تحولت حملة “مواطنون ضد الانقلاب” من حراك احتجاجي ضد الإجراءات التي أقرها الرئيس قيس سعيد يوم 25 يوليو/تموز الماضي، إلى مبادرة سياسية تحمل في طياتها خارطة طريق للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد، مما أثار الأسئلة حول فرص نجاحها.
وتتضمن هذه المبادرة التي ساهم فيها عبد الرؤوف بالطبيب صديق قيس سعيد وأحد أبرز مستشاريه السابقين في القصر، فضلا عن شخصيات سياسية وحقوقية، خارطة طريق “تهدف لإلغاء حالة الاستثناء، وفرض العودة إلى المسار الدستوري عبر إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها.
وتحوي تصورا لعودة عمل مجلس نواب الشعب (البرلمان) المجمد، في إطار مهمة محددة تتعلق باستكمال انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وإرساء باقي الهيئات الدستورية.
ودعت المبادرة إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني حائزة على شرعية تمكنها من بناء الثقة مع كل الفاعلين الاقتصاديين وطنيا ودوليا، وفق برنامج اقتصادي يوقف نزيف المالية العمومية ويجنب البلاد مخاطر الانهيار والانفجار الاجتماعي.
وشدد أصحابها على التزامهم بالتشاور والعمل في إطار مشترك مع كافة القوى الوطنية، وفي مقدمتها الاتحاد التونسي للشغل، من أجل إطلاق حوار وطني وشامل حول الملفات الكبرى.
وفي تصريح خاص للجزيرة نت، أكد المستشار السابق للرئيس قيس سعيد ورفيق دربه عبد الرؤوف بالطبيب أنه منذ أن قدّم استقالته من قصر قرطاج ارتأى أخذ مسافة مما يحدث في البلاد، لكنه قرر العودة انطلاقا من الواجب والمسؤولية الملقاة عليه.
وتابع “أتحدث معك الآن كمواطن وكسفير سابق، وقد لاحظت أن الوضع الذي وصلت له تونس منذ تولي سعيد السلطة لم يعد يسمح بالسكوت، وأشدد هنا على أن الأمر لا يتعلق بمنطق الصداقة أو العداوة مع الرئيس”.
وأكد بالطبيب أنه ساهم بشكل كبير في تحويل حملة “مواطنون ضد الانقلاب” من مبادرة مواطنة عفوية إلى “مبادرة ديمقراطية” أكثر نضجا لها توجهات وخارطة طريق وتحمل في طياتها مخرجات للمأزق الذي تعيشه البلاد.
وعبّر عن أسفه من الأداء الذي أظهره الرئيس قيس سعيد منذ توليه الحكم، مضيفا “بعد نحو سنة ونصف السنة من حكم سعيد لم نلمس أي إنجاز يذكر في إطار الدور الموكول له، بل بالعكس ساهم عبر خطاباته المتشنجة في تفرقة التونسيين وتأليبهم على بعضهم بعضا”.
تخوين وشيطنة
وأكد بالطبيب أن ظهوره للعلن ومشاركته في المبادرة التي ترفض الانقلاب على الشرعية الدستورية كلفَاه ثمنا غاليا، بعد تعرضه لحملة ثلب وشيطنة وتشويه وتخوين من المحسوبين على الرئيس، مشددا بالمقابل على أن ذلك لن يزيده إلا إيمانا بما يسعى لتحقيقه رفقة المؤمنين بقيم الديمقراطية.
ولفت إلى أن خارطة الطريق التي تنادي بعودة البرلمان تأتي في إطار مهمة محددة تتعلق بالتحضير للانتخابات الرئاسية والتشريعية السابقة لأوانها، مؤكدا أن بيان المبادرة الديمقراطية ستليه خطوات أخرى لعل أقربها هو الدعوة لمظاهرة ضد الانقلاب يوم الأحد المقبل أمام البرلمان.
وندد بالطبيب في ختام حديثه بمنع الأمن لهم من عقد ندوتهم الصحفية في إحدى القاعات للكشف عن المبادرة الديمقراطية لـ”مواطنون ضد الانقلاب”، مشددا على أنها نكسة بحق حرية التعبير في البلد التي سبق للرئيس أن تعهد بعدم المس بها.
الرئيس يعلق
وسارع الرئيس قيس سعيد للتعليق على “المبادرة الديمقراطية” الجديدة التي تجمع أصدقاءه السابقين وخصومه، مشيرا خلال مجلس وزاري إلى أنه لم يعط أوامره لمنع عقد اجتماعها، وأنه حريص على صون الحريات وحق التظاهر الواردين في الباب الأول والثاني من الدستور.
واتهم الرئيس أصحاب المبادرة بالتلون والنفاق، مشيرا إلى أن بعضهم كان مساندا لإجراءاته يوم 25 يوليو/تموز الماضي، لكنه غيّر موقفه بعد أن عرف أنه “لا مكان له في الحكومة”، حسب تعبيره.
وقلل الرئيس التونسي من أهمية هذه المبادرة وأصحابها، معتبرا أنه لا وزن لها في المجتمع حتى يمنع انعقادها.
يشار إلى أن الساحة السياسية تشهد منذ أسابيع حراكا لأحزاب ومنظمات وطنية بهدف الدفع نحو الخروج من حالة الانسداد الذي تعيشه البلاد، مطالبة الرئيس بتحديد سقف زمني لإنهاء التدابير الاستثنائية والجلوس على طاولة الحوار مع القوى المدنية والسياسية.