تحولت الجزائر في الأسابيع الماضية إلى قبلة سياحية مفضلة لآلاف الليبيين، الذين تكبدوا عناء السفر براً عبر تونس للوصول إلى حدودها مع جارتها الغربية، ونشر كثير منهم مقاطع على مواقع التواصل تشجع الباحثين عن وجهة لقضاء عطلتهم الصيفية على التوجه إليها، بعد أن كانت تونس ومصر البلدين الأكثر جذباً للسياح الليبيين.
وشجع الإقبال غير المسبوق من المواطنين الليبيين على زيارة الجزائر القيادات السياسية في البلدين على العمل لفتح المعابر الحدودية بينهما، المغلقة منذ سنوات لأسباب أمنية، خصوصاً منفذ غدامس الليبي الأقرب للتراب الجزائري.
ومن المتوقع أن يعود هذا التواصل اللافت بين البلدين عليهما بفوائد جمة، خصوصاً من الناحية الاقتصادية وتنشيط السياحة بينهما التي تشهد فترة استثنائية يرغب كلا البلدين في استثمارها على أكمل وجه.
استعداد لفتح المعابر
في السياق، عقدت وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، الخميس، اجتماعاً موسعاً لمراجعة وتقييم الاحتياجات التشغيلية لمنفذ غدامس الحدودي مع الجزائر استعداداً لفتحه.
حضر الاجتماع جميع المكونات المسؤولة بالمنفذ، إضافة إلى مندوبين عن الوزارات المعنية، وهي الداخلية، والخارجية، والمواصلات، والصحة، والاقتصاد، ومندوبون عن الأجهزة الأمنية والرقابية والعسكرية، وعضو عن المجلس البلدي في غدامس.
وبحسب بيان الداخلية، “تناول الاجتماع مراجعة جميع محاضر الاجتماعات السابقة، وما توصلت إليه اللجنة من المعالجات التي اتخذت حيال الاحتياجات التشغيلية الضرورية على مختلف الصعد القانونية والإدارية والفنية والخدمية، حتى يكون المعبر بالجاهزية المطلوبة لحظة افتتاحه، وإحالة التوصيات للجهات المعنية لاستكمال ترتيبات التواصل المتبقية”.
وكانت السلطات الجزائرية قررت في 19 مايو (أيار) الماضي إعادة فتح المعبر الحدودي الرابط مع ليبيا لأغراض تجارية فقط، ما يسمح بإجراء عمليات التصدير بين البلدين.
ويتعلق الأمر بإعادة فتح منفذ “الدبداب” البري الذي يبعد 20 كيلومتراً من مدينة غدامس الليبية، وهو من أهم ثلاثة منافذ برية بين البلدين يعود غلقها إلى مايو 2014.
وتتوقع وزارة التجارة الجزائرية أن تصل المبادلات التجارية بعد فتح المعبر إلى 3 مليارات دولار، مقابل 65 مليون دولار حالياً، منها 59 مليوناً صادرات جزائرية نحو ليبيا.
وكانت السلطات الجزائرية قد سمحت أيضاً بدخول آلاف الليبيين إليها، الأسبوع الماضي، عن طريق الحدود الجزائرية – التونسية، عبر معبر “أم الطبول” بشمال البلاد، والذي أعيد تشغيله منتصف يوليو (تموز) الحالي.
تنسيق بين البلدين
قال عميد بلدية غدامس قاسم المانع، إن “هناك اجتماعاً ليبياً جزائرياً سيعقد قريباً، تمهيداً لافتتاح منفذ غدامس البري مع الجزائر”.
وأضاف أن “الاستعدادات تجري حالياً لإعادة افتتاح المنفذ بأسرع وقت ممكن، بالنظر إلى أثره الاقتصادي على المدينة، وما يوفره من فرص عمل للشباب، لافتاً إلى أن إعادة افتتاح المنفذ يخرج مدينة غدامس من الركود الاقتصادي التي تعانيه”.
وأشار إلى “المباحثات التي أجريت منذ عام من خلال لجنة تضم جميع الأجهزة الأمنية والاقتصادية والعسكرية، اتفقت في آخر اجتماعاتها على التواصل مع السلطات الجزائرية لكي تجتمع اللجنتان الليبية والجزائرية لتحديد موعد نهائي في القريب العاجل لافتتاح المنفذ”.
