ما زالت الأزمة الاقتصادية بين الجزائر والإمارات مستمرة، إذ تحركت الحكومة الجزائرية للتضييق على الاستثمارات التي تحتكرها دولة الإمارات العربية المتحدة لسنوات.
وكشف مصدر دبلوماسي جزائري لـ”عربي بوست”، أن السياسة الراهنة للجزائر تسير نحو قطع علاقات التعاون التجاري والاقتصادي مع الإمارات، خاصة بعد شبهات الفساد التي كشفتها التحقيقات في علاقة النظام السابق برجال مال وأعمال إماراتيين دخلوا الجزائر من أجل تفكيك بعض الشركات، وعقد صفقات مشبوهة أمام تواطؤ نظام عبدالعزيز بوتفليقة.
تحرير قطاع التبغ
تسعى الجزائر إلى تنظيم سوق التبغ، من خلال نص قانون جديد يدعو إلى إنشاء سلطة ضبط سوق المواد التبغية، من خلال تحديد تشكيلتها وصلاحياتها، ولا سيما تلك المتعلقة بإصدار الرأي المطابق حول طلبات الاعتماد اللازم لممارسة صناعة هذه المنتجات الموجهة للتدخين أو المضغ أو الاستنشاق، وكذا لسحب الاعتمادات المسلمة.
ويهدف المرسوم الجديد إلى إعطاء الأفضلية لرأس المال الوطني وأصحاب المشاريع المحليين، من خلال السماح لهم بالاستثمار في تصنيع المنتجات بجميع أنواعها، دون إلزامهم بالشراكة مع شريك أجنبي.
ووفق مصادر إعلامية جزائرية فإن الشركة الجزائرية الإماراتية التي تحمل اختصاراً اسم “التبغ المتحدة” المتحكمة في سوق التبغ في الجزائر تعد بمثابة الشركة الأكثر نجاعة في مجمع مدار، إذ تتجاوز أرباحها ربع مليار دولار في السنة.
أرباح الشركة، وفق المحلل المالي والاقتصادي الجزائري شرف الدين معتيق، تفوق بكثير ما كشفه الإعلام الجزائري، لأن الإماراتيين بعد دخولهم السوق الجزائرية في مجال تصنيع وتسويق التبغ على حساب شراكة كانت في الأصل مرفوضة منذ البداية، كانوا يستهدفون أرباحاً تتعدى نصف مليار دولار سنوياً.
ويؤكد معتيق في حديثه لـ”عربي بوست” أن “الإمارات تكون قد حققت سقف هذه الأرباح في السنوات الأولى من دخولها الجزائر سنة 2005، وعملها على تفكيك وحل الشركة الأكبر حينها إفريقيا في مجال صناعة التبغ (شركة التبغ والكبريت الجزائرية سنتا)”.
شبهة فساد كبيرة
يؤكد مصدر دبلوماسي جزائري أن تحرير قطاع التبغ والكبريت جاء بعد شبهة فساد كبيرة تورط فيها رجال أعمال إماراتيون دخلوا الجزائر للاستثمار، مع الكشف على علاقات كبيرة بينهم وبين حاشية عبدالعزيز بوتفليقة.
ولا يستبعد مصدر “عربي بوست” أن تلجأ الجزائر إلى القضاء مستقبلاً لفك شفرة الفساد التي كانت نتاج تقاربٍ كبيرٍ بين الإمارات وشقيق الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، السعيد بوتفليقة، وتواطئه في حل إحدى أكبر الشركات ربحاً في الجزائر حينها.
وأضاف المصدر ذاته أنه “منذ دخول رجل الأعمال الإماراتي القريب من دوائر الحكم في الإمارات والجزائر أحمد حسن الشيباني بدأت الشركات الوطنية داخل البلاد تتفكك على غرار شركة التبغ والكبريت والشركة الوطنية للحديد والصلب، إضافة إلى عمله في الاستثمار العقاري من خلال الشركة المعروفة (أميرال)”.
ومن الواضح، حسب المصدر أن “أي تحقيق قد يفتح في هذا الأمر، سيكشف عن فضائح مالية وصفقات بملايين الدولارات، كانت وراء تفكيك الشركة الجزائرية للتبغ والكبريت (سانتا) وتحويل نشاطها منذ 2005 إلى الشركة الجزائرية الإماراتية”.
كما يتوقع أن تكشف التحقيقات الأمنية مستقبلاً “عن شبهات فساد في المجال العقاري، كون هذا المستثمر الإماراتي كان يستغل علاقاته مع شقيق الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة (السعيد بوتفليقة) للاستحواذ على بعض الفضاءات العقارية وتحويلها لاستثماراته ليس فقط في مجال التبغ والكبريت، بل حتى في ترقية شركته المعروفة بالعقار (أميرال)”.
