“من وراءهم وما حكاياتهم؟ من يحميهم؟ ألا تستدعي تحرّكاتهم المشبوهة التحقيق؟”. هذه تساؤلات من بين أخرى تتعلّق بالمهاجرين من الأفارقة في تونس على مواقع التواصل الاجتماعي أخيراً. ويبدو الأمر كأنّه حملة ممنهجة ضدّ هؤلاء يصفها مراقبون بأنّها تحريضية وتهدف إلى ترحيلهم. وتشمل تلك الحملة نشر صور لهم في خلال تنقّلهم في الشوارع أو قيامهم بعملهم أو حتى في داخل بيوتهم. وقد دفع ذلك جمعيات ومنظمات حقوقية عدّة، لا سيّما تلك الناشطة في مجال حماية المهاجرين واللاجئين، إلى الاستنكار.
وليس جديداً الحديث عن انتهاكات يتعرّض لها مهاجرون أفارقة في البلاد وتمييز عنصري يواجهونه في كلّ يوم. ويعمد هؤلاء إلى تنفيذ وقفات احتجاجية إزاء ما يتعرّضون له من تمييز عنصري وانتهاكات، فيما تُصدر المنظمات الحقوقية تقارير عن أوضاع المهاجرين في تونس واللاجئين خصوصاً الوافدين من الدول الأفريقية. لكنّ الحملة التي تقوم أخيراً على مواقع التواصل الاجتماعي لم يسبق لها مثيل.
وكانت تونس قد وقّعت في عام 1951 اتفاقية متعلقة بحماية اللاجئين وبروتوكولاً إضافياً في عام 1967، لتوفير الحماية الدولية للاجئين وطالبي اللجوء على أراضيها. وقد نصّ الفصل 26 من دستور البلاد على أنّ “حق اللجوء السياسي مضمون، طبق ما يضبطه القانون، ويحجر تسليم المتمتعين باللجوء السياسي”. كذلك عمدت وزارة الشؤون الاجتماعية في خلال السنوات الأخيرة إلى تزويد عدد كبير من المهاجرين بالتغطية الاجتماعية، شريطة إظهار عقد عمل وبطاقة لاجئ من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تونس. ويُصار إلى التعامل مع المهاجرين بطرق إنسانية، إذ إنّ أوضاعهم هشّة وهم في عوز ويفدون من دول تشهد بمعظمها حروباً، لذا لا يُرحّلون. ونتيجة عدم ترحيلهم، فقد ارتفع عددهم في خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير، علماً أنّ من بينهم من ينشد اللجوء في تونس ومنهم من ينتظر فرصة رحلة هجرة سرية إلى أوروبا.وبحسب “جمعية الإيفواريين في تونس”، التي تُعنى بشؤون مواطني ساحل العاج الذين يعيشون في البلاد، فإنّ عدد المهاجرين الأفارقة يُقدّر بنحو عشرين ألفاً، معظمهم من ساحل العاج، لكنّ العدد بحسب الإحصاءات الرسمية، لا يتجاوز عشرة آلاف مهاجر. من جهتها، تشير بيانات الاتحاد العام التونسي للشغل إلى أنّ عدد العمال الأفارقة في تونس يُقدّر بأكثر من 700 ألف. وقد ارتفع عدد هؤلاء بشكل كبير في خلال السنوات الأخيرة بسبب هروبهم من الحرب في ليبيا. لكنّ الجمعيات في تونس تتفق بمعظمها على أنّه لا يمكن حصر عددهم بدقّة، نظراً إلى توافدهم بطرق غير نظامية. كذلك فإنّ كثيرين يعتمدون تونس كنقطة عبور نحو أوروبا، لذا فإنّ الأعداد غير ثابتة. ويشتغل المهاجرون الأفارقة في أعمال يومية في البناء والزراعة مثلاً وفي المطاعم والمقاهي والمحلات التجارية، أو معينات منزليات بالنسبة إلى النساء منهم.
