لا تزال بعض الشخصيات السياسية الأميركية تمارس ضغوطها على الدول الأوربية بذريعة وجوب الدفاع عن الديمقراطية قبل التوسط لدى صندوق النقد الدولي لمنح تونس قرضا لمساعدتها في تجاوز أزمتها المالية الخانقة، في الوقت التي تتخوف في أوروبا من عجز السلطات التونسية عن منع تدفق اللاجئين الأفارقة الذين تزايدت أعدادهم في الأسابيع الأخيرة.
ودعا عضو مجلس شيوخ أميركي بارز الثلاثاء حلفاء بلاده الأوروبيين إلى الوقوف بحزم مع الديموقراطية في تونس قبل الموافقة على اتفاق لخطة إنقاذ للبلاد مع صندوق النقد الدولي، متهما الرئيس قيس سعيّد بإلحاق الضرر بالعملية الديموقراطية من خلال أحكام قبضته على السلطة.
وطاولت انتقادات السناتور الديموقراطي كريس مورفي، رئيس اللجنة الفرعية للعلاقات مع الشرق الأوسط في مجلس الشيوخ الأميركي، الرئيس جو بايدن أيضا بسبب استمراره في تقديم المساعدات للقوات المسلحة التونسية.
وكانت تونس قد توصلت إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي في أكتوبر على حزمة إنقاذ بنحو ملياري دولار لدعم اقتصادها المتدهور، لكن الخطة لا تزال تنتظر موافقة مجلس المحافظين في الصندوق الذي يضغط من أجل إجراء إصلاحات.
وتعهد سعيّد الأسبوع الماضي برفض “إملاءات” صندوق النقد، في الوقت الذي تقود فيه إيطاليا جهودا للتوصل إلى اتفاق سريع خشية تدفق المزيد من المهاجرين إلى شواطئها في حال شهدت الأوضاع الاقتصادية في تونس تراجعا أكبر.
وقال سعيد في رد على سؤال حول موقفه من اتفاق صندوق النقد الدولي، إن تونس، التي لديها الكثير من الإمكانيات لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية المطروحة، لن تقبل في اختياراتها بأيّ إملاءات من الخارج، والتي لم تأت إلاّ بالوبال والمزيد من التفقير.
واعتبر سعيد أن شروط صندوق النقد الدولي لاسيما في علاقة برفع الدعم، تنطوي على تهديد للسلم الأهلي، مذكرا بانتفاضة الخبز في ثمانينات القرن الماضي حينما شهدت البلاد احتجاجات شعبية واسعة على خلفية قرار السلطات رفع الدعم عن الحبوب.
وتقود إيطاليا، الدولة المعنية مباشرة بتطورات الوضع في تونس، مساعي إقليمية ودولية لإقناع بعض الدول بجلب الدعم لتونس ومساعدتها على الخروج من الأزمة المركبة المالية والسياسية التي تعاني منها، محذرة من أن التراخي الدولي في التدخل إلى جانب تونس من شأنه أن يعرّض أمن المنطقة للخطر، وسيفتح المجال لروسيا والصين، حاثة على تسهيل حصول تونس على قرض صندوق النقد الدولي.
يأتي هذا في وقت لا تخفي فيه الأطراف المشاركة في هذا الحراك قناعتها بأن دعم تونس ليس مسارا مجانيا ولكنه ضمانة لحماية أمن المتوسط من تدفق اللاجئين الأفارقة الذين تزايدت أعدادهم في الأسابيع الأخيرة.
وقال مورفي في معهد السلام الأميركي “أعتقد أن لدينا القليل من العمل لنقوم به لإقناع جميع أصدقائنا الأوروبيين بأن هذا هو الوقت المناسب للدفع لإبرام الصفقة الأصعب”.
واعتبر أن الدول الأوروبية على الأرجح تسعى إلى “استقرار قصير المدى”، لكنه دعا إلى رؤية طويلة المدى.
وأضاف “نعم، يمكن لصندوق النقد الدولي أن يتدخل هنا باتفاق يتضمن شروطا قليلة من شأنها إصلاح الأمور لأشهر، وربما سنوات”.
وتابع مورفي “لكنك ستعود لتقع مرة أخرى في أزمة (…) وستحتاج إلى خطة إنقاذ أخرى ربما تكون أقل قبولا لدى المؤسسات المالية الدولية (…) بعد بضع سنوات من الآن”.
ويتولى الرئيس سعيّد معظم السلطات في البلاد منذ إقالة حكومة هشام المشيشي في يوليو 2021 وحل البرلمان لاحقا ثم إقرار دستور جديد ليحل مكان الدستور 2014، الذي فصلته حركة النهضة الإسلامية وحلفائها على مقاسهم، وكان مصدرا لنزاعات متكرّرة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وأعرب مورفي عن معارضته لاقتراح بايدن في الموازنة الإبقاء على مستويات التمويل للقوات المسلحة التونسية التي قال السناتور إنها “وقفت إلى حد كبير مع أو أذعنت وأحيانا سهّلت تحوّل سعيد بعيدا عن الديموقراطية”.
وقال مورفي “أعتقد أن إدارة بايدن راهنت على القوات المسلحة التونسية”، مضيفا “أود أن أقول إن رهاننا يجب أن يكون على المجتمع المدني بدلا من ذلك”.
واقترحت إدارة بايدن خفض المساعدة الاقتصادية الأميركية لتونس العام المقبل مع الحفاظ على المستويات شبه الحالية من المساعدات الأمنية.
ووفق صحيفة “المونيتور” الأميركية فإن خطة الإنفاق للعام المالي 2024 لوزارة الخارجية الأمريكية والتي صدرت في مارس الماضي، تقترح تخصيص 68.3 مليون دولار من المساعدات الثنائية الإجمالية لتونس. وسجل هذا المؤشر انخفاضًا من 106 مليون دولار المطلوبة لهذا العام.
ومن ذلك، تقترح الإدارة 14.5 مليون دولار فقط في شكل دعم اقتصادي أميركي لتونس للسنة المالية التي تبدأ في أكتوبر المقبل انخفاضًا من 45 مليون دولار المطلوبة لهذا العام.
وتدعو ميزانية بايدن الأخيرة إلى انخفاض طفيف فقط في المساعدة الأمنية الأميركية لتونس بقيمة 53.8 مليون دولار للعام المقبل، مقارنة بـ 61 مليون دولار طلبتها سابقًا لهذا العام.
من بين تلك المساعدة الأمنية، تسعى الإدارة للحصول على 45 مليون دولار من الأموال لتغطية مشتريات تونس من الأسلحة الأميركية – وهو نفس المبلغ الذي طلبه البيت الأبيض لهذا العام، بعد انخفاض حاد عن العام السابق.
ولا تزال تونس شريكا وثيقا للجيش الأميركي في مكافحة الإرهاب حيث يواصل البنتاغون ومسؤولو المخابرات الأميركية أيضًا محاولة احتواء انتشار مرتزقة فاغنر الروس في أفريقيا.
صحيفة العرب