لم تستسغ المعارضة التونسية “الاستشارة الوطنية” التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيد أخيرا، وبدأ العمل بها مع بداية العام الجاري، معتبرة أنها “حملة انتخابية مبكرة” لسعيد، وخاصة في ظل الحديث عن “شبهات فساد ومحسوبية” في المنصة الإلكترونية المخصصة للاستشارة الوطنية.
وكان الرئيس قيس سعيّد أكد أخيرا أن تنظيم الاستشارة الوطنية التي أعلن عنها ضمن خريطة الطريق في وقت سابق “يندرج في إطار صياغة تصوّر جديد يُمكّن الشعب التونسي، صاحب السيادة، من التعبير عن إرادته بكلّ حرية”.
وأعلنت السلطات التونسية، السبت، بدء عمل المنصة الإلكترونية المخصصة للاستشارة الوطنية، على أن يتم القيام بـ”عمليات بيضاء” حول هذه الاستشارة، وهي ذات طابع تجريبي في دور الشباب ضمن جميع الولايات التونسية (24 ولاية)، وتتواصل لمدة أسبوعين، على أن تفتح المشاركة للعموم بداية من الخامس عشر من شهر كانون الثاني/يناير الحالي.
ووجه الرئيس السابق منصف المرزوقي انتقادات للاستشارة الوطنية التي أعلنت عنها السلطات أخيرا، مشيرا إلى عبارة عن “عملية احتيال” للحصول على بيانات التونسيين لاستخدامها في إعادة انتخاب الرئيس قيس سعيّد مستقبلا.
ودوّن المرزوقي على صفحته في موقع فيسبوك “يتحدثون عن استشارة شعبية (وهي) عملية تحيّل جديدة سيذهب ضحيتها كمشة من السذّج لا يعلمون أن المطلوب هو بياناتهم لاستخدامها في إعادة انتخاب الأخ القائد، وأن الدستور الجديد الذي ”يستشارون فيه” مكتوب وجاهز وهو نسخة ببعض البلاغة الجوفاء من المرسوم 117، وأنه ليس بحاجة لأفكار أحد باستثناء القائد الملهم، وأن حتى نسبة نجاح ”الاستفتاء” قد حُددت (ربما بين ستين وسبعين في المئة). يا لها من تمثيليات بائسة ويا لهم من ممثلين تعساء”.
واعتبر غازي الشواشي الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي أن الاستشارة الوطنية هي “عملية تحيل جديدة يتعرض لها الشعب التونسي، يحاول رئيس السلطة القائمة من خلالها إضفاء شرعية على مشروعه الهلامي و اللاديمقراطي باستعمال موارد الدولة البشرية والمالية وخارج أي إطار دستوري أو قانوني يخول له ذلك، ولكن هيهات طارت “التخميرة” واكتشف الشعب بكل فئاته الواعية خطورة هذا المشروع الطوباوي الذي أصبح يهدد أمن واستقرار البلد ومكتسباته وتجربته الديمقراطية”.
ورغم الإعلان عن انطلاق الاستشارة الوطنية يوم السبت الموافق الأول من شهر كانون الثاني/يناير الحالي، إلا أنه عند محاولة الدخول للمنصة الإلكترونية المخصصة للاستشارة تظهر رسالة تؤكد أن السلطات تقوم حاليا بـ”عملية بيضاء”، مشيرة إلى أن الموقع سيبدأ العمل مع منتصف الشهر الجاري.
وتحت عنوان “عملية بيضاء كالثلج”، كتب النائب أنور بالشاهد “كمختص في المعلوماتية، أعلم أنه قبل إطلاق أي برمجة أو موقع يقع إخضاعه لمجموعة من التجارب الرقمية لضمان الجودة التقنية ثم يخضع لمجربين لتحسين الجودة المضمونية والتقنية ثم يقع مسح قاعدة البيانات ويقع إطلاق الموقع رسميا. بهذا المعنى يكون إطلاق موقع استشارة هو يوم 15 جانفي (كانون الثاني)”.
