم.
هذه الوضعية أدت إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى 18 في المئة في الربع الثاني 2020، صعودا من 15.1 في المئة في الربع الأول من العام نفسه.
ولكن ورغم عودة الأنشطة الاقتصادية، فإن البطالة في تونس لم تتراجع، بل واصلت نسقها التصاعدي في 2021، لتبلغ 17.8 في المئة في الربع الأول، و17.9 في المئة في الربع الثاني، ثم 18.4 في المئة في الربع الثالث.
ومنذ 25 يوليو الماضي تشهد تونس أزمة سياسية حين بدأ رئيس البلاد قيس سعيد في اتخاذ إجراءات استثنائية منها تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وإقالة رئيس الحكومة، وتشكيل أخرى جديدة.
وترفض غالبية القوى السياسية في البلاد قرارات سعيد، وتعتبرها “انقلابا على الدستور”، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها “تصحيحا لمسار ثورة 2011″، التي أطاحت بالرئيس آنذاك، زين العابدين بن علي.
فيما يقول سعيد، الذي بدأ في 2019 ولاية رئاسية من 5 سنوات، إنه اتخذ تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من “خطر داهم”، مشددا على أنه “لن يتم المساس بالحقوق”.
المصدر القدس العربي