ككل سنة وبالتزامن مع المولد النبوي الشريف، توافد مئات آلاف الزوار على مدينة القيروان وسط تونس، احتفاءً بهذه المناسبة الدينية.
وتجول زوار المدينة بين شوارعها ومعالمها التاريخية والدينية، فضلا عن الأسواق التي تعرض فيها المصنوعات التقليدية للحرفيين التونسيين، والحلويات المحلية الشهية بينها “المقروض”.
وإلى حدود ساعات متأخرة من ليل الجمعة تجمع العشرات بمحيط جامع “عقبة بن نافع” وبمناطق أخرى في المدينة لمتابعة عروض الإنشاد الصوفي ذات الإيقاعات المتنوعة.
وقدمت تلك العروض فرق إنشاد من تونس ودول أخرى على غرار ليبيا والجزائر وإندونيسيا وسوريا.
وعلى هامش احتفالات المولد النبوي في القيروان، صرح وزير السياحة التونسي محمد المعز بالحسين، للصحفيين، أن “عدد زوار المدينة وصل الجمعة، نحو مليون زائر”.
متجذرة في التاريخ
القيروان تزدهي وتلبس أبهى الحلل من قديم الزمان بمناسبة الاحتفال مولد النبي، وهو احتفال متجذر منذ الأجيال الماضية وكانت العناية به والحفاوة به في مستوى التزامهم الديني ومحافظتهم على الضوابط الإسلامية.
وفي حديث للأناضول، أشار الشيخ الطيب الغزي (ثمانيني)، إمام جامع “عقبة ابن نافع” بالمدينة، إلى وجود فوارق في شكل الاحتفال بين ما عاشه هو في السابق وبين ما هو قائم اليوم.
وأفاد بأن “ما عاشه في بداية الأربعينات والخمسينات يختلف عما ما هو موجود الآن”.
وأضاف: “الاحتفال الديني اليوم يقتصر على الاحتفال بالمولد في جامع عقبة فقط دون تشريك باقي المساجد والمعالم الدينية”
ولفت إلى “تراجع قيمة الاحتفال الديني بمقام آبي زمعة البلوي (صحابي) وإلغاء عدة فقرات دينية كانت تقام هناك منها قراءة صحيح البخاري”.
أحاديث نبوية
في جامع “عقبة بن نافع” بالمدينة، يجتمع الأئمة والأساتذة المختصين ليسردوا على الحاضرين أحاديث النبي محمد.
وأفاد الشيخ الغزي: “القيروان تحتفي وتعيش الفرحة والسرور بمناسبة كل ذكرى مولد وتنتشر أجواء الاحتفال في أرجاء المدينة”.
واستطرد: “لكن يجب تعليم الأبناء والشباب والأجيال القادمة ومنحهم صورة طيبة عن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف”.
وتابع: “الاحتفال بذكرى المولد النبوي في جامع عقبة بن نافع ما يزال محافظا على البعد الديني والروحاني”.
واستكمل: “لا يمكن أن يخرج الاحتفال بالمولد بالجامع عن مقام الابتهالات والدعاء وتتم المحافظة على هذا القدر من الاحتفال الديني حتى لا يتبخر”.
معمار فريد
في المدينة توجد “البرك الأغلبية” (فسقية)، وهي معلم مائي بهندسة ومعمار فريدين تعود إلى القرن الثالث هجري (التاسع ميلادي)، استعادت بريقها هذا العام ودورها في احتضان فعاليات الاحتفال بذكرى المولد.
وحظيت الفسقية، بصيانة وتنظيف وتهيئة وتنوير لتكون قادرة بفضل مساحتها الكبيرة ورمزيتها كمعلم حضاري يلعب دور المنتزه العائلي، في احتضان تظاهرات احتفالية منها عروضا للإنشاد الصوفي وأخرى ضوئية.
الفسقية كانت الجمعة وجهة لآلاف الزوار الذي استغلوا الفرصة لالتقاط صور تذكارية بالمكان، والاستمتاع بشكله المعماري الفريد.
عادات واقتصاد
إذا كانت جميع مناطق تونس تحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف، فإن القيروان هي قلب هذا الاحتفال وقطبا مركزيا تدور حوله جوانب احتفالية تختزن عادات متميزة على صعيد تقاليد الاحتفال في البيوت، وكذلك عبر مختلف الصناعات التقليدية.
وبمناسبة المولد النبوي تنشط الحركية الاقتصادية بالمدينة، حيث يمكن لآلاف الحرفيين المحليين ترويج منتجاتهم، كما تتيح المعارض الوطنية التي فتحت بمناسبة الاحتفال بالمناسبة، فرصا لحرفيين من مختلف جهات تونس لعرض منتجاتهم وبيعها.
ويعد “سوق المولد” من العناصر الأساسية للاحتفال بهذه المناسبة، حيث تقام على طول الطرقات والشوارع المحيطة بمقام “آبي زمعة البلوي” ومناطق أخرى بالمدينة، أسواقا تعرض فيها مختلف المنتجات التقليدية والمأكولات المحلية وغيرها.
الأناضول