وأوضح أكثر بقوله “إذا اعتبرنا أن إطلاق الاستشارة هو يوم 1 جانفي وأنه لن يقع فسخ قاعدة البيانات الموضوعة قبل 15 جانفي، فستتحول العملية البيضاء إلى تجييش للشباب من طرف ميسرين سيوجهونهم في اتجاه محدد ويكونون نواة مجموعة رأي على المنظومة ثم هم بدورهم سينطلقون في الأحياء لمساعدة من يجد صعوبة في استعمال المنظومة وبالمرة يوجهونه في نفس الاتجاه المحدد للاجابات”.
وأضاف “بهذا تكون العملية البيضاء هي بمثابة اطلاق لكرة الثلج التي تكبر فتخلق زيفا ما يشبه الرأي العام الذي يجذب نحوه الجميع (مثلما يحدث عندما تدخل مجموعة ونجد المجموعة في اغلبيتها الساحقة تعبر عن فكرة قل ما تجد شخصا يتجرأ على مخالفة الفكرة في تطبيق لتفكير المجموعة وهي ظاهرة نفسية وسوسيولوجية معروفة علميا) وتكون بهذا العملية البيضاء والاستشارة برمتها مجرد حملة انتخابية باستعمال موارد الدولة ومنها دور الشباب و وزارة التكنولوجيا وليست استشارة لاستبطان إرادة الشعب”.
واعتبرت عبير موسي رئيسة الحزب الدستوري الحر أن الاستشارة الوطنية التي أعلن سعيد “تفتقد إلى المصداقية والشفافية والديمقراطية كما أن انطلاقها كان متعثرا، فبعد أن أعلن رئيس سلطة تصريف الأعمال (في إشارة للرئيس سعيد) أن انطلاق الاستشارة سيكون بداية من غرة جانفي 2022 إلا أن ذلك تعثر يوم أمس ولم تقم رئاسة الحكومة أو وزارة تكنولوجيات الاتصال او وزارة الشباب والرياضة بالإعلان عن تأجيل انطلاق عمل المنصة للعموم مقابل علم مواطنين بفتح دور الشباب أمامهم للقيام بعمليات بيضاء في استشارة لا أحد يعلم محتواها”.
وأضافت في تصريح إذاعي “الأسئلة تقوم بها أجهزة الدولة والأجوبة تلتقطها كذلك أجهزة الدولة، وما يقوم به رئيس الدولة لا وجه قانوني له، ولذلك وجه الحزب الدستوري الحر عدل تنفيذ (متصرف قضائي) لكل أعضاء الحكومة ولوزارة تكنولوجيات الاتصال للتنبيه عليهم من أن ما يجري هو استعمال للمال العام لتحقيق مشروع سياسي وأن الحزب سيقاضيهم على هذه الأفعال”.
وكتب عبد الوهاب الهاني رئيس حزب المجد تحت عنوان “فضيحة دولة”: “الشَّركة الأجنبيَّة غير المقيمة “ويزلابز” الَّتي أنجزت “استشارة الاستفتاء الإلكتروني للفاتح من جانفي” هي شركة أجنبيَّة غير مقيمة، رأسمالها الأساسي أجنبي (فرنسي)، تمَّ تسجيلها سنة 2015 بالسِّجلِّ الوطني للشَّركات سنة 2015 (سنة بدأ دراسات الهندسة للطَّالب عقيل النَّقَّاطي الَّذي أصبح رئيسها التَّنفيذي)، ورأسمالها مُكوَّن من ألف دينار فقط، موزَّعة على ألف سهم بدينار واحد لكل سهم، يحمل الطَّالب محمد عقيل النَّقَّاطي 20 بالمئة منها (200 دينار تونس)، فيما يحمل الفرنسيَّان جون لوك أوري فرانك روسي 80 بالمئة من الأسهم بالتَّساوي 40 بالمائة لكل منهما (400 دينار تونسي لكل مهما فقط، يعني أقل من تذكرة طائرة باريس تونس)”.