من جهة أخرى، تُسجَّل كثيراً مناوشات وشجارات بين مهاجرين أفارقة ومواطنين تونسيين في مناطق عدّة، خصوصاً تلك التي يعيش فيها عدد كبير من هؤلاء المهاجرين. ويؤدّي ذلك إلى جو من الامتعاض بين سكان تلك المناطق ويثير انتقادات كبيرة. وعلى سبيل المثال، نشبت شجارات في يونيو/ حزيران الماضي بين أكثر من 100 مهاجر من دول أفريقيا جنوب الصحراء وأهالي حيّ الأنس في ساقية الزيت بمحافظة صفاقس، جنوبي تونس، الأمر الذي أدّى إلى إلحاق أضرار بأحد المقاهي الواقعة في الحيّ ورشق المواطنين بالحجارة. وقد قامت الوحدات الأمنية بتوجيه المهاجرين إلى مركز الشرطة بعدما طُردوا من المنازل التي كانوا يعيشون فيها. ولم تكن تلك المناوشات الأولى من نوعها التي تشهدها المنطقة، لا سيّما أنّها تُعَدّ من بين أكثر المناطق التي تشهد تدفقاً للمهاجرين.وهؤلاء بمعظمهم يصلون من ليبيا إلى محافظات الجنوب التونسي، لا سيّما صفاقس، نظراً إلى توفّر فرص عمل فيها ولكونها منطقة ساحلية والهجرة بالقوارب انطلاقاً منها أمر ممكن.
بعد تلك الحادثة، نشرت صفحات عدّة على موقع “فيسبوك” تدوينات تنبّه فيها من خطورة توافد الأفارقة إلى تونس بأعداد كبيرة، وما قد يشكّله ذلك من خطر على الأمن في البلاد. وهو ما رأت فيه منظمات وجمعيات عدّة تحريضاً قد يهدّد حياة المهاجرين في تونس. وفي هذا الإطار، يقول المتحدث الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، لـ”العربي الجديد”، إنّه يرفض عمليات التحريض تلك، واصفاً إيّاها بأنّها “حملة تجييش وشيطنة ووصم يتعرّض لها المهاجرون من جنوب الصحراء، انخرطت فيها خصوصاً صفحات أمنية. ويأتي تصويرهم كخطر يهدّد المجتمع وكيان الدولة، استناداً إلى بعض جرائم الحق العام التي ينفّذها عدد منهم، كتلك التي يتورّط بها مواطنون تونسيون أيضاً. لكنّ هؤلاء يصوَّرون كأنّهم باتوا يهدّدون الأمن”. يضيف بن عمر أنّ “المهاجرين يعانون من الإقصاء والتهميش والاستغلال والتمييز. والمنتدى تناول كثيراً موضوع الاعتداءات والانتهاكات التي يتعرّض لها هؤلاء في تونس”. يُذكر أنّ المنتدى من بين أكثر المنظمات الناشطة في تونس في مجال الهجرة واللجوء، وهو يُعِدّ دراسات سنوية حول أوضاع المهاجرين واللاجئين وظروف إقامتهم والانتهاكات التي يتعرّضون لها. وهو كان قد أشار إلى أنّهم بمعظمهم يهربون من بلدانهم بسبب الظروف الأمنية والسياسية بالإضافة إلى البطالة والفقر والرغبة في تحسين مستوى العيش، فيدخلون إلى تونس بطرق غير نظامية للعمل وبعدها للعبور إلى أوروبا عبر مراكب الهجرة السرية.
كريمو، مهاجر من تشاد، يبلغ من العمر 33 عاماً، يقول لـ”العربي الجديد”، إنّه يعيش في تونس منذ “نحو ثلاث سنوات، وقد دخلت إليها عبر الحدود الليبية. وأنا أعمل كمياوم في مجالات مختلفة، لا سيّما في أشغال البناء وفي ورش إصلاح السيارات أو غسلها، بالإضافة إلى الزراعة”. يضيف كريمو أنّه كغيره من المهاجرين يتعرّض “بصورة يومية إلى اعتداءات، لا سيّما اللفظية منها في الشارع، وإلى تضييق. وأنا صرت أفهم اللهجة التونسية وأفهم كلّ ما ينعتونني به في الشارع”. ويشير كريمو إلى أنّ “كثيرين كانوا يبحثون عن اللجوء في تونس، لكن نتيجة التمييز الذي يتعرّضون له والعنف والإقصاء باتوا يفضّلون الهجرة إلى دول أوروبية”.
العربي الجديد