وحسب المصدر الدبلوماسي فإن “اسم أحمد حسن الشيباني، لم يعد له أثر في السنتين الأخيرتين في الجزائر بعد عودته إلى الإمارات في الأسابيع القليلة التي تلت إسقاط حكم الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة 2019، الأمر الذي يُرجح هروبه من أي متابعات ممكنة”.
فساد داخلي
بداية العام الجاري كشفت يومية البلاد الجزائرية عن حجم فساد داخلي، ناجم عن التهرب الضريبي وصفقات فساد فاقت الـ100 مليار دولار، وهو بحسب الخبير المالي والاقتصادي الجزائري شرف الدين معتيق امتداد لفساد شراكة إماراتية جزائرية.
جريدة البلاد توقفت عند أحكام قضائية بين 5 و10 سنوات حبساً نافذاً، في حق 5 أشخاص منهم مدراء وموظفون في مصالح الضرائب ومسيرون لثلاث شركات كانت تتهرب من دفع الضرائب بتقاعس بعض موظفي الدولة.
وكشفت التحقيقات التي امتدت من 2014 إلى غاية نهاية العام 2019، عن حجم خسائر وفساد مالي في مجال التبغ والكبريت وصل إلى رقم الألف مليار دينار (حوالي 100 مليار دولار).
تحايل الإمارات
دخلت الإمارات بقوة للاستثمار في قطاع التبغ والكبريت بعقد بين الشركة الجزائرية للتبغ والكبريت، وشركة “يونيون توباكو كومباني” الإماراتية.
وبموجب هذه الشراكة، حسب المحلل المالي والاقتصادي الجزائري شرف الدين معتيق “أصبح للشركة الوطنيّة للتبغ والكبريت الجزائرية نسبة 49%، وللمستثمر الإماراتي “يونيون توباكو كومباني” 49%، أما نسبة 2% المتبقية فآلت لشركة تابعة لوزارة المالية الجزائرية”.
وأضاف المتحدث أن “الإمارات استحوذت بشكل تام على الشركة من خلال فتح فروع مصغرة تقوم بأعمال جزئية كالنقل والتسويق والتصدير، مع استحواذها على أسهم إضافية”.
هذه الخطة، حسب الخبير، جعلت حصص الجزائر في الشركة تتقلص من 49% إلى أقل من 25%، مقابل ذلك ارتفعت حصة الإمارات من 49% إلى 75%، ما يجعل من الشركة آلياً إماراتية بامتياز.
الجدل الذي فاق كل التوقعات حينها، جعل الحكومة تصدر في أبريل/نيسان 2018 بياناً تؤكد فيه أن الدولة لم تتنازل عن شركة “التبغ الوطنية” لصالح “المتحدة للتبغ” الإماراتية، بعدما أبدت حسب مصادر إعلامية عدم رضاها عن حجم تلك الشراكة بعد إخلال الطرف الإماراتي لما تم الاتفاق عليه سابقاً.
نهاية الاحتكار الإماراتي لسوق التبغ
الخطوة الأخيرة التي أقدمت عليها الجزائر، من خلال مرسوم يفرض تأميم سوق التبغ في الجزائر ستجعل الإمارات بعيدة عن لعبة كلفت فيها الخزينة العمومية خسائر فادحة.
المحلل الاقتصادي عبدالنور جحنين قال لـ”عربي بوست” إن “للجزائر مبالغ مالية تبلغ سنوياً ربع مليار دولار كانت تستفيد منها الإمارات منذ 2005 بعد حل الشركة الجزائرية وطرد عمالها وتوقيف وحداتها الإنتاجية عبر الوطن”.
وأضاف المتحدث أن “ما سيجعل سوق التبغ في الجزائر بعيداً عن الاحتكارات الأجنبية والإماراتية بشكل خاص كون القانون الأخير يهدف إلى إعطاء الأفضلية لرأس المال الوطني وأصحاب المشاريع المحليين، من خلال السماح لهم بالاستثمار في تصنيع المنتجات بجميع أنواعها، دون إلزامهم بالشراكة مع شريك أجنبي”.
ويتوقع المحلل الاقتصادي الجزائري “عودة سوق التبغ في الجزائر إلى سابق عهدها لما كانت تتصدر الدول الإفريقية، ودخول منتجاتها إلى الأسواق الأوروبية والعربية بعائدات كانت تقارب نصف المليار دولار سنوياً”.
كما أن وقف هيمنة الإمارات على سوق التبغ في الجزائر “سيخلق منافسة بين المستثمرين المحليين، ما سيرفع من فتح فرص التوظيف وتقليص البطالة”.
عربي بوست