وأضاف “وكان المهندس المبتدئ عقيل النقاطي لفت الانتباه بحضوره المجلس الوزاري المضيَّق بإشراف رئيس الجمهوريَّة لتقديم “استفتاء استشارة الفاتح”، ثمَّ نشر بلاغا يتنصَّل فيه من مشاركة شركته “ويزلابز” المبتدئة المختصَّة في الإنترنت وليس لديها أي موقع إنترنت، ويدَّعي فيه أنَّه قدَّم “استشارة تقنيَّة” بصفة شخصيَّة دون تقديم أيَّة توضيحات حول صيغة ولا طبيعة ولا مبلغ التَّعاقد، وناسبا إنجاز منصَّة “إي.استشارة.تن” (E-Istishara.tn) للمركز الوطني للإعلاميَّة الَّذي يسهر منذ سنة 1975 على تطوير وتأمين استعمال الإعلاميَّة في تونس، والَّذي لم ينشر على موقعه أيَّة إشارة لا من قريب ولا من بعيد للتَّعاقد مع المهندس الطَّالب المذكور ولا للمنصَّة المذكورة”.
وتابع بقوله “مهندس مبتدئ رئيس تنفيذي لشركة أجنبيَّة مبتدئة برأسمال أجنبي زهيد يفوز بأبرز صفقة لتكنولوجيا المعلومات في تونس وبدون المرور بمنظومة الصَّفقات العموميَّة ولا بأيِّ صيغة من صيغ طلبات العروض القانونيَّة؟؟؟ وتُهديه الدَّولة ولشركته (الَّتي قيمتها ثمنًا بخسًا دنانير معدودات) أسرارها وذَهَبَ المعطيات الشَّخصيَّة الثَّمينة لمواطنيها؟؟؟ هَزُلَت.. هَزُلَت.. هَزُلَت.. ووجب على رئيس الجمهوريَّة إقالة وزير التَّفويت في السِّيادة الوطنيَّة حالَّا، وإيقاف هاته المهزلة حالَّا.. وجب على القضاء مباشرة التَّحقيقات حالَّا في شبهات الفساد والتَّحيُّل في فضيحة (ويزلابز غيت)”.
كما استنكرت منظمة “أنا يقظ” المتخصصة بالشفافية ومحاربة الفساد ما سمته “التعتيم” الذي تمارسه السلطات التونسية فيما يتعلق بالأطراف المسؤولة عن إعداد الاستشارة الوطنية، مشيرة إلى أن “عقيل النقاطي “تطوّع” لتطوير هذه المنصّة. وهنا نتساءل عن أساس هذه العلاقة وطبيعتها القانونية. ونستنكر كذلك إقدام وزارة تكنولوجيات الاتصال تمكين السيد عقيل النقاطي من إعداد منصّة بهذه الأهميّة، منصّة سيعبر من خلالها الشعب عن إرادته وسيدخل عليها معطياته وأفكاره وتصوراته الشخصية، كما نتساءل عن أسباب اختياره دونا عن كل المهندسين التونسيين الجاهزين للتطوّع لخدمة الدولة. وإلا حتى التطوّع بالوجوه وبالأكتاف؟”.
وأضافت، في بيان أصدرته السبت “نستهجن وبشدّة غياب التشاركيّة وانعدام الشفافيّة في اعداد الأسئلة والمحاور المضمنة في البوابة الإلكترونيّة خاصة وأن “حاضــرنا ومستقبلنا ينطلق عبر البوابة الإلكترونية للاستشارة الوطنية” مثلما جاء في الموقع الكتروني للاستشارة. ونعتبر كذلك أن الأسئلة كائنا ما ستكون هي محاولة لتوجيه إرادة الشعب والحدّ من حقه في تقرير مصيره من قبل “من أعدّها” مسبقاً”.
وطالبت رئاسة الحكومة “بالسماح لمنظمّة أنا يقظ بالمشاركة في “العمليات البيضاء” كسائر الجمعيات الأخرى التي تم اختيارها (ولا أحد يعلم من وكيف تم اختيارها) ولا نتمنى أن تكون عمليات بيضاء وهمية تغطي على عدم جاهزية المنظومة. كما نطلب من وزارة التكنولوجيا تمكين منظمة أنا يقظ القيام بعمليّة تفقد مستقلة للتثبت من السلامة المعلوماتيّة للمنصّة ومدى احترام المعطيات الشخصية للمشاركين فيها نظرا لم شهدناه من استهتار بهذا الجانب من قبل الدولة مع منظومة ايفاكس (منظومة التطعيم ضد كورونا)”.
المصدر القدس العربي