عشرة أعوام من الفوضى التي عاشتها ليبيا، من بينها ستة أعوام من الحرب المتواصلة، كانت كفيلة بتحويل ليبيات كثيرات إلى أرامل يواجهنَ مستقبلاً غامضاً وسط عجز حكومي مستمر عن توفير الأمن وضبط إيقاع الحياة في البلاد الذاهب في كلّ اتجاهات التعقيد والفوضى. وتحاول الجمعيات والمؤسسات الأهلية، التي تشكّل رافداً مهماً يحاول سدّ الغياب الحكومي، ملاحقة الأزمات التي تواجه هؤلاء النساء الأرامل في البلاد، لكنّ مراقبين يرون أنّ جهود القطاع الأهلي سوف تبقى مقتصرة على الدعم في مقابل الحلول الجذرية التي يتوجّب على المؤسسات الرسمية العمل عليها. وكما هي الحال في ما يتعلق بغياب السلطات عن التوثيق الرسمي والإحصاء المتعلّقَين بالشرائح المتضررة من الحرب، كذلك الأمر بالنسبة إلى الأرامل.
ويشير الناشط المدني الليبي حسن بركان، وهو عضو في جمعية التيسير الأهلية الخيرية، إلى أنّ عدد الأرامل كبير، موضحاً لـ”العربي الجديد” أنّه “في مايو/ أيار الماضي، وزّعت منظمة قارة عافية للتنمية الإنسانية مساعدات بمناسبة عيد الأضحى الأخير على 200 أسرة محتاجة في مناطق هون وودان وسوكنة وزلة والفقهاء، علماً أنّ ثلث تلك الأسر تعولها أرامل بمفردهن”، متسائلاً عن أعدادهنّ في باقي المدن والمناطق الليبية.
من جهته، يبرّر عادل القاضي، وهو مسؤول في الهيئة العامة لصندوق التضامن الاجتماعي الحكومي، عدم توفّر إحصاء رسمي للأرامل بعوامل عدّة، “بعضها مرتبط بآثار حالة الانقسام الحكومي التي عانتها البلاد على مدى أعوام، ومنها المؤسسات المعنيّة بالشؤون الاجتماعية، مثل صندوق التضامن الاجتماعي الذي تتلقّى عبره مئات الأرامل إعانات مالية شهرية”. يضيف القاضي لـ”العربي الجديد” أنّ من بين تلك العراقيل في وجه التوثيق الرسمي للأرامل كذلك “قضية المفقودين والإجراءات القانونية الخاصة بها”، شارحاً أنّ تلك القضية “تأزمت في الأعوام الماضية، خصوصاً من الناحية القانونية، بسبب عدم توفّر تشريع جديد لدى المحاكم يمكّنها من إثبات وفاة المفقود”. لكنّه في الوقت نفسه يلفت إلى أنّ “تلك الشريحة كبيرة”. يُذكر أنّ السلطات ما زالت عاجزة عن وضع حدّ لقضية المفقودين في السجون السرية، من بينها السلطات القضائية التي لا تستطيع البتّ في وفاة مفقود ما قبل الانتهاء من الكشف عن مصير مئات من المختطفين والمعتقلين في داخل تلك السجون.
والتعقيدات في أوضاعهنّ القانونية بسبب فقدانهنّ أزواجهنّ لسيت السبب الوحيد لمعاناة الأرامل، إذ يُضاف إليه ضعف الإعانات الشهرية التي تخصّصها السلطات لهنّ في إطار صندوق التضامن الاجتماعي، فهي لا تتجاوز 450 ديناراً ليبياً (نحو 90 دولاراً أميركياً) شهرياً، ما يضطرهنّ إلى البحث عن مصادر أخرى للعيش. وفي سياق متصل، تنشر جمعيات أهلية على صفحاتها على منصات التواصل الاجتماعي فرص عمل لهؤلاء، كما هي الحال مع منظمة “ليبيا نادت لرعاية أسر الأرامل والمطلقات” الأهلية، التي تسهّل كذلك وصول الراغبات في العمل إلى أصحاب الوظائف.
ومن بين المبادرات التي ترعاها مؤسسات المجتمع المدني مشروع تدريب على التطريز والخياطة للأرامل، أقامته مؤسسة “بنغازي الأمل” في منتصف عام 2018، علماً أنّها تركّز على الأرامل اللواتي قُتل أزواجهنّ في الحرب. ووفقاً لما جاء في تصريحات صحافية لعضو المؤسسة جمال المصراتي، فإنّها تهدف إلى تشجيع الأرامل على العمل و”نقلهنّ من شريحة تنتظر المساعدات إلى شريحة عاملة”، مشيراً إلى أنّ المشروع بدأ بما يقارب 50 ماكينة خياطة تمّ التبرّع بها للمؤسسة من مجموعة من الخيّرين.
من جهة أخرى، يُحكى عن شكل مختلف من المساعدات التي تقدّمها المؤسسات الأهلية، إذ بدأت منظمة “ليبيا نادت لرعاية أسر الأرامل والمطلقات” في نشر طلبات زواج للمساعدة في تبادل بيانات الراغبين في الزواج من نساء أرامل، فتتضمّن تلك الإعلانات عدد الأطفال ومكان السكن والظروف المعيشية. وحتى منتصف يونيو/ حزيران الماضي، نُشر نحو أربعة آلاف طلب وتبادل معلومات.
ويلفت بركان إلى أنّ “أزمة هذه الشريحة أكبر من أن تقدّم لها الجهود الأهلية والخيرية حلولاً، إذ من يستفيد من تلك الجهود نسب قليلة”. يضيف أنّ “عوامل عدّة قد تقف وراء رغبة الأرملة في العمل، منها النظرة الاجتماعية للأرملة ومخاوف المرأة بشكل عام من عدم توفّر الأمان لها في ظلّ ظروف البلاد التي نعيشها”. ويؤكد بركان أنّ “أرامل كثيرات كنّ ربّات بيوت ولا يحملنَ شهادات جامعية تؤهلنّ للعمل في الوظائف الرسمية أو في القطاعات الخاصة، الأمر الذي شكّل لهنّ صعوبة إزاء التفكير في الانخراط في مجالات العمل لكفاية أسرهنّ”. ويتابع بركان أنّ “التشريعات الخاصة بهذه الشريحة ما زالت تعتمد على قوانين سُنّت قبل عقود من دون أن تتطّور لتواكب المستجدات، ومنها ارتفاع تكاليف الحياة، فتتلقّى الأرملة بالتالي إعانات لا تغطّي احتياجاتها، فضلاً عن احتياجات أطفالها“.
العربي الجديد