منذ عقود على تحوّل الصحراء الجزائرية إلى حقل لتجارب باريس النووية، وفرنسا تستمرّ في إنكار ارتكابها الجريمة التي راح ضحيتها آلاف الجزائريين، في جرح لم يندمل بعد.
فبين عامي 1960 و1966، أجرت فرنسا 17 تجربة نووية في الصحراء الجزائرية، راح ضحيتها نحو 42 ألف جزائري بين قتيل ومصاب بأمراض سرطانية وتشوهات خلقية.
وفي تقريره حول الاستعمار وحرب الجزائر (1954-1962)، أوصى المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا “بمواصلة العمل المشترك بخصوص مواقع التجارب النووية في الجزائر وتداعياتها إضافة إلى مسألة زرع الألغام على الحدود”.
17 تجربة نووية
أجرت فرنسا 17 تجربة نووية في الصحراء الجزائرية بين 13 فبراير/ شباط 1960 و16 فبراير 1966 في موقعين هما رقان وإن كر.
البداية كانت بعملية “اليربوع الأزرق” في 13 فبراير عام 1960 ألقت خلالها فرنسا تحت رئاسة شارل ديغول حينها أولى قنابلها النووية بمنطقة رقان بولاية أدرار التي كان يسكنها نحو 6 آلاف شخص.
حينها، بلغ وزن القنبلة 70 طنًا وفاقت قوتها قوة قنبلة هيروشيما باليابان بنحو 4 أضعاف وتجاوز تلوثها الإشعاعي المنطقة ليبلغ جنوب إفريقيا وحوض المتوسط.
أما التجربة الثانية فكانت عملية “اليربوع الأبيض” في أبريل/ نيسان من العام نفسه، تلتها بعد نحو 8 أشهر عملية “اليربوع الأحمر” في 27 ديسمبر/ كانون الأول 1960. واقتصرت قوة هاتين التجربتين على 5 كيلوطن.
وعام 1961 نفّذت عملية “اليربوع الأخضر”، وكانت بدورها بقوة 5 كيلوطن، إلا أنّها أجريت بشكل طارئ في أجواء سياسية متوترة إثر “انقلاب الجنرالات”، وهي محاولة انقلابية قادها عسكريون فرنسيون في الجزائر ضد الرئيس الفرنسي شارل ديغول.
تجارب تتجاوز قوة هيروشيما
وأجريت التجارب الـ13 اللاحقة تحت الأرض داخل أنفاق حفرت في جبل في إن كر في منطقة الهقار في أقصى جنوب الجزائر، وذلك للحد من تبعثر الجزيئات الإشعاعية في الغلاف الجوي.
ورغم حصول الجزائر على استقلالها عام 1962، ظلت الصحراء الجزائرية مكانًا لتحقيق شارل ديغول طموحات فرنسا النووية فيما يعتقَد أنّ ذلك كان جزءًا من اتفاقيات إيفيان التي لا يزال جزء من مضامينها سريًا إلى الآن.
واستمرت التجارب النووية الفرنسية في الجزائر لسنوات تجاوز بعضها قوة هيروشيما بعشرات المرات، وفق وسائل إعلام فرنسية.
وأجريت آخر تجربة نووية وقد سمّيت “العقيق”، وكانت بقوة 20 كيلوطن، في 16 فبراير 1966.
دمار بيئي ومشاكل صحية
خلفت التجارب النووية الفرنسية دمارًا بيئيًا ومشاكل صحية عديدة تمثلت في تفشي أمراض السرطان وظهور أمراض جلدية خطرة وإصابة الكثير من السيدات بالعقم، إضافة إلى تشوهات خلقية للمواليد.
وبالرغم من ذلك فقد أنكرت فرنسا لسنوات تلك المخاطر، كما زعمت وزارة الدفاع الفرنسية أن الدراسات في تلك الفترة “تؤكد أن التلوث الإشعاعي لم يكن يمثل خطرًا على الصحة”، في حين أظهرت وثائق فرنسية عسكرية رُفِعت عنها السرية عام 2013 أن إشعاع التجارب النووية أعلى مما أعلِن عنه سابقًا.
وسط ذلك، تستمرّ فرنسا في رفض السماح للجزائر بالاطلاع على أرشيف الاختبارات والخرائط التي تكشف أماكن دفن المخلفات.
شروط مجحفة ولا تعويضات
وقد طالبت السلطات الجزائرية وضحايا تلك التجارب بتعويضات عن تلك الجرائم التي ظلّت تُنكرها فرنسا وتقلل من شأن خطورتها لسنوات.
وسنّت السلطات الفرنسية “قانون موران” عام 2010 الذي ينصّ على “منح تعويض للأشخاص الذين يعانون من أمراض ناتجة عن التعرض للإشعاع من التجارب النووية الفرنسية التي أجريت في الصحراء الجزائرية وفي بولينيزيا الفرنسية بين عامي 1960 و1996”.
لكن لم يتمكن سوى 50 جزائريًا من تقديم ملفاتها، وفق وسائل إعلام فرنسية، بسبب شروط الإثبات المجحفة التي فرضتها السلطات الفرنسية على المتقدمين، وقد حصل واحد منهم فقط على تعويضات حتى الآن.