القضية الصحراوية بالنسبة للسياسة الخارجية للجزائر، إلا أنها تواصل اللعب على الحبلين، من خلال تبني موقف غامض يحاول الإيهام بأن باريس تقف على مسافة واحدة من الجزائر ونظام المخزن المغربي.
وفي آخر تصريح رسمي فرنسي بخصوص القضية الصحراوية، قال باتريس باولي وهو المكلف بالتواصل باللغة العربية في الخارجية الفرنسية في حوار لقناة “فرانس 24” الفرنسية، إن “المغرب يعرف تماما موقفنا الذي أكدت عليه وزيرة خارجيتنا كاثرين كولونا خلال آخر زيارتها إلى الرباط”.
وطرح صحفي القناة الفرنسية هذا السؤال على باتريس باولي، ردا على مطالبة رئيس حكومة المخزن، عزيز أخنوش، السلطات الفرنسية بالخروج من المنطقة الرمادية بخصوص القضية الصحراوية.
ومضى المسؤول الفرنسي شارحا موقف بلاده: “فرنسا قالت منذ البداية إن مبادرة الحكم الذاتي المغربية تشكل قاعدة جدية ذات مصداقية في اتجاه حل متفاوض عليه”. وأضاف: “على هذا الأساس نريد استئناف المفاوضات بين الأطراف المعنية حتى تصل إلى حل عادل وواقعي”.
وعقّب صحفي القناة التابعة لوزارة الخارجية الفرنسية على كلام باتريس باولي قائلا: “وبالتالي لن تذهبوا حد الاعتراف بمغربية الصحراء كما يطالب”، فرد المسؤول بـ “الكيدورسي” قائلا: “هذا (هو) الموقف الرسمي الفرنسي كما قلت”، تاركا السؤال من دون إجابة مباشرة.
ومنذ الأزمة التي اندلعت بين النظام المغربي وفرنسا، في أعقاب تجسس مخابرات “المخزن” على هاتف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعدد من كبار مساعديه، فيما عرف بفضيحة “بيغاسوس”، أصبحت السلطات الفرنسية تتحاشى إبراز موقفها من القضية الصحراوية، وتهرب من الإجابة على أسئلة من هذا القبيل، وإذا تعرّض أيا من مسؤوليها للحرج، استعمل عبارات من قبيل تلك التي سبق ذكرها.
ويكشف الموقف الفرنسي من القضية الصحراوية عن سياسة براغماتية اضطرت باريس إلى تبنيها في ظل أزمة علاقاتها مع الرباط، فيها شيئ من الحياد في نظرها، غير أنها تبقى دون ما هو منتظر منها من منظور السلطات الجزائرية، التي لا ترى موقفا من أصدقائها مقبولا إلا إذا انخرط في دعم قرار الأمم المتحدة الذي يدعو إلى إجراء استفتاء لتمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره.
ويحمّل الصحراويون ومعهم الجزائريون السلطات الفرنسية مسؤولية “الإنحراف” الذي حصل في موقف باريس من القضية الصحراوية على مستوى الأمم المتحدة، فدبلوماسية الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك، مسؤولة عن عرقلة تنفيذ إجراء استفتاء تقرير المصير، كما يتحمّل الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، مسؤولية انحراف آخر، بوقوفه وراء مخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به نظام المخزن في العام 2007، على مستوى الأمم المتحدة، في وقت كانت فيه الشركات الفرنسية تغرف من أموال الجزائر بدون حسيب ولا رقيب.
غير أن الكثير من المعطيات تغيّرت اليوم بالنسبة للجزائر في التعامل مع شركائها، فهي لم تعد تمنح المزايا من دون مقابل، وما يحصل مع إسبانيا يعتبر مؤشرا على تلمس التغيرات التي طرأت على العقيدة الدبلوماسية للجزائر، وعليه فباريس مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى، بمراجعة موقفها من القضية الصحراوية، بما يتماشى وقرارات الأمم المتحدة، إن هي أرادت بناء علاقات مستقرة مع الجزائر.
يشار إلى أن الموقف الفرنسي من القضية الصحراوية شهد بعض التعديلات الطفيفة خريف السنة الماضية، خلال جلسة التصويت على تمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة لإجراء الاستفتاء في الصحراء الغربية والتي تعرف اختصارا بالأحرف اللاتينية “MINURSO”، بحيث اعتاد ممثل فرنسا في الهيئة الأممية التصويت بـ “نعم” مع التأكيد على دعم مخطط الحكم الذاتي بتعقيب بعد التصويت، وهي الجزئية التي لم يقم بها ممثل باريس في نهاية أكتوبر المنصرم.
الشروق