ترابط المقدسية عائشة المصلوحي -76 عامًا- في آخر ما تبقى من مباني حي المغاربة الذي دمرته سلطات الاحتلال الصهيوني عام 1967، وتستمر في مجاورة المسجد الأقصى منذ 55 عامًا، فهي تعيش في غرفةٍ عمرها مئات السنين وتطل نوافذها بشكل مباشر على حائط البراق والمصلى القبلي في المسجد الأقصى.
وتروي عائشة أنها تعود بأصولها إلى بلدة «تامصلوحت» القريبة من مدينة مراكش في المملكة المغربية، فهي واحدة من ضمن 10 عائلات من دول المغرب العربي، بقيت في الحرم القدسي حتى يومنا هذا، وباتت بذلك أقدم مغربية تحرس المسجد الأقصى المبارك، وحائط البراق الملاصق لباب المغاربة، رغم سيطرة الاحتلال عليهما منذ عام 1967.
وتقول:» وُلِدت عام 1946 في حي المغاربة بمدينة القدس لأب مغربي وأم مقدسية، وبذلك فقد تربيت وترعرعت بين جدرانه القديمة العبِقة بالتاريخ العظيم، وكبرت فيه وعشت كل الأحداث والنكبات التي مر فيها المسجد الأقصى ومدينة القدس العتيقة منذ احتلالها عام 1967».
وبعد تدمير منازل ومعالم حي المغاربة، التي شملت 135 بيتا سكنيا ومسجدين، أحدهما مسجد البراق الشريف، تحولت زاوية في الحي تُسمى «سيدي أبو مدين الغوث الجزائري» إلى ملجأً للنازحين منه بعدما كانت مكاناً لاستقبال الحجاج القادمين من مكة المكرمة، ومازالت موجودة حتى يومنا الحاضر، وتؤوي 10 عائلات من دول المغرب العربي.وككل الفلسطينيين تجرعت عائشة مرارة النزوح والتهجير عام 1967، إذ أجبرتها سلطات الاحتلال على النزوح من الحي برفقة زوجها، وترك عائلتها وأهلها بالقدس وفق وصفها.
وتشرح: «نزحت أنا وزوجي وطفلاي إلى الأردن، فيما عمل زوجي في السعودية لمدة عام، ورجعنا مرة أخرى إلى الأردن، ومن ثم رجعنا إلى جذوري في المغرب، وأقمنا سبع سنوات فيها، ولكن بعد وفاة زوجي بحادث سير، رجعت لموطن ولادتي في القدس عام 1974 وجاورت المسجد الأقصى وحائط البراق من جديد، بعد الحصول على طلب جمع الشمل تقدمت به والدتي، رحمها الله».
وتذكر عائشة أن والدها عمل حارساً للمسجد الأقصى المبارك وباحاته على مدار 42 عاماً، وكذلك عمل شقيقها من بعد والده.
وإن كانت غرفة عائشة صغيرة إلا أنها بقيت بداخلها مرابطة في الأقصى، وحارسة لمقدساته، حيث تذكرها كل زاوية من زواياها بحي المغاربة المنكوب وعائلاته النازحة.
ويعود تأسيس حي المغاربة غربي المسجد الأقصى بحسب مؤرخين إلى عهد صلاح الدين الأيوبي الذي حرر القدس سنة 1187 للميلاد بعد 88 من الاحتلال الصليبي، وبحسب الروايات التاريخية، فقد منح صلاح الدين المنطقة الغربية الملاصقة للمسجد الأقصى للمجاهدين الذين التحقوا بجيشه من دول المغرب العربي وبذلك سمي حي المغاربة. آخر ما تبقى من حي المغاربة وعقب احتلال كامل مدينة القدس والضفة الغربية وقطاع غزة في 5 حزيران/ يونيو 1967، أخلت قوات الاحتلال حي المغاربة وهدمته كاملا، بدعوى إيجاد ساحة لأداء الصلوات اليهودية أمام حائط البراق.
عائشة أفنت عمرها مرابطة في أكناف بيت المقدس، لتكمل مشوار ومسيرة والديها وزوجها هناك، واليوم يلتف أبناؤها وأحفادها حولها، وهم جميعاً يقطنون في البلدة القديمة في القدس.. تقول عائشة: «من نافذة الغرفة أشاهد يومياً المسجد الأقصى، وحائط البراق، وباب المغاربة إنها أروع إطلالة على الإطلاق».
الشرق