يجري رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي الإثنين زيارة عمل إلى الجزائر، بمناسبة انعقاد القمة الرابعة بين البلدين. وتثمن هذه الزيارة مسار تنامي العلاقات المشتركة التي توجت بزيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى إيطاليا في 26 مايو/أيار.
وكان في استقبال دراغي لدى وصوله إلى مطار هواري بومدين الدولي في العاصمة الجزائرية الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان وعدد من أعضاء الحكومة، حسب ما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية، التي أضافت أن تبون استقبل دراغي لاحقا بمقر الرئاسة.
وهذه الزيارة هي الثانية لدراغي إلى الجزائر في غضون عام واحد، بعد لقائه في الجزائر الرئيس تبون في 11 أبريل/نيسان وتوقيع اتفاق نص على زيادة كميات الغاز التي تستوردها روما من الجزائر. وكان الرئيس الجزائري قال خلال زيارته روما إن إيطاليا ستكون الطرف الموزع للغاز الجزائري في أوروبا، بعد زيادة الإمدادات إليها.
ما هو برنامج الزيارة وماذا عن الوفد المرافق لدراغي؟
يشير سمير القريوتي إلى أن برنامج زيارة رئيس الوزراء الإيطالي إلى الجزائر “يتمثل ببحث موضوع الطاقة وصقل الاتفاق المبرم بين البلدين قبل حوالي شهرين، عندما زار وزير الخارجية لويجي دي مايو الجزائر لهذه الغاية بالذات بعد تفجر أزمة النفط والغاز إثر الحرب الأوكرانية، واستطاع الحصول على مزيد من الغاز”.
وأضاف محدثنا: “اليوم سوف يتم زيادة دفعات الغاز بمقدار حوالي ثلاث مليارات ونصف يورو قبل عودة دراغي غدا لمتابعة أزمة الحكومة، فيما سيبقى الوفد المرافق في الجزائر وهو يمثل تقريبا نصف الحكومة: وزراء الخارجية والداخلية والصناعة والاستثمارات والمالية وعدة وزراء، للمشاركة في هذه القمة الحكومية التي عملت الجزائر منذ عدة أشهر على إتمامها بعد زيارة الرئيس الإيطالي سيرجو ماتاريلا للجزائر نهاية العام الماضي”.
بدوره قال إسماعيل دبش: “تأتي زيارة دراغي في إطار تنظيم المنتدى الاقتصادي الجزائري-الإيطالي ضمن اللجنة العليا المشتركة الرابعة بين البلدين، وسيعقد لقاء بين رئيس الوزراء الجزائري ونظيره الإيطالي بحضور رئيس المنتدى الاقتصادي الجزائري في نادي الصنوبر، بمشاركة رجال الأعمال الإيطاليين والجزائريين لتثمين التعاون الذي تضاعف بعد أن كان لا يتجاوز 5 مليارات وبات حاليا يضاهي التعاون مع فرنسا والصين، لعوامل أبرزها العلاقات التاريخية المتينة ودور إيطاليا خلال فترة الحرب على الإرهاب حيث استمرت الاستثمارات الإيطالية في الجزائر خصوصا في قطاع السدود. هناك أيضا الأخطاء التي ارتكبتها بعض الدول الأوروبية ما دفع الجزائر إلى التوجه أكثر نحو الإيطاليين”.
وقال دبش أيضا إن ملف الغاز هو الأهم وسيطغى على بقية الملفات، ولفت إلى أن “هناك احتمالا كبيرا بتحويل مسار أنبوب الغاز من نيجيريا إلى الجزائر وربطه مع إيطاليا بدلا عن إسبانيا. الجزائر تريد مضاعفة إنتاج الغاز بالشراكة مع إيني الإيطالية. أهم ما ستركز عليه الزيارة هي سبل مضاعفة إنتاج الغاز خاصة في ظل الطلب المتزايد عليه وهذه فرصة للجزائر لمحاولة إيجاد مصادر مالية لتحقيق برامجها الاقتصادية الداخلية”.
ما أهمية الزيارة في ظل الأزمة الداخلية الإيطالية؟
وقال مراسلنا في روما إن: “هذه الزيارة كانت مقررة قبل تفجر أزمة الحكومة الإيطالية، ونحن نعلم أن دراغي ليس منتخبا ولا يمثل أي حزب سياسي وهو جاء لتنفيذ برنامج معين يخص الاستفادة من أموال الدعم الأوروبي لمكافحة وباء كوفيد-19، ثم جاءت حرب أوكرانيا ومعها قضية تسليح أوكرانيا لتزداد بذلك الخلافات في الحكومة الإيطالية خاصة مع حركة خمسة نجوم المنشقة والتي تفككت خلال العامين الماضيين”. وتابع قريوتي إن “أي طرف في الحكومة الإيطالية ملزم بالاستمرار بتنفيذ برنامج التعاون مع الجزائر لأنها أعطت الكثير لإيطاليا ولا أعتقد أن الأخيرة ستتنكر”.
من جانبه، قال إسماعيل دبش: “أكيد أنه كلما كسب دراغي نقاطا لصالح إيطاليا من خلال هذه الزيارة سيخفف الضغط عليه داخليا، وفي ظل اتجاه البلاد نحو الانتخابات، يمكن أن تكون الجزائر من أبرز العوامل التي قد تساعد رئيس الوزراء الإيطالي على الخروج من الأزمة التي نجمت أيضا عن عوامل اقتصادية”.
