قدمت مؤسسة “ماكينغ أوف“، العرض الأول في الجزائر، للفيلم الوثائقي “جزائرهم“ للمخرجة الجزائرية الفلسطينية الفرنسية لينا سوالم، الأربعاء الفارط، بسينماتيك الجزائر العاصمة، بحضور صاحبة العمل في العرض الذي خُصص للصحافة الوطنية.
الوثائقي (72 دقيقة، إنتاج 2020) عبارة عن رحلة تقصٍّ في الذاكرة الجزائرية، من خلال الزوج مبروك وعائشة المقيمين في فرنسا، واللذين قررا الطلاق بعد أكثر من ستين سنة زواجاً، لكنهما يبقيان معا رغم أن كل واحد يعيش في شقته غير البعيدة عن الأخرى، وهذه هي عتبة هذا الفيلم الذي اختارته المخرجة لينا سوالم، لتتحدث عن جديها مبروك وعائشة، وهذه العلاقة العجيبة.
وتشد هذه القصة منذ الوهلة الأولى، المتفرج، وتسمّره في مكانه لمعرفة الإجابة أو سبب هذا الطلاق بعد كل ذلك العمر، لكن المخرجة لينا سوالم لم تعطيها أو لم تستطع الحصول على إجابة، أو قد تكون الإجابة ضمنية على حسب قراءة المتلقي، لكنها عرّجت على جزئيات دقيقة، تمثل مشكلا مستعصيا في المجتمع الجزائري، يتعلق بقلة الحوار، أو ما يسمى بالتواصل.
أمر آخر تناولته المخرجة في ما يخص الهوية والتقاليد الجزائرية التي حملها الجدان إلى فرنسا قبل استقلال الجزائر: ما الذي تبقّى منها؟ وما الذي ضاع؟ وعن صعوبة العودة؛ فطالما كان المغتربون يريدون العودة إلى الوطن، لكن الأمر لم يحدث لأسباب كثيرة؛ فالجدة تعتقد أن دراسة الأولاد كانت في منأى عن ذلك. ويرى الجد أن المسألة مرتبطة بالحماية الاجتماعية، ومن الصعب العودة، والانطلاق من جديد.
قصة هجرة.. قصة حياة
يروي الفيلم الوثائقي الطويل “جزائرهم“، قصة هجرة الزوجين مبروك وعائشة من قرية عموشة في سطيف في خمسينيات القرن الماضي، باتجاه فرنسا من أجل العمل في الفلاحة بالنسبة للسيد مبروك سوالم.
تسأل الحفيدة جدها:
ـ “هل كنت تعرف جدتي عائشة قبل الزواج؟“.
ـ “لا“، يردّ.
وكذلك يفعل مع معظم الأسئلة؛ إنه بالكاد يتكلم عن الماضي، أو بالكاد يتذكر، كما تفعل الجدة، التي تجيب بردود غريبة، على غرار ”لا أعلم”، أو تأخذها هيستيريا الضحك. ويبدو أن المخرجة عانت في تصوير هذا العمل أمام حالة الصمت التي واجهتها، لكن مع مرور الوقت بدأت تتضح بعض الإجابات؛ إجابات غير وافية.
هذا الصمت لعله يعكس حالة السكون الذي يشوب الذاكرة عموما، والذي هو، صراحة، كتاب كبير، يجب فتحه وقراءة ما فيه، وهو ما حاولت لينا سوالم القيام به في هذا الوثائقي.
طلاق وتستمر العشرة
العجيب في مبروك وعائشة أن قصة زواجهما دامت أكثر من ستة عقود، وانتهت بطلاق، واستمرت العشرة بينهما رغم ذلك، فقد قررا العيش في شقتين، الواحدة قريبة من الأخرى. وكانت عائشة تتردد على بيت طليقها لتحضّر له الأكل، وتنظف المنزل، وتتفقد حاجياته، كانت تفعل ذلك على مضض؛ لقد بلغت من العمر ما جعلها تسأم من سلوكاته؛ إنها تصرفات الشيخوخة، بينما يعلّق مبروك على الطلاق، متحدثا عن عائشة: “فلتفعل ما تريد“؛ إنه لا يريد الخوض في القصة جملة وتفصيلا. وقد بدا عليه الكثير من الحسرة. والأمر نفسه بالنسبة لعائشة، كل ذلك يبقى في غموض كبير؛ لِم لا يتكلمان؟!
ماذا عن جزائرهم؟
يُحيل عنوان “جزائرهم“ على الجزائر التي تركها المهاجران، والتي بقيت في ذهنهما كما تركاها رغم بعض سفريات العودة بعد الاستقلال، وزيارة الأهل، لكن ”سرعان ما انتهت!”. يقول مبروك إن قرية عموشة لم يبق فيها أحد. وإن كل الذين يعرفهم ماتوا، ويذكر الأسماء وهو في أسى، ثم سرعان ما تلحقه الحفيدة المخرجة ببعض الصور لتفاجئه، ويتوهج وجهه، فتمسح تقاسيم الكآبة، لترسم ابتسامة طفل صغير.
تظهر أسنان السيد مبروك من فرط السعادة؛ إنه لا يصدق ما يسمع وما يرى؛ إذ شاهد القرية وبعض أهلها، والكثير من عائلة سوالم التي ينحدر منها، لايزالون يعيشون في عموشة؛ هذه القرية لم تمت، واسم العائلة موجود، وجذورها لم تُقطع، هي باقية ما بقيت الحياة.
المصدر المساء