يندرج قرار الجزائر بحظر تصدير ما تستورده من مواد غذائية، من سكر وزيت ومشتقات القمح، مع التحضير لفرض عقوبات صارمة على المخالفين، في سياق الحفاظ على استقرار السوق الوطنية وضمان وفرة هذه المنتجات، خاصة ونحن على مقربة من شهر رمضان المعظم الذي يشهد عادة ارتفاعا في أسعار السلع، بسبب سلوكيات المضاربين الذين يستغلون هذه المناسبة لمحاولة تحقيق الأرباح على حساب جيب المواطن، إلى جانب ما يعتبره خبراء “أزمة اقتصادية عالمية“ ناجمة عن تداعيات جائحة كورونا وتطورات عالمية أخرى. وشدد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في اجتماع مجلس الوزراء الذي ترأسه أول أمس، على منع تصدير كل المنتجات الاستهلاكية كالسكر والعجائن والزيت والسميد وكل مشتقات القمح، ومنع استيراد اللحوم المجمدة “منعا باتا“ وتشجيع استهلاك اللحوم المنتجة محليا، لدرجة أنه وصف تصرفات المخالفين لهذه القرارات بـ“العمل التخريبي“.
وفي سياق إضفاء البعد العملي على قرار الحظر كلف رئيس الجمهورية، في خطوة غير مسبوقة وزير العدل “بإعداد مشروع قانون يجرم تصدير المواد غير المنتجة محليا، موازاة مع الأمر بتشجيع الفلاحين الممونين للمخزون الاستراتيجي للدولة، من القمح الصلب واللين والحبوب الجافة بتحفيزات متنوعة، منها الدعم بالقروض والأسمدة ومزايا أخرى. وكان وزير الفلاحة، عبد الحفيظ هني، أكد خلال الأسبوع الماضي، توفر الجزائر على مخزون كاف من الحبوب إلى غاية نهاية العام الجاري، في ظل الضغوطات الكبيرة التي تعرفها سوق الحبوب العالمية، على خلفية الحرب بين روسيا وأوكرانيا. وطمأن الوزير باتخاذ كافة الاحتياطات لضمان تغطية السوق المحلية وتلبية كافة احتياجات المواطنين من الحبوب، علما أن الجزائر تستهلك بين 9 إلى 12 مليون طن سنويا من القمح بنوعيه اللين والصلب، غالبيته مستورد من الخارج وخصوصا فرنسا وبكميات محدودة من كندا.
كما سبق للديوان الوطني المهني للحبوب، أن أعلن عن مناقصاته الخاصة باستيراد الحبوب لتموين مخزون العام الجاري، قبل 3 أشهر بما يؤمّن الجزائر من أي أزمة لتموين السوق الوطنية بالقمح خلال هذه السنة. وبرأي مراقبين، فإن الجزائر حققت أمنها الغذائي خلال هذا العام، عبر الاستيراد وحتى من خلال الانتاج الوطني رغم كل المعطيات التي قد تشهدها السوق العالمية وخلافا لتوقعات الجفاف أيضا. وكان رئيس الجمهورية، أكد في العديد من المناسبات على ضرورة رفع تحدي الأمن الغذائي، بإقراره لإجراءات محفزة كان من بينها رفع أسعار شراء الحبوب من الفلاحين واستعداد الدولة لتمويل هذه الزيادات بهدف إحداث ديناميكية في هذه الشعبة الاستراتيجية. كما تم مراجعة أسعار شراء الحبوب لدى المنتجين مقارنة بالأسعار على مستوى الأسواق العالمية، قصد الوصول الى جمع من 27 إلى 30 مليون قنطار خلال هذا الموسم، مما سيمكن البلاد من تقليص فاتورة الاستيراد بحوالي 26 بالمئة.
ويأتي ذلك في الوقت الذي شهدت فيه مختلف أسعار المواد الغذائية ارتفاعا قبل شهر رمضان، فيما اتخذت الحكومة قرارات عاجلة لاستيراد اللحوم ونحر أكثر من 50 ألف رأس غنم، واستيراد كميات كبيرة من البطاطس وفتح مخزونها المحلي أمام السوق، فضلا عن استيراد كميات كبيرة من القمح اللين لمدة 9 أشهر كاملة، في محاولة للتحكم في أسعار المواد واسعة الاستهلاك. وتقدر واردات الجزائر السنوية من مختلف حاجياتها الاستهلاكية بنحو 30 مليار دولار، فيما تسعى الحكومة لخفض هذه المبالغ الضخمة من خلال تشجيع الإنتاج المحلي وخاصة في قطاعي الفلاحة والصناعة. ويرى مراقبون أن القرارات المتخذة خلال اجتماع مجلس الوزراء، ستساهم في استقرار السوق الداخلية لهذه المواد الأساسية التي عرفت منذ قرابة العام، مشكل وفرة وأزمات في التوزيع على غرار الزيت والسميد في الوقت الذي اكتشفت فيه كميات منها موجهة للتصدير وأخرى للتهريب، مما يتطلب حل مشاكل المضاربة .
المساء