احتفلت الجزائر الأمس بالذكرى التاسعة والخمسين لاستقلالها من الاستعمار الفرنسي. لكن الكرة الجزائرية لم تنل استقلالها بعد من “الاستعمار الكروي” الفرنسي. في كل فترة يتجدّد الصراع بين الجزائر وفرنسا على نجوم من أصول جزائرية أو يحملون الجنسيتين الجزائرية والفرنسية للّعب مع منتخب الجزائر أو منتخب فرنسا. هو صراع أزليّ لا ينتهي. تكسب الجزائر جولة، وفرنسا جولة.
هكذا رأينا الكثير من اللاعبين من أصول جزائرية أو يحملون الجنسيتين الجزائرية والفرنسية يلعبون في منتخب فرنسا. الحديث هنا ليس فقط عن نجوم، بل عن أساطير على غرار زين الدين زيدان الذي قاد فرنسا إلى التتويج بلقب مونديال 1998 والذي يُعتبر أبرز لاعب في تاريخ فرنسا. لكن في حالة زيدان، لا بد من لفت الانتباه إلى أن هذا النجم الأسطوري كان من الممكن أن يلعب لمنتخب الجزائر، وهو كان يريد ذلك في بداية مسيرته، لكن مدرّب منتخب الجزائر حينها، عبد الحميد كرمالي، لم يوافق على استدعائه معتبراً أن أسلوبه في اللعب “بطيء”!
كذلك فإن نجوماً آخرين لعبوا لمنتخب فرنسا على غرار كريم بنزيما الذي تألّق في كأس أوروبا الحالية رغم الخيبة الفرنسية الكبيرة، وكذلك سمير نصري ونبيل فقير، وأخيراً فإن فرنسا “سرقت” من الجزائر النجم حسام عوار.
لكن في الجهة المقابِلة، فإن الجزائر نجحت في الحصول على حقّها وربحت المعركة مع الفرنسيين في العديد من المرّات وتحديداً عندما اختار النجم رياض محرز أن يلعب للمنتخب الجزائري وقاده إلى التتويج بلقب كأس أمم أفريقيا 2019، وكذا هو الحال مع ياسين براهيمي، وأخيراً آندي ديلور الذي لعب في منتخبات الفئات العمرية في فرنسا لكنه اختار موطنه الأصلي الجزائر ليلعب في صفوف منتخبه الأول، هذا فضلاً عن العديد من اللاعبين الآخرين.
يتواجدون في فرنسا… لكن القلب في الجزائر
صحيح أن فرنسا “سرقت” مواهب جزائرية، لكن هؤلاء ظلّوا مرتبطين بالجزائر، ولم تُنسِهم الشهرة والأضواء والألقاب مع منتخب فرنسا موطنهم الأصلي وجذورهم.
هذا ما نراه في زيدان، ويتأكّد في الكثير من المرّات. إذ إن هذا النجم بادر سريعاً عند تفشّي فيروس كورونا إلى أن يتبرّع بمعدّات طبية لموطنه الأصلي الجزائر، حيث قدّم، عبر مؤسّسته الخيرية، لإحدى مستشفيات مسقط رأس أبويه وأجداده، مدينة بجّاية، مستلزمات طبية وأجهزة إنعاش وأجهزة تنفّس وشاشات ومواد صحية عديدة.
وعند تتويج منتخب الجزائر بلقب كأس أمم أفريقيا 2019، توجّه زيدان إليه بالتهنئة، كما أنه رفع علم الجزائر في إحدى المناسبات.
لكن الأهم من ذلك، أن زيدان زار موطنه الأصلي في عام 2006 حيث قال حينها من أرض الجزائر: “أنا مسرور بعودتي للتعرّف إلى جذوري وتقاسُم هذه اللحظات مع الجزائريين”، مضيفاً: “الجزائر هي موطن أهلي، وكنت أودّ العودة إلى هنا منذ 20 عاماً، إلا أن مسيرتي الكروية لم تسمح لي بذلك”.
حينها منحت الجزائر زيدان وسام “الأثير”، وهو وسام الاستحقاق الوطني الأعلى في الجزائر الذي اعتُمد عام 1984، ومُنح سابقاً إلى عدد من مناضلي الثورة الجزائرية الراحلين وإلى عدد من رؤساء الدول.
ثم عاد زيدان في 2009 لزيارة الجزائر مع زوجته وأولاده لكن هذه المرة بعيداً عن الإعلام، علماً أنه كان زار الجزائر في طفولته مع أبويه.
كذلك، فإن بنزيما يتحدّث دائماً عن الجزائر وقد وجّه التهنئة للمنتخب الجزائري بعد تتويجه بلقب كأس أمم أفريقيا 2019 مرتدياً قميص منتخب الجزائر، وهو يحظى بشعبية كبيرة لدى الجزائريين على غرار زيدان.
إذاً، تحتفل الجزائر اليوم بذكرى استقلالها من الاستعمار الفرنسي، لكن “الاستعمار الكروي” الفرنسي للجزائر لا يزال مستمرّاً… وكذا فإن المقاومة الجزائرية له لم ولن تهدأ.
الميادين