قال رئيس البرلمان المنحلّ ورئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي إن الإسلاميين لم يحكموا تونس، بل شاركوا في حكمها بنِسَب متفاوتة، كما اعتبر أن المشروع السياسي للرئيس قيس سعيد يشكّل خطرا على الدولة التونسية، وقد ينتهي بتفكيكها وإحلال الفوضى في البلاد.
وقال، في حوار خاص مع “القدس العربي” يُنشر لاحقا، إن لم يكن هناك تجربة حكم للإسلاميين في تونس، “لم تكن حكومة الترويكا كذلك ولا كانت حكومة النداء بعد ذلك ولا حكومات قيس سعيد الثلاثة، فبأي معنى نتحدث عن تجربة الإسلاميين في الحكم في تونس؟”.
واستدرك بقوله “نعم، نحن شاركنا في الحكم بأقدار مختلفة ولكن ليس وحدنا، هذا من جهة، أما (من) جهة ثانية فإننا وفي مؤتمرنا الأخير حسمنا موضوع ما يسمى بالإسلام السياسي، فنحن اعتبرنا أن مواجهة المنظومة الشمولية للدولة ذات العقيدة اللائكية كان يحتاج تعبيرة بذات الشمولية لتواجه تطرفه، وإن كان لدينا منذ البداية تحفظ على توصيفنا بالإسلام السياسي. فنحن في النهاية مسلمون من بين المسلمين، ونحن نعتبر أن الديمقراطية هي السبيل الأنسب لإدارة الشأن العام ولإصلاحه، ولذلك فنحن مسلمون ديمقراطيون، إذ هناك من المسلمين من لا يرى الديمقراطية نهجا لإدارة الشأن العام بينما نراها متوافقة مع الإسلام”.
الغارة الشعبوية إلى زوال
وتساءل بقوله “هل فشلنا؟”، قبل أن يجيب “التاريخ لم يتوقف ونحن ما زلنا موجودين وصفنا يزداد ولا ينقص، وبحسب آخر انتخابات نحن الحزب الأول منذ زهاء عشر سنوات، وإسهامنا كبير في المحافظة على السلم والديموقراطية قبل الغارة الشعبوية (حكم قيس سعيد) التي هي إلى زوال وشيك”.
لكن الغنوشي أقر بوجود “العديد من الهنات، وكذلك النجاحات” خلال مشاركة حركة النهضة في الحكم، مضيفا “أولويتنا الآن هي استعادة الديموقراطية، ونحن واعون بحاجتنا لتقييم تجربتنا وللاستماع لنقد الآخرين والتواضع لآرائهم والاستعانة بها من أجل التقدم ببلدنا”.
وفيما يتعلق بتجربة الإسلاميين عموما في العالم العربي، قال الغنوشي “أما من حيث الحديث عن الإسلاميين عموما في الحكم، فإن الناقد يحتاج لينتبه بأن الإسلاميين ليسوا الأولين الذين واجهوا تحديات الحكم ولم يوفقوا، فانظر جيل الحركة الوطنية ومن بعده جيل التيارات القومية واليسارية، ولا شك أن الإسلاميين ليسوا استثناء فهم بشر يخضعون لسنن التغيير وسنن الصراع والحكم، ولذلك فإن تجربتنا يجب أن تُقرأ بما هي تجربة بشرية محكومة بسنن الكون التي تعم الجميع ولا يمنع انتسابنا للإسلام أن تنطبق علينا هذه السنن، فهي غلابة”.
وأضاف أن “القيمة الأساسية لانتسابنا للإسلام تكمن في ما نادينا به من فجر الثورة للسماحة والعفو وتجريد الحياة العامة من الصراعات العقائدية والأيديولوجية، والحاجة للتوافق والحوار والحاجة لبناء مشروع وطني مشترك يخدم الناس ونحن ما زلنا ننادي لهذا ولا نرى حلا لبلدنا خارج هذا المسار التعددي الأخلاقي”.
ولكن هل يبرر “الفشل” في الحكم بغياب الخبرة أو تآمر الآخرين عليه؟
يجيب الغنوشي “ليس هناك مسار وطني يقف في وجه الظلم لا يتم التآمر عليه، أما الخبرة فمن له الخبرة إلا الذين احتكروا الحكم لعقود متتالية، كل الذين عارضوا الاستبداد تم تهميشهم وتنقصهم الخبرة في الحكم وإدارة شؤون الدولة، ولكن حتى الذين حكموا وانتخبهم الشعب سنة 2014 فشلوا بل يمكن القول إن النتائج التي تقولها أرقام حكومة الترويكا حققت نجاحا أكثر من الحكومات التي تلتها حتى الآن”.
ويوضح بالقول “تونس جزء من محيطها ولا شك أنها تتأثر بهذا المحيط وبالعالم الذي يمر بمرحلة هزات وانتقالات وما يقع في بلدنا ليس بعيدا عن ذلك: الواضح أن الجغرافيا السياسية في الإقليم لم تكن ريحها خلال العشرية المنصرمة تهب رخاء على بلد صغير”.
ويرى أن “تاريخ العالم والبشرية يخبرنا بأن مسارات الثورة والتغيير إن بدأت فلا يمكن إيقافها ولا صدها، صحيح يمكن تعطيلها أو اضطرارها لدفع أثمان باهظة ولكنها مسارات غلاّبة، ولذلك فنحن -وإذ نشفق على شعبنا- لنا ثقة في الله سبحانه وتعالى، وأن مسار الحرية لشعوبنا لن يتأخر وهذه الحرية هي حرية عامة تشمل الجميع ويعم خيرها على الناس كافة. وإننا باعتبارنا مسلمين ديمقراطيين نفعل ذلك مع كل شركائنا في الوطن بغض النظر عن خلفياتهم العقائدية ما اجتمعنا معهم على تحقيق مصلحة الشعب. ولكننا مسؤولون عن شعبنا وعن بلدنا”.
مشروع سعيّد خطر على الدولة
وفيما يتعلق باحتمال عودة تونس إلى مربع الديكتاتورية في ظل حكم الرئيس قيس سعيد، يقول الغنوشي “لقد فشل قيس سعيد وفي وقت وجيز في الإيفاء بوعوده التي قدمها للشعب التونسي وبرر بها انقلابه، وهو اليوم يقود الشعب قودا في اتجاه حالة من اليأس ويقودهم نحو التفرقة والانقسام بين التونسيين، ويقود البلاد قبل ذلك في اتجاه الإفلاس والعزلة عن العالم ومن ثمة ارتهان شعبها وإرادتها للخارج أو دفعها في اتجاه الفوضى بعد أن يفكك كل كياناتها الجماعية”.
ويضيف “لقد أصبحت تونس محل تقارير مراكز الأبحاث الدولية، بما هي منطقة شديدة المخاطر، وبأنها لا قدر الله مقدمة على حالة فشل للدولة. وبالتالي مشروع قيس سعيد هو خطر على الدولة، ليس لأنه يؤسس لنظام دكتاتوري فقط، ولكن لأنه يقود إلى انهيار الدولة وتفكيكها وإفلاس الاقتصاد وتفقير المواطنين، وتقسيم المجتمع بإثارة النعرات والكراهية بين أبنائه، وهذا كله سيؤدي إلى وقوع البلاد في الفوضى”.
ويتابع بالقول “وبناء على هذا، نعتبر أن ما يقوم به سعيد في تونس هو تهديد للاستقرار وفتح للباب لمزيد المخاطر على الشعب التونسي وعلى الدولة التونسية وعلى الاستقرار في المنطقة عموما”.
القدس العربي