في أول انتقاد دولي مباشر لغلق مليشيات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر لمعبر حدودي مع الجزائر، عبرت الولايات المتحدة عن انزعاجها من هذه “الإجراءات الأحادية”، مشددة على أنها “لا تحظى بدعم المجتمع الدولي”.
وذهبت بعض التحليلات للاعتقاد أن تحريك حفتر لمليشياته من شرق البلاد إلى غاية أقصى الجنوب الغربي لم تكن إلا بضوء أخضر أمريكي أو فرنسي، بهدف استفزاز الجزائر أو إشغالها، وابتزازها في عدة ملفات، بينها “امتلاكها” لمنظومة صواريخ “أس 400” المضادة للطيران، والتي تثير قلق واشنطن وحلفائها، سواء في غرب البحر الأبيض المتوسط، أو حتى في منطقة الساحل الإفريقي.
غير أن تصريحات مساعد وزير الخارجية الأمريكي بالإنابة لشؤون الشرق الأدنى، جوي هود، التي أعلن فيها أن غلق مليشيات حفتر لمعبر حدودي مع الجزائر “لا تحظى بدعم المجتمع الدولي”، تنفي أي مزاعم بشأن منح واشنطن أي ضوء أخضر أو حتى برتقالي للتحرك باتجاه الحدود الجزائرية.
وتعليقا على غلق مليشيات حفتر لمعبر إسين/ تين الكوم الحدودي، قال المسؤول الأمريكي، إن “حكومة الوحدة الوطنية، هي الحكومة المعترف بها لليبيا، والإجراءات الأحادية، مثل إغلاق حدود دولية، ليس له أي دعم من المجتمع الدولي، ويأتي بنتائج عكسية للانتقال السياسي”.
هود، الذي شارك في مؤتمر برلين الثاني إلى جانب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ذكّر حفتر أنه “بموجب خارطة طريق ملتقى الحوار السياسي الليبي، فإن المجلس الرئاسي يفترض أن يقوم بأعمال القائد الأعلى للجيش الليبي، بموجب التشريعات الليبية”.
وهذه رسالة قوية أخرى لحفتر، بضرورة إخضاع مليشياته لسلطة المجلس الرئاسي، بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي، وأن تحريك وحداته المسلحة من الشرق إلى أقصى الجنوب الغربي، رغم أوامر المجلس الرئاسي “بحظر إعادة تمركز الوحدات العسكرية”، يشكل خروجا عن الشرعية الليبية المدعومة أمميا.
المسؤول الأمريكي، لفت انتباه حفتر، إلى أن “ما يسمى بالجيش الوطني الليبي (مليشيات حفتر) قد دعم عملية خارطة الطريق حتى الآن، وعليه مواصلة القيام بذلك، خصوصا في ما يتعلق بالانتخابات المقبلة في ديسمبر”.
وهذا تذكير لحفتر بضرورة احترام تعهداته بالاعتراف بسلطة المجلس الرئاسي، كقائد أعلى للجيش، وعدم عرقلة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
أحد الأهداف من تحرك مليشيات حفتر، الضغط على الأطراف المحلية والدولية المشاركة في مؤتمر برلين الثاني، بهدف الاعتراف به كطرف رئيسي في الميدان، رغم افتقاده أي صفة سياسية أو عسكرية رسمية.
كما أن خططه للترشح لرئاسة البلاد، تصطدم بإصرار أغلبية أعضاء ملتقى الحوار السياسي، على اشتراط عدم ازدواجية الجنسية للمرشحين للرئاسة، وهو ما لا يتوفر في حفتر وأبنائه الذين يحملون الجنسية الأمريكية.
لذلك يحاول حفتر من خلال مناوراته العسكرية وتحريك ميليشياته نحو الحدود الجزائر، التلويح بإمكانيته في خلط الأوراق مجددا في حال حرمانه من الترشح للرئاسة لأي سبب، ولو بافتعال “مواجهات محدودة” مع الجزائر، لحشد التعاطف الشعبي نحو “عدو أجنبي”، وإرباك المشهد السياسي مما يؤدي إلى إلغاء أو تأجيل الانتخابات.
لكن الجزائر لم تبدِ ردود فعل منفعلة تجاه استفزازات حفتر، وتستمر في تجاهله دبلوماسيا مع تشديد الرقابة الأمنية على حدودها.
فمعبر إيسين/ تين الكوم، الواقع في أقصى الجنوب الغربي الليبي في منطقة صحراوية نائية، لا يشكل أهمية استراتيجية بالنسبة للجزائر، التي أغلقته في 2011 بسبب الأوضاع الأمنية، لكنها كانت تسمح بفتحه في حالات استثنائية لعبور المساعدات الإنسانية إلى المناطق المهمشة والمنسية في الجنوب الليبي، واستقبال بعض المرضى.
لذلك فحديث مليشيات حفتر عن غلق معبر مغلق، لا يراد منه سوى إثارة فقاعة إعلامية.
ناهيك أن مليشيات حفتر، أعلنت في فبراير/شباط 2019، سيطرتها على غات، أقرب مدينة من معبر إيسين/ تين الكوم، وإرسال وحدات مسلحة من الشرق للسيطرة مجددا على المعبر، يعني أنها لم تكن تُسيطر فعليا، طيلة هذه الأشهر، على الحدود مع الجزائر.
والمتضرر الأكبر من غلق معبر إيسين/تين الكوم، هم السكان المحليون من الطوارق في كل من غات وأوباري، والذي يمثل المعبر منفذا لهم نحو العالم الخارجي، في ظل البعد عن العاصمة طرابلس (نحو 1350 كلم)، وتهميش مليشيات حفتر للمنطقة، ما قد يؤلبهم (الطوارق) عليها.
فحفتر بعدما أهمل إقليم فزان أكثر من عامين من سيطرته عليه، يعود مجددا قبل 6 أشهر من موعد الانتخابات، لضمان أصوات الإقليم في حال ترشح للرئاسيات وتعزيز فرص الموالين له في الانتخابات البرلمانية، لأنه مازال يحتاج لغطاء سياسي، لحمايته من أي عقوبات دولية.
مؤتمر برلين الثاني، الذي انعقد في 23 يونيو/حزيران الجاري، وإن لم يذكر حفتر بالاسم، إلا أنه لوح بفرض عقوبات على المعرقلين للانتخابات وللاستقرار الأمني للبلاد وأيضا للمنتهكين لحقوق الإنسان.
وعزز المؤتمر من شرعية المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة، وأكد دعمه لهما، مما ضيّق الخناق أكثر على مليشيات حفتر، وأظهرها كجماعات مسلحة غير منضبطة توشك على الخروج من التوافق الليبي والدولي حول ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها تحت إشراف الحكومة التي منحها البرلمان الثقة بشبه إجماع.
وتأتي تصريحات مساعد وزير الخارجية الأمريكية لزيادة الضغوط على حفتر، باعتباره الطرف الرئيسي المعرقل للانتخابات، ولخروج البلاد من مرحلتها الانتقالية، التي استغرقت 10 سنوات لحد الآن.
ومن المرتقب أن تتضاعف الضغوط الدولية على حفتر في المرحلة المقبلة إذا استمر في عرقلة التحضيرات لإجراء الانتخابات، وتوحيد المؤسسة العسكرية.
ويبدو أن حفتر بدأ يشعر بتضاعف الضغوط الدولية ضده، ما يفسر إعلان ميليشياته دعمها لإجراء الانتخابات في موعدها، وتأييدها لإخراج المرتزقة من البلاد، رغم أن تحركاتها على الأرض تعاكس تصريحاتها.