عندما استعاد الكاميروني مبينغيو نيمبيلو كريبين وعيه بعد انهياره في الصحراء، كشف أنّ السلطات التونسية أجبرته بعنف وزوجته وابنتهما البالغة من العمر 6 سنوات، على عبور الحدود إلى ليبيا سيرًا على الأقدام من دون ماء في الحر الشديد.
انهار نيمبيلو على الأرض منهكًا، لكنّه حثّ زوجته على الاستمرار مع ابنته الصغيرة واللحاق بالعشرات من المهاجرين الآخرين. وقال لهم: “إن شاء الله سنلتقي مرة أخرى في ليبيا”.
نجح نيمبيلو في الوصول إلى ليبيا في النهاية، فقط ليكتشف بعد أيام أنّ زوجته وابنته لم يفعلا ذلك.
ويعتقد نيمبيلو أنّ زوجته وابنته من بين أكثر من عشرة مهاجرين من السود يقول حرس الحدود في ليبيا إنّهم عثروا على جثثهم في المنطقة الحدودية الصحراوية لدول شمال إفريقيا، منذ أن بدأت السلطات التونسية بتنفيذ عمليات طرد جماعي في أوائل يوليو/ تموز.
عاش الرجل وزوجته لسنوات في ليبيا، لكنهما كانا يأملان بالوصول أخيرًا إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط من تونس.
وقال المتحدث باسم الشرطة الليبية الرائد شوقي المصري، إنّ حرس الحدود التابع للشرطة الليبية في العسة قرب الحدود التونسية، عثر على المرأة والطفلة ميتتين. ورفض الإدلاء بمزيد من التفاصيل أو الكشف عن مكان الجثث الآن.
وعثرت وحدات حدودية مختلفة على 10 جثث على الأقل على الجانب الليبي منذ الأسبوع الماضي، بينها جثة طفل صغير آخر.
تمييز وعنف
وواجه الأفارقة السود في تونس تمييزًا وعنفًا متزايدًا منذ تصريحات الرئيس قيس سعيد في فبراير/ شباط الماضي، بأنّ المهاجرين من جنوب الصحراء جزء من مؤامرة لتغيير هوية البلاد والتركيبة السكانية.
وحلّت تونس محل ليبيا كنقطة انطلاق رئيسية للأشخاص الذين يُحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا. وحتى 20 يوليو/ تموز الماضي، اعترضت السلطات التونسية أكثر من 15 ألف مهاجر أجنبي.
واستجابت السلطات التونسية للتوترات المتزايدة بقمع المهاجرين واللاجئين السود، وجرى اعتقال بعضهم من المدن الساحلية وإرسالهم إلى ليبيا أو الجزائر، وهي دول لها سجل طويل من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والانتهاكات ضد المهاجرين وعمليات الترحيل الجماعية.
واتهمت منظمات حقوق الإنسان والسلطات الليبية والمهاجرون أنفسهم، تونس بانتهاك القانون الدولي بعمليات الطرد الجماعي عبر حدودها.
وتجنّبت السلطات التونسية منذ فترة طويلة الرد المباشر على تلك الاتهامات، لكن وزارة الداخلية رفضت الخميس أي مسؤولية عن “الأفارقة خارج حدودها”، في إشارة واضحة إلى الموجودين في الصحراء.
وقالت وكالات الأمم المتحدة إنّ مئات الأشخاص، بمن فيهم نساء حوامل وأطفال، ما زالوا محاصرين هذا الأسبوع في المنطقة الحدودية بين تونس وليبيا والبحر الأبيض المتوسط، بينما تقطّعت السبل بآخرين على الجانب الجزائري، وحثّت على إنقاذهم الفوري.
وعزّزت السلطات الليبية الإجراءات الأمنية بالقرب من تونس، ووجدت مئات المهاجرين عالقين في درجات حرارة تجاوزت 50 درجة مئوية.
وشارك حرس الحدود الليبية صورًا ومقاطع فيديو مثيرة على وسائل التواصل الاجتماعي للمهاجرين المنهكين الذين يحتاجون بشدة للحصول على المياه، بالإضافة إلى صور المتوفين.
وقال الحارس الليبي علي والي لوكالة اسوشييتد برس، إنّ فريقه رأى من خلال المناظير، أفرادًا من الأمن التونسي يجبرون المهاجرين على الانتقال إلى ليبيا. وقال إنّ وحدته تعثر على أكثر من 100 شخص يوميًا، مضيفًا أنّ بعض المهاجرين قضوا ما يصل إلى ثلاثة أيام دون طعام وماء في الصحراء.
وأشار والي إلى أنّه تمّ تسليم المهاجرين الذين تمّ العثور عليهم إلى السلطات المختصة، بينما تقول وكالات الأمم المتحدة والهلال الأحمر الليبي إنّها قدمت الطعام والماء ومساعدات أخرى لهم.
لكن وفقًا لمسؤول أمني آخر، تحدث لوكالة اسوشييتد برس شرط عدم الكشف عن هويته، نُقل مهاجرون إلى مراكز احتجاز تُديرها مديرية مكافحة الهجرة غير الشرعية الليبية، المعروفة بارتكاب انتهاكات.
وعلى الرغم من الأدلة المتزايدة على الانتهاكات ضد بعض المهاجرين في تونس، والقضايا على الحدود، ضاعف القادة الأوروبيون عرضهم لدعم سعيّد، وقدّموا مئات الملايين من اليورو لتحقيق الاستقرار في البلاد، على أمل أن يؤدي ذلك أيضًا إلى الحد من الهجرة.
“يُكافح للتغلّب على خسارته”
لكن ذلك لم يردع نيمبيلو وعائلته، فقد حاول وزوجته بالفعل الوصول إلى أوروبا.
أخبر نيمبيلو وكالة أسوشييتد برس أن زوجته تعرّضت للاغتصاب مرتين أمام طفلتهما في الحجز.
وعن الوقت الذي قضاه في ليبيا، قال نيمبيلو: “لم تتمكن ابنتي ماري من الذهاب إلى المدرسة لأنها ابنة مهاجرين. لم يعد لدينا أمل. لقد أصابنا هذا البلد بصدمة شديدة”.
لذلك، في 13 يوليو / تموز، غادرت العائلة مدينة زوارة الساحلية وشقّوا طريقهم عبر الصحراء مع مهاجرين آخرين، ووصلوا إلى الحدود في الساعات الأولى من يوم 15 يوليو. ومن ثمّ وصلوا إلى بلدة بن قردان، على بعد حوالي 30 كيلومترًا من تونس.
انقسمت المجموعة لتجنّب جذب الانتباه، لكنّهم أصبحوا بحاجة ماسّة إلى الماء. سار نيمبيلو وعائلته إلى طريق رئيسي بحثًا عن المساعدة، مضيفًا أنّ سيارة شرطة أوقفتهم واحتجزتهم.
وقال نيمبيلو إنّه “عندما وجد الضباط أوراق تسجيلنا، وأدركوا أننا غادرنا ليبيا ضربونا. وفي اليوم التالي، حمّلونا في شاحنة مع مهاجرين آخرين ورمونا على الحدود دون ماء”.
وأكد أنّه يُكافح اليوم للتغلّب على خسارته بأنّه لن يرى زوجته أو ابنته مرة أخرى. مشيرًا إلى أنه بالكاد يستطيع تقبّل فكرة موت زوجته وابنته في الصحراء.
العربي الجديد