عادت العلاقات بين الجزائر وتونس إلى مستواها المعهود، بعد مرحلة فتور لافت بين الجارتين في النصف الأول من العام الجاري، ما أثار الكثير من التأويلات غير أن الجانبين يؤكدان أن “الأمور كانت دائماً بخير”.
ومنذ زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى تونس في 17 ديسمبر/كانون الأول 2021، التي شهدت توقيع 27 اتفاقية ثنائية، توقف النشاط الرسمي المعلن بين البلدين بشكل شبه كلّي، وصولاً إلى أواخر مايو/ أيار الماضي، حيث استأنف البلدان تبادل الزيارات الرسمية.
وبداية الشهر الجاري، بلغت العلاقات الثنائية جودتها المعهودة عندما شارك الرئيس التونسي قيس سعيد، باحتفالات الجزائر بالذكرى 60 للاستقلال في 5 يوليو/ تموز.
وبالمناسبة ذاتها، أعلن تبون وسعيد إعادة فتح الحدود البرية أمام مواطني البلدين، بعد أكثر من سنتين من الإغلاق بسبب قيود الحد من تفشّي فيروس كورونا.
وأثار استمرار إغلاق الحدود البرية بين الجانبين طوال النصف الأول من العام الجاري، الشكوك حول وجود أزمة صامتة بين الدولتين.
“دائماً بخير”
أمام القراءات المتزايدة بشأن مكامن الخلاف بين البلدين، نفت الدبلوماسية الجزائرية وجود أية أزمة مع جارتها الشرقية، وأكدت أن علاقتهما “دائماً بخير”.
جاء ذلك على لسان، وزير الخارجية رمطان لعمامرة، عندما زار تونس في يونيو/حزيران الماضي، حاملاً رسالة من تبون إلى سعيد، حيث قال في تصريح صحفي إن “العلاقات الجزائرية التونسية بألف خير”.
وفي الأيام الأخيرة، تجدّد مستوى التعاون والتنسيق الأمني المعهود بين البلدين، حين سارعت الجزائر الأربعاء الماضي، لإرسال فرق إطفاء وحوّامتين عسكرتين من الحجم الكبيرة للمساعدة في إطفاء حرائق الغابات في تونس، بناء على طلب سعيد.
وعلى الصعيد الأمني، أفادت وسائل إعلام تونسية، الخميس، أن الجزائر سلمت مدير المخابرات التونسي السابق الأزهر اللونغو، إلى سلطات بلاده بعد أن فر إلى الجزائر.
ونقل راديو “موزاييك إف إم” (خاص)، عن مصدر بوزارة الداخلية التونسية قوله: “تمّ القبض على الأزهر اللونغو أثناء محاولته اجتياز الحدود، من طرف الأمن الجزائري الذي سلّمه للسلطات التونسية”.
وقبل ذلك، شرعت حكومتا البلدين منذ مايو، بتجسيد الاتفاقيات المبرمة خلال زيارة الرئيس تبون إلى تونس، وتم الاتفاق على إنشاء صندوق مشترك لتمويل الاستثمار في الشركات الصغيرة لدى الجانبين.
استنتاجات وتكهنات
حالة السكون التي شهدتها العلاقات بين البلدين في الأشهر الخمس الأولى من العام، ترجمها غياب الزيارات أو المكالمات المتقاربة على مستوى الرؤساء أو وزراء الخارجية.
ومع ارتفاع مطالب فتح الحدود البرية التي أغلقت قبل سنتين بفعل تفشي فيروس كورونا، ازدادت التكهنات بأن العلاقات الثنائية بين الجزائر وتونس ليست على ما يرام.
وتعززت هذه التكهنات، بفعل تصريح مقتضب للرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون أثناء زيارته إلى إيطاليا في 26 مايو/آيار الماضي.
وقال تبون حينها: “لدينا استعداد (مع إيطاليا) لتقديم المساعدة اللازمة لتجاوز تونس المأزق الراهن والرجوع إلى الطريق الديمقراطي”.
وأثار التصريح هالة إعلامية كبيرة خاصةً في تونس، حيث فُهم أنه يعتقد أن جارته الشرقية تعيش “مأزقاً”، وأنها في وضع “غير ديمقراطي”.
ومنذ 25 يوليو الماضي، تعاني تونس أزمة سياسية حادة، حين بدأ سعيد فرض إجراءات استثنائية، منها إقالة الحكومة وحلّ البرلمان ومجلس القضاء وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية.
كما قرّر سعيد تقريب موعد الانتخابات البرلمانية إلى 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل، ومنح نفسه حق تعيين ثلاثة من أعضاء هيئة الانتخابات السبعة، بمن في ذلك رئيسها.
