تدفق الشباب المغاربة على جيب سبتة الإسباني يتعلق كما يبدو بالخلافات بين المغرب وإسبانيا حول نزاع الصحراء الغربية الذي يمتد لسنوات طويلة. هنا لمحة عن أهم الأسئلة المتعلقة بملف هذا النزاع.
رغم أن ذلك ليس واضحاً تماماً، وسط غياب بيان مغربي رسمي من الأحداث الأخيرة، إلا أن وزير حقوق الإنسان المغربي مصطفى الرميد انتقد إسبانيا على صفحته في فيسبوك، مشيراً إلى أن تخفيف الضوابط الحدودية بين المغرب وإسبانيا مرتبط بسماح مدريد لإبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو الداعية لاستقلال الصحراء الغربية، بالذهاب إلى إسبانيا لتلقي العلاج في المستشفى بعد إصابته بفيروس كورونا.
ويبدو أن المغرب يسعى من خلال استخدام ورقة الهجرة إلى الضغط على إسبانيا لكي توقف علاج غالي. والآن استانفت إسبانيا إجراءات قانونية سابقة ضد زعيم البوليساريو، إذ استدعته محكمة إسبانية عليا للمثول أمامها في الأول من حزيران/يونيو لجلسة استماع أولية في قضية جرائم حرب مرفوعة ضده. لكن المحكمة العليا الإسبانية رفضت طلبا قدمه ممثلو الادعاء في القضية للقبض عليه.
ماذا يخشى المغرب؟
من المرجح أن تكون الحكومة في الرباط متوترة حالياً لأنها تخشى أن تصبح مطالبتها بالسيادة على الصحراء الغربية موضع شك بشكل متزايد بعد استقبال إسبانيا لغالي. وكانت الرباط تأمل في نيل اعتراف دولي بسيادتها على الصحراء بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أنه سيعترف بهذه السيادة في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي. وبذلك، أقنع المغرب بإقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل.
ما موقف ألمانيا من النزاع حول الصحراء الغربية؟
المغرب على خلاف مع ألمانيا أيضاً بشأن وضع الصحراء الغربية. ففي بداية الشهر الحالي، استدعت الرباط سفيرتها من برلين للتشاور، وبررت وزارة الخارجية المغربية ذلك بـ”مواقف عدائية” من الجانب الألماني. وتحتج الرباط على الموقف الألماني في نزاع الصحراء الغربية وتتهم الحكومة الألمانية بانتهاج “موقف هدّام” تجاه هذه المسألة. وقد انتقدت ألمانيا قرار ترامب حول الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية ودعت إلى اجتماع لمجلس الأمن الدولي.
إلى أين تعود جذور النزاع؟
تعود التوترات إلى عام 1884. ففي إطار ما سمي بـ”مؤتمر الكونغو”، تم تقسيم أجزاء كبيرة من أفريقيا بين القوى الاستعمارية الأوروبية في ذلك الوقت. وأصبحت المنطقة المعروفة اليوم باسم “الصحراء الغربية” تحت نفوذ إسبانيا. وفي عام 1976، بدأت إسبانيا بالانسحاب من الصحراء، فأصبحت المنطقة تحت سيطرة المغرب وموريتانيا، لكن دون أن تكون لهما السيادة عليها. وفي عام 1979 تخلت موريتانيا عن مطالبها بالصحراء، فسيطر المغرب على جنوب الصحراء الغربية أيضاً.
ما هي جبهة البوليساريو؟
في عام 1973 تأسست جبهة “البوليساريو”، واسمها اختصار من الإسبانية لـ”الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب”. وتشكل المنطقتان المسميتان، وهما الساقية الحمراء ووادي الذهب، الصحراء الغربية. وتهدف البوليساريو إلى استقلال الصحراء الغربية. وفي عام 1976 أعلنت الجبهة من جانب واحد قيام “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، وذلك بعد أن استقر المزيد من المغاربة في المنطقة في منتصف السبعينات. وبعد ذلك بوقت قصير، دخلت الجبهة في اشتباكات مسلحة مع الجيش المغربي. وكانت البوليساريو ولازالت مدعومة من الجزائر التي يعيش فيها العديد من لاجئي الصحراء الغربية وخاصة في مخيم بالقرب من تندوف، حيث يوجد مقر قيادة الجبهة وما يطلق عليه “الجمهورية الصحراوية”، بينما يوجد معظم أراضي الصحراء تحت سيطرة المغرب.
ما أهمية الصحراء الغربية؟
الصحراء الغربية منطقة اقتصادية جذابة للغاية بسبب مواردها المعدنية. إذ يعتبر احتياطي الفوسفات فيها الأكبر في العالم. ويوجد فيها وفي الأراضي المغربية نحو 72 في المائة من مجمل احتياط الفوسفات العالمي. وقبل هدنة عام 1991، كان المغرب قد بدأ ببناء “جدار حماية”. ومن خلاله، أصبحت المناطق الغنية بالموارد الآن على الطرف المغربي.
ما هو الوضع القانوني للصحراء الغربية؟
“الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” معترف بها من قبل نحو 50 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأفريقي. و”الجمهورية الصحراوية” عضو في الاتحاد الأفريقي منذ عام 1984، ما جعل المغرب ينسحب من الاتحاد في نفس العام، قبل أن يعود إليه في 2017. وليس لدى “الجمهورية الصحراوية” مقعد في الأمم المتحدة.
بعد عقد ونيف من الحرب، أقرت الأمم المتحدة خطة لتسوية النزاع على أساس تنظيم استفتاء لتقرير المصير، وفي سبتمبر أيلول 1991 بدأ سريان وقف اطلاق النار بين طرفي النزاع. وإذا كان وقف إطلاق النار قد صمد حوالي ثلاثين عاما، إلى حين أحداث الكركارات الأخيرة(نوفمبر تشرين ثاني 2020) عندما أعلنت جبهة البوليساريو عدم الالتزام به. فان تنظيم الاستفتاء واجه تعثرات كبيرة منذ السنوات الأولى، ولم تفلح مساعي مبعوثين أمميين متعاقبين على ملف الصحراء وصولا إلى الرئيس الألماني الأسبق هورست كولر الذي استقال من منصبه سنة 2019 بعد حوالي عامين على تكليفه، لأسباب”صحية”.
وفي ظل استعصاء تنظيم استفتاء تقرير المصير أوصى مجلس الأمن الدولي في مقرراته في السنوات الأخيرة بضرورة البحث عن حل سياسي عبر الحوار بين طرفي النزاع وفي إطار الشرعية الدولية. في غضون ذلك طرح المغرب سنة 2017 اقتراحه لإقامة حكم ذاتي موسع في أقاليم الصحراء وفي إطار سيادته عليها. وأيدت الاقتراح بعض القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب التي ذهبت إلى حد الاعتراف بسيادة المغرب على الأقاليم المتنازع عليها. بينما ظلت جبهة البوليساريو متمسكة بخطة استفتاء تقرير المصير، باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق استقلال الإقليم.
وفي خريف العام الماضي مدد مجلس الأمن الدولي مهمة بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية “مينورسو”. لكن “الاستفتاء” الذي طالبت الأمم المتحدة بإجرائه منذ سنوات في الصحراء لم يعد يظهر في نص تمديد البعثة.
المصدر: dw