هل يتكرر السيناريو الإسباني في حال صعود اليمين المتطرف؟
بالنسبة لتداعيات صعود اليمين المتطرف في إيطاليا على العلاقات الجزائرية الإيطالية، أوضح سمير القريوتي: “نحن نعلم أن الخطر موجود ويلوح بالأفق فإذا ما حدثت انتخابات طارئة فسوف ينتصر اليمين وأنا لا أعتقد أن هناك أي ود أو محبة بين الجزائر واليمين الإيطالي أو اليمين الأوروبي بشكل عام. كما أن كل من سيأتي بعد دراغي سيجد الوضع شائكا”. ولفت مراسلنا إلى أن “للشركات الكبرى في مجال الطاقة مثل إيني في دول بحجم إيطاليا ودول أوروبا، تلعب دورا كبيرا في رسم السياسات الخارجية وهي تعمل على أن تخدم تلك السياسات مصالح البلد، كما أن شركة إيني حكومية وهي تعبر عن أي حكومة كانت لأنها من القطاع العام وهي من المؤسسات الضخمة في الاقتصاد الإيطالي وهذا يشكل ضمانة ولو موقتة”.
وأضاف بأن “اليسار الذي كان يرسم ويحكم في إيطاليا تلاشى لصالح اليمين لكن لا أعتقد أن هذا سيؤثر على العلاقة مع الجزائر إلا إذا تدخلت أطراف أخرى. لا أعتقد أن السيناريو الإسباني سيتكرر حتى مع وصول اليمين إلى السلطة في إيطاليا. زعيمة اليمين المتطرف جورجيا ميلوني (حزب فراتيلي دي-إيطاليا) تحظى برضا الولايات المتحدة وأعتقد أن دورا كبيرا سيكون لها لكن الأوساط العليا في أوروبا لن تسمح باتخاذ الأمور لمثل ذلك المنحى”.
من جهته، قال إسماعيل دبش إن “المنطق الاقتصادي يتغلب على الإيديولوجية، سواء لدى اليمين أو اليسار. ثم إن الخطاب المتطرف الإيديولوجي في أوروبا هو موجه لكسب الناخبين فقط. أعتقد أن إيطاليا لا يمكن لها أن تتخلى عن الغاز الجزائري ومشاريعها الاقتصادية لأنها ستكون الخاسر الأكبر. أوروبا ليست وحدها وجهة الاستثمار والتجارة وهناك دول أخرى مثل الصين ودول آسيا التي يمكن أن تعوض الشراكة الاقتصادية مع أوروبا. لن يتجه اليمين المتطرف في أي دول أوروبية إلى التصعيد مع الجزائر. وأتصور أن إسبانيا ستتراجع خلال الأشهر القادمة عن الخطوات الأخيرة فيما يتعلق بموقفها من نزاع الصحراء الغربية”.
ما هي مجالات التعاون المشتركة الأخرى بين الجزائر وإيطاليا؟
اعتبر القريوتي بأن إثارة الرئيس الجزائري مسألة تصدير الكهرباء إلى إيطاليا عبر خط بحري، خلال زيارته روما تأتي في إطار “مساعي تطوير التعاون بين البلدين حيث إن الجزائر تنوي الإسراع في تطوير علاقاتها مع إيطاليا للتعويض عن علاقاتها مع إسبانيا التي اختلفت معها في الآونة الأخيرة”.
وكشف قريوتي أن بين الجزائر وإيطاليا “تعاون كبير في الصناعات الأمنية والعسكرية مثل دورشركة ليوناردو عملاقة الصناعة والممثلة ضمن الوفد المرافق لدراغي. هناك حديث عن صناعات مشتركة في مجال المروحيات والشركات المبتدئة والاستثمارات في الشركات المتوسطة والصغيرة في قطاع المياه وقطاع الهندسيات والسياحة والثقافة وكلها واردة في برنامج الزيارة”.
في المقابل، قال إسماعيل دبش: “اعتقادي أن الفلاحة سوف تشكل مجالا قويا بين الجزائر وإيطاليا، التي في تعاملها مع الجزائر وجهين، الأول محلي داخلي، والثاني أوروبي. كما أن إيطاليا سوف تشكل نموذجا أوروبا مثاليا للتعاون مع الجزائر. أوروبا أول شريك اقتصادي للجزائر مع نحو 40 مليار دولار فهي تتجاوز كافة المناطق من حيث حجم المبادلات”. وأوضح محدثنا: “هناك حاجة للتعاون الأمني بين البلدين في مجال محاربة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والأمن والسلام في منطقة البحر المتوسط، حيث إن إيطاليا قريبة من الجزائر. يمكن للجزائر أن تلجأ مع إيطاليا للحصول على قطع الغيار لصيانة عتادها العسكري، لكن لا أعتقد أن إيطاليا مرشحة لأن تكون موردا للأسلحة إلى الجزائر”.
هذا، ووفقا لشركة “إيني” فإن الاتفاق المبرم مع سوناطراك الجزائرية نص على زيادة تدريجية لكميات الغاز “اعتبارا من 2022 لتبلغ 9 مليارات متر مكعب في 2023-2024” عبر خط أنابيب “ترانسمد” الذي يربط البلدين عبر تونس والبحر المتوسط، بعد أن كانت القدرة الاحتياطية لهذا الخط في 2021 نحو 7,8 مليارات متر مكعب.
وتعد إيطاليا من أكثر الدول الأوروبية اعتمادا على الغاز (42 بالمئة من استهلاكها للطاقة). وهي تأمل في تقليص اعتمادها على الغاز من خلال تسريع الاستثمار في الطاقات المتجددة وإزالة العراقيل الإدارية أمام مشاريع توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
فرنس 24