وتعتبر قوى تونسية هذه الإجراءات “انقلاباً على الدستور”، بينما ترى فيها قوى أُخرى “تصحيحاً لمسار ثورة 2011″، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي.
أما سعيد، الذي بدأ عام 2019 فترة رئاسية تستمر 5 سنوات، فاعتبر أن إجراءاته هي “تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من خطر داهم”.
وحرصت الخارجية الجزائرية، على الرد على الضجة التي صاحبت تصريحات الرئيس تبون من إيطاليا، إذ قال مصدر دبلوماسي لصحيفة الشروق: “إن التصريحات أثارت قراءات متحيّزة وتأويلات لا تتوافق مع التعبير الصريح لرئيس الجمهورية عن تضامن الجزائر الفعلي مع تونس وشعبها لمساعدتهم من أجل تجاوز الصعوبات التي يواجهونها”.
مؤشرات ظاهرة
بالنسبة للصحفي المتخصص في الشأن التونسي عثمان لحياني، فإن حالة الفتور في العلاقات بين البلدين خلال الأشهر الماضية “كانت ظاهرة”.
وقال لحياني للأناضول: “إن مؤشرات الفتور كان أوّلها استمرار إغلاق الحدود البرية، رغم زوال المبرر الصحيّ واستئناف الرحلات نحو معظم دول العالم”.
ويلزم الراغبون بالتنقل برًّا نحو تونس بالحصول على ترخيص إداري موقّع من وزارة الداخلية الجزائرية.
وأضاف لحياني: “في المقابل، فإن مشاورات كميات الغاز الجزائري الموّرد نحو تونس ما زالت مستمرة ولم تُحسم بعد، وهذا مؤشر آخر”.
وأرجع أسباب “الفتور” إلى انزعاج جزائري محتمل من “تمركز محور التطبيع مع إسرائيل في تونس”، في إشارة إلى الدعم الذي حصل عليه سعيد في الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها في يوليو 2021، من دول عربية تطبع علاقاتها مع إسرائيل.
وتابع بأن المنظور الجزائري يضع حساباتٍ على المدى الطويل “تتعلق بالتأثيرات المحتملة على الأمن القوميّ للبلاد”.
وإلى جانب دعوة سعيد لاحتفالات ذكرى الاستقلال، وجهت الجزائر دعوة للأمين العام للاتحاد التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، الذي حظي باستقبال الرئيس عبد المجيد تبون.
وتحدثت وسائل إعلامية، عن لقاء بين سعيّد والطبوبي في الجزائر بعد خلافات حادة بين الرجلين، لكن سلطات البلدين لم تؤكد ذلك.
وكان الطبوبي، أثار موضوع التطبيع مع إسرائيل، ونقلت عنه وسائل إعلام تونسية قوله إن ما يجري في بلاده “معترك إقليمي يقود إلى التطبيع”، وأضاف أن “هناك مخططاً لجرّ تونس نحو محور التطبيع بهدف محاصرة الجزائر”.
جزائريون في السجون التونسية
في المقابل، عادت إلى الواجهة قضية حساسة للغاية، تتعلق بفرضية وجود مهاجرين سريين جزائريين في سجون تونسية منذ عام 2008.
وبينما تنفي السلطات التونسية ذلك، تلقّت عائلات جزائرية تبليغات رسمية بتقديم أبنائها للمحاكمة في أبريل/نيسان الماضي، بمدينة الكاف التونسية.
وكشف محمد أمين ساحلي، عضو مجلس الأمّة الجزائري (الغرفة الثانية للبرلمان)، للأناضول، أن هؤلاء المهاجرين ينحدرون من محافظة عنّابة (شرق)، ومدينة براقي بالعاصمة الجزائرية، وحاولوا الهجرة سرّاً عبر القوارب نحو أوروبا، انطلاقاً من تونس.
ومنذ 2008 لم يظهر لهم أيّ أثر، ما جعل ذويهم يضعونهم في خانة الأموات، لتنتشر معلومات في 2013 تفيد بوجودهم في سجن تونسي في مدينة الكاف.
وفي الأسابيع الماضية، تعزز الاعتقاد بأن تونس تخفي في سجونها هؤلاء الجزائريين، لكنها تواصل الرد بالنفي.
واطلعت الأناضول على وثيقة رسمية، وهي “أمر تبليغ” لإحدى العائلات الجزائرية، يخطرها بموعد مثول نجلها أمام المحكمة في تونس في 25 أبريل 2022، لكنها لم تتمكن من “إثبات أي شيء عن وجوده فعلاً رهن الحبس”.
وقال ساحلي إنه لا يستطيع “تقدير” مدى تأثير القضية على العلاقات بين البلدين لكنه خلص إلى التأكيد أنها “مسألة في غاية الحساسة، وتحظى بمتابعة حثيثة من أعلى السلطات في البلاد”.
الأناضول