فرصة لـ”لؤلؤة الصحراء”
يعد فتح المعبر الحدودي مع الجزائر بمثابة قبلة الحياة لمدينة غدامس، وهي مدينة عتيقة ومن أهم المعالم الأثرية الصحراوية في ليبيا وشمال أفريقيا، تعرف باسم “لؤلؤة الصحراء”، وتقع قرب الحدود مع تونس والجزائر من الجهة الغربية، وتبعد 543 كيلومتراً عن العاصمة طرابلس في اتجاه الجنوب الغربي، ويبلغ عدد سكانها نحو 25000 نسمة، وصنفت غدامس القديمة من قبل منظمة اليونيسكو على لائحة التراث العالمي عام 1986.
والسكان الأصليون لغدامس من الأمازيغ والطوارق، والأمازيغ يتفرعون إلى قبيلتين هما بنو وازيت، وبنو وليد، أما الطوارق فقد سكن أجدادهم المدينة منذ القدم، ويعتقد أنهم السكان الأوائل لها، وما حولها أيضاً، وتشكل السياحة الدعامة الرئيسة لاقتصاد المدينة، حيث تعد المواقع الأثرية القديمة نقطة جذب سياحي، إلى جانب وجود بعض الصناعات التقليدية، كصناعة السعف، والمشغولات اليدوية.
وعانت المدينة خلال السنوات الماضية ركوداً كبيراً وجموداً في النشاط السياحي أثر بشكل كبير على سكانها ووضعهم الاقتصادي، مما يكشف عن أهمية فتح المعبر الحدودي الذي يربطها بالجزائر، والذي كان ممراً هاماً لها بالنسبة لهواة السياحة الصحراوية، الذين يأتي أغلبهم من القارة الأوروبية.
فتح المعابر البرية والبحرية
رغبة ليبيا والجزائر في إعادة شرايين التواصل بينهما للعمل لم تقتصر على تسهيل التنقل البري، بل كشفت الجزائر عن نيتهما تسهيل التنقل بينهما عبر الجو والبحر أيضاً، إذ ناقش وزير النقل الجزائري عيسى بكاي، مع سفير الجزائر بليبيا كمال عبدالقادر حجازي، عودة نشاط مؤسسة الخطوط الجوية الجزائرية بين العاصمتين، والإجراءات العملية والإدارية والتنظيمية لإنجاح ذلك، وكذلك فتح خط بحري بين الجزائر وطرابلس في أقرب وقت، بحسب بيان صادر عن وزارة النقل بالجزائر.
ولفت البيان إلى أن “لقاء الوزير والسفير، جاء تجسيداً لتوجيهات رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، بعد الزيارة التي قام بها رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي إلى الجزائر أخيراً”.
وشدد البيان على أن “هذه المجهودات تأتي في إطار مساهمة قطاع النقل في توطيد العلاقات الأخوية وتكثيف التعاون بين الدولتين الشقيقتين”.
وشهدت العلاقات الاقتصادية بين ليبيا والجزائر تحسناً ملحوظاً منذ بداية العام الماضي، ولعبت دوراً بارزاً في تشجيع البلدين على إعادة العلاقات الطبيعية التي تأثرت بوضوح في السنوات الماضية بالظروف السياسية والوضع الأمني في ليبيا، خصوصاً أثناء الحرب في طرابلس.
وظهر تطور العلاقات بين البلدين، خصوصاً في الشق الاقتصادي، خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي، حين افتتح رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، معرضاً اقتصادياً حمل اسم “صنع في الجزائر”، في العاصمة طرابلس.
وقال الدبيبة، إن “غرفتي الصناعة والتجارة في البلدين مستمرتان في جهودهما لخلق شراكة قوية بين القطاعين الخاصين في الجزائر وليبيا، على الرغم من الظروف التي تمر بها ليبيا، وعطلت هذا المشروع منذ أكثر من عام ونصف العام”.
وعبر الدبيبة عن أمله في أن “يقام هذا المعرض كل عام خلال السنوات المقبلة”، لافتاً إلى “مواصلة العمل المشترك بين رجال الأعمال في البلدين، الذي كان يتطلب وجود إرادة سياسية قوية”.
وقال إن “ليبيا تعول على الجزائر كثيراً في دعم استقرارها وأمنها”. ودعا “أصحاب الشركات ورجال الأعمال الليبيين إلى التوجه للسوق الجزائرية، والبحث عن فرص للاستثمار هناك”.
independentarabia