عبر البحر باتجاه مالطا وإيطاليا وبطريقة غير قانونية، غادر أكثر من 20 ألف تونسي بلده. من بين الأسباب التي دفعت التونسيين للمخاطرة بحياتهم هو إعلان الرئيس قيس سعيد “التدابير الاستثنائية”. وتم استفتاء على دستور جديد يمنح صلاحيات واسعة للرئيس. وتقول المعارضة، التي قاطعت الاستفتاء، إنه “مفصّل على قياس” سعيد، بينما الأخير يعتبره امتدادا لعملية “تصحيح المسار”.
كشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، المنظمة غير الحكومية التي تعنى بالهجرة، عن مغادرة أكثر من 20 ألف تونسي بطرق غير شرعية خلال عام منذ إعلان الرئيس قيس سعيد التدابير الاستثنائية حتى عشية الاستفتاء على دستور جديد للبلاد. وجاء في البيانات، التي التي تحصلت عليها وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ)، أن 16 ألفا و343 شخصا غادروا تونس عبر البحر باتجاه إيطاليا ومالطا ما بين 26 تموز/يوليو 2021، أي بعد يوم من إعلان التدابير الاستثنائية من قبل الرئيس قيس سعيد إلى يوم 24 تموز/يوليو الجاري. وفي نفس الفترة، غادر 3670 شخصا برا عبر شرق أوروبا انطلاقا من تركيا وصربيا ورومانيا وألبانيا ودول البلقان لدخول فضاء(منطقة)شنغن.
وخلال اليومين الأخيرين، وصل إلى إيطاليا 524 تونسيا، فيما تتحضر البلاد للاستفتاء على مشروع دستور جديد عرضه الرئيس قيس سعيد ويلقى مقاطعة من أغلب أطياف المعارضة وقال رمضان بن عمر العضو في المنتدى لـ(د.ب.أ) “بات التونسيون يمثلون المرتبة الأولى من بين المهاجرين من مختلف الجنسيات الذين وصلوا إلى إيطاليا هذا العام بطرق غير شرعية بنسبة 18 بالمئة وأضاف بن رمضان أن النسب مرشحة للزيادة في الأشهر المقبل. وتستقي المنظمة معلوماتها من بيانات وزارتي الداخلية في تونس وإيطاليا وشبكة من المنظمات المتعاونة في البلدين. ويمثل ملف الهجرة غير الشرعية أحد الملفات الرئيسية في نقاشات ممثلي الاتحاد الأوروبي مع الرئيس قيس سعيد.
الأمل بحياة أفضل يغلب المخاطر المأساوية
وعلى الرغم من حوادث الغرق الجماعية المتكررة قرب السواحل التونسية، يخاطر الشباب اليائسون من تونس بحياتهم لركوب البحر عبر زوارق صغيرة بحثا عن فرص حياة أفضل في إيطاليا أوإحدى دول الاتحاد الأوروبي الغنية . وتواجه تونس أزمات سياسية متلاحقة منذ بدء الانتقال الديمقراطي في البلاد عام، 2011 بجانب أزمة اقتصادية متراكمة بلغت ذروتها منذ نحو عام.
مع تعقد أوضاع المالية العمومية، بجانب ارتفاع الأسعار وكلفة المعيشة المهددة لفئات واسعة من الطبقة الفقيرة وحتى المتوسطة وإبان إعلان التدابير الاستثنائية وتجميد البرلمان في 25 تموز/يوليو2021، وصل إلى إيطاليا في خلال أيام معدودة حتى نهاية نفس الشهر، 1325مهاجراً تونسيا. وبلغت موجة الهجرة ذروتها في شهر آب/أغسطس التالي بوصول 4035 مهاجراً إلى إيطاليا. وخلال مدة عام من التدابير الاستثنائية، منع الأمن التونسي 27 ألفا و377 مهاجرا تونسيا من الوصول إلى وجهاتهم بطرق غير شرعية، وفق بيانات المنظمة.
وتنصّ مسودة الدستور الجديد على أن يتولى الرئيس السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة يعيّنه ويمكن أن يقيله إن شاء، دون أن يكون للبرلمان دور في ذلك. كذلك يملك الرئيس، القائد الأعلى للقوات المسلحة، صلاحيات ضبط السياسة العامة للدولة ويحدد اختياراتها الأساسية، ولمشاريعه القانونية “أولوية النظر” من قبل نواب البرلمان. فضلا عن ذلك، انقسمت الوظيفة التشريعية بين “مجلس نواب الشعب” الذي ينتخب نوابه باقتراع مباشر لمدة خمس سنوات و”المجلس الوطني للجهات” ويضم ممثلين منتخبين عن كل منطقة على أن يصدر لاحقاً قانون يحدد مهامه.
“دستور على مقاس سعيّد”
تندّد المعارضة ومنظمات غير حكومية بالنصّ الجديد معتبرةً أنه “مفصّل على قياس” سعيّد ويحصر السلطات بأيدي الرئيس الذي لن يمكن إقالته بموجب الدستور الجديد، خلافًا لما جاء في دستور العام 2014. في المقابل يُمنح للرئيس الحق في حل البرلمان والمجلس الوطني للجهات.
وتنصّل أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد الذي كلّفه سعيّد صياغة مسودة الدستور الجديد، من النصّ النهائي الذي نشره الرئيس، معتبرًا أنه “يفتح المجال أمام نظام دكتاتوري”.
ودعا حزب النهضة ذو المرجعية الإسلامية وأبرز المعارضين للرئيس، إلى مقاطعة الاستفتاء واعتباره “مسارا غير قانوني”، بينما ترك الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر النقابات العمالية، حرية القرار لأنصاره.
ويعتبر سعيّد (64 عامًا) مشروع الدستور الجديد امتدادًا لعملية “تصحيح المسار”. وقد بدأها بقرارات لم تكن متوقعة في 25 تمّوز/يونيو 2021 باحتكار السلطات في البلاد وإقالة رئيس الحكومة السابق وتجميد أعمال البرلمان ليحله بالكامل لاحقاً. ومن المقرر أن تُنظم انتخابات نيابية في كانون الأول/ديسمبر.
وأمام الرئيس وضع اقتصادي واجتماعي متأزم في البلاد ومهمّة شاقة لايجاد الحلول لذلك، خصوصاً بعد ارتفاع نسبة البطالة والتضخم وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين التي زادت الأزمة الروسية الأوكرانية من تراجعها.
د.ص (د ب أ، رويترز)