واصل المشهد السياسي التونسي الانغماس في حالة الانقسام الحاد، واستقطاب التونسيين بين مؤيدين لمسار 25 يوليو (تموز) الذي أعلنه الرئيس التونسي قيس سعيد ضمن مسار تصحيحي وبناء جمهورية جديدة، وبين معارضين بشدة للمشروع السياسي لمؤسسة الرئاسة والداعين لعودة مسار الانتقال الديمقراطي، عبر المؤسسات الدستورية المنتخبة.
وبينما واصلت الأطراف المعارضة التشكيك في نجاح جلسات الحوار الوطني، في غياب قوى وازنة على المستويين السياسي والاجتماعي، وإمكانية بلورة مقترحات ونتائج بعيداً عن المشروع السياسي للرئيس قيس سعيد، أكد الصادق بلعيد، الرئيس المنسق للهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة، أن الاجتماع الأول للجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، ناقش مسائل عامة على غرار مهمة هذه اللجنة الاستشارية وكيفية عملها وبرنامج عملها في المستقبل، وعلاقتها مع اللجنة الاستشارية القانونية.
وكشف عن مشاركة 42 شخصية في الاجتماع رغم الضغوطات، «من الذين يدّعون علماً في السياسة» على حد تعبيره. وأعلن عن تاريخ الاجتماع الثاني الذي سيكون يوم السّبت 11 يونيو (حزيران) المقبل، لبلورة مقترحات المشاركين في ظل مقترحات بدعم المشاركين بكفاءات حقيقية قادرة على اقتراح بدائل اقتصادية واجتماعية لحل الأزمة في تونس.
وبشأن رفض «الاتحاد العام التونسي للشغل» (نقابة العمال) المشاركة في الحوار، لاحظ بلعيد أن «غياب المنظمة العمالية لم يؤثر على الحوار عكس ما كان يعتقده البعض، من أن غيابها سيفشله»، قائلاً: «إن الباب ما زال مفتوحاً لاتحاد الشغل وغيره للمشاركة، شرط أن تكون النية سليمة، ودون شروط مسبقة» على حد تعبيره.
في غضون ذلك، أعلن المكتب السياسي لحزب «الوطنيين الديمقراطيين الموحد» (الحزب الذي أسسه شكري بلعيد)، عن طرد المنجي الرحوي وسحب عضويته نهائياً من الحزب. وأوضح أن هذا القرار يأتي تبعاً لـ«إصرار الرحوي على مخالفة موقف الحزب الرافض للمشاركة في أشغال لجان الحوار الوطني، في محاولة يائسة لفرض موقفه الفردي كأمر واقع» على حد تعبيره.
إلى ذلك، تواجه السلطات التونسية بداية من اليوم غضب القضاة، إذ أعلنت «جمعية القضاة التونسيين» (هيكل قضائي مستقل) عن الدخول في إضراب عن العمل بداية من اليوم (الاثنين) في كافة المرافق القضائية، لمدة أسبوع قابل للتجديد، وذلك رداً على المرسوم الرئاسي القاضي بعزل 57 قاضياً تونسياً من مهامهم، بعد اتهامهم بالفساد والتغطية على آلاف القضايا الإرهابية. كما قررت الجمعية ذاتها الدخول في اعتصامات مفتوحة في كل مقرات الهياكل النقابية القضائية، وعدم الترشح للمناصب القضائية لتعويض القضاة المعزولين.
في السياق ذاته، وفي الجهة المقابلة للأطراف الداعمة للمشروع السياسي للرئيس التونسي قيس سعيد، نظمت «جبهة الخلاص الوطني» المعارضة، نهاية الأسبوع الماضي، اجتماعين: الأول يوم السبت في منطقة توزر (جنوباً) والثاني في منطقة قفصة (جنوب غرب)، وكان الاجتماع الأول قد انطلق بتأخير تجاوز الساعة والنصف، بسبب منع مجموعة من الشباب الموجود داخل القاعة انعقاد الجلسة، وطالب أحمد نجيب الشابي رئيس الجبهة المعارضة، الأمن بالتدخل؛ خصوصاً مع وجود ترخيص لعقد الاجتماع.
وأعلن الشابي أن هذين الاجتماعين ستتلوهما اجتماعات أخرى في الجهات، بهدف الحشد لعقد مؤتمر وطني لـ«الإنقاذ»، ينبثق عنه تشكيل «حكومة إنقاذ» بالتنسيق والتعاون مع السلطة القضائية، و«الاتحاد العام التونسي للشغل» (نقابة العمال). واعتبر الشابي في اجتماع توزر أن رفض «اتحاد الشغل» الانخراط في مسار الاستفتاء الذي اقترحه الرئيس التونسي قيس سعيد، يعد «علامة على اتساع رقعة انبثاق حكومة الإنقاذ الوطني» على حد تعبيره.
وكان «اتحاد الشغل» قد أعلن عن عقد لقاء جمع نور الدين الطبوبي رئيس الاتحاد مع وفد يضم ممثلي عدد من المنظمات الدولية، من بينها «الشبكة الأورو- متوسطية للحقوق»، و«المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب»، وممثلة «اللجنة الدولية للقانونيين»، وممثل عن «مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية»، وممثل عن منظمة «مراسلون بلا حدود». وتناول اللقاء التطورات التي شهدتها تونس، ومن أهمها «ضرب السلطة القضائية، والعمل على إخضاعها، وترهيب القضاة»، كما تناول اللقاء قضايا متعلقة بالمحطات الوطنية المقبلة.
وعبَّر ممثلو المنظمات الدولية عن تضامنهم التام مع «اتحاد الشغل» ضد ما سموها «الحملة التي يتعرض لها، واستعدادهم التام لوضع إمكانياتهم وخبراتهم لدعم الاتحاد في مشروعاته وبرامجه»، ويأتي هذا الدعم في ظل إقرار «اتحاد الشغل» تنظيم إضراب عام عن العمل في القطاع العام يوم 16 يونيو الحالي، نتيجة عدم تنفيذ اتفاقيات سابقة مع الحكومات التونسية السابقة.
الشرق الأوسط