مشهدان اكتسحا أخيرا مواقع التواصل الاجتماعي في تونس. الأول هو شريط فيديو لعناصر شرطة يعنّفون طفلا (16 عاما) بعد تجريده من ملابسه، وهو ما عُرف لاحقا بحادثة “أبو غريب تونس”. أما المشهد الثاني فهو صورة لعناصر الشرطة وهم يقومون بركل فتاة ممدّدة على الأرض وسط شارع الحبيب بورقيبة، خلال التظاهرات الأخيرة المنددة بالحادثة الأولى.
المشهدان يعيدان إلى الأذهان الممارسات التي كانت سادت بقوة خلال فترة حكم نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وهو ما دفع مراقبين للقول إن تونس الثورة لم تنجح حتى الآن في كبح ممارسات بوليس بن علي، وخاصة في ظل تصاعد التجاوزات التي ترتكبها عناصر الشرطة ضد التونسيين.
اللافت في التظاهرات الأخيرة في شارع بورقيبة هو ترديد المتظاهرين شعار “تعلّم عوم” (تعلّم السباحة) وهو عبارة ساخرة رددها عناصر الشرطة قبل أن يجبروا الشاب عمر العبيدي مشجّع النادي الإفريقي (والذي بات يُعرف لاحقا بشهيد الرياضة) على القفر في أحد الأودية ليموت بعد دقائق، في حادثة أثارت موجة استنكار واسعة عام 2018.
وقبل أشهر تعرض الشاب أحمد قم إلى ضرب مبرح من عناصر الشرطة، فقد على أثره إحدى خصيتيه، كما توفي الشاب عبد السلام زيان في السجن بعدما منعته الشرطة من الحصول على دواء السكري، وذلك بعد ساعات من إيقافه بتهمة خرق حظر التجول بسبب فيروس كورونا.
كما دعا أكثر من خمسين حزباً سياسياً ومنظمة مدنية إلى تنظيم احتجاجات واسعة تطالب بوضع حد لتجاوزات النقابات الأمنية، عقب الكشف عن أعمال عنف وانتهاكات جنسية ارتكبتها عناصر أمن ضد قاصرين شاركوا في عدد من الاحتجاجات.
ودعت الباحثة رجاء بن سلامة إلى وضع لحد لما أسمته “سادية بعض أجهزة الدولة”، وأضافت، في تدوينة على موقع فيسبوك “السّاديّة هي المتعة بتعذيب الآخرين. هي أذية الآخرين لا لشيء إلا لإذلالهم وتحقيق متعة ما في ذلك. من عذّب طفل سيدي حسين، الذي استمعنا إلى شهادته بعد أن شاهدنا فيديو تعريته وسحله، تمّ إيقافه عن العمل. وأرجو أن يتابع المجتمع المدنيّ القضيّة، إلى أن يعاقب هذا الجلاّد، ويتّعظ غيره”.
وتابعت بالقول “بعض رجال الأمن ساديّون، ووجدوا في مهنتهم وفي ظروف البلاد فرصة لتحقيق نزواتهم. هؤلاء يجب إبعادهم عن النّاس، حتّى نتجنّب هذا العنف الأمنيّ الذي لا مبرّر له. لكن توجد أيضا نزعة ساديّة أكثر خفاء في أجهزة أخرى للدّولة: لدى أعوان الإدارة الذين يعرقلون مصالح النّاس، ويمثّلون قوّة سلبيّة تشلّ البلاد، ولدى بعض القضاة الذين يحكمون بعقوبات مشدّدة لا مبرّر لها، كالذين قرّروا عقوبة سجنيّة بثلاثين عاما من أجل استهلاك القنّب الهنديّ. وعلينا أن نستثمر في التّكوين على حقوق الإنسان لدى كلّ هؤلاء. لا إصلاح ولا تجذير لمعاني الثورة دون الوعي بضرورة تغيير علاقة الدّولة وأجهزتها بالمواطنين”.
وتساءلت النائب إيمان بالطيب “لماذا قامت الثورة”؟ قبل أن تجيب “لأننا كرهنا دولة البوليس ولم نعد قابلين بظلم بوليس بن علي. ما حدث مع المواطن في سيدي حسين هو اعتداء صارخ على حقوق الإنسان وهو ليس أول تجاوز يحدث هذا العام. سأدعو مجددا وزير الداخلية بالنيابة المختبئ ورئيس الحكومة شبه المستقيل إلى المساءلة في البرلمان ومحاسبة أصحاب التجاوزات. وسأسعى لدعوة جميع النواب للضغط”.
وكان الرئيس التونسي دافع عن عناصر الشرطة، خلال زيارته لمنطقة السيجومي عقب الحادثة، حيث قال إن “عنصر الأمن هو من أبناء الشعب وليس في حالة عداء معهم، وهو ليس لديه مازوشية كي يقوم بضرب الناس. ربما التكوين منقوص ولكن الأمنيين من أبناء الشعب ونجد التجاوزات في كل أنحاء العالم ولكن يجب أن تطبق عليهم القانون”.