أثارت تصريحات للأمين العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي عن الانفراج السياسي في تونس لحل مشكلة الاحتكار تساؤلات عن الرابط بين هذين الظاهرتين، وهل الهدف من وراء هذا الكلام العام هو جلب الانتباه لرجل ظل لسنوات في قلب العملية السياسية ويعمل الجميع على كسب رضاه، فيما لا يجد الآن أيّ اهتمام من السلطة، وخاصة من الرئيس قيس سعيد.
وقال مراقبون تونسيون إن إطلاق تصريحات قابلة للتأويلات المختلفة الهدف منها لفت الأنظار إلى أمين عام اتحاد الشغل ليس فقط من السلطة التي لا تتحمل أيّ إشارات يمكن أن يفهم منها الحث على العودة إلى الماضي، أي إلى ما قبل 25 يوليو 2021، ولكن أيضا من المعارضة التي تبدو الآن في حالة يأس تام من صعوبة وقف قطار التغييرات التي يقودها قيس سعيد، ويمكن أن ترى في تصريحات الطبوبي نافذة أمل لها.
وتساءل المراقبون عن علاقة الانفراج السياسي بمحاربة الاحتكار أو بغلاء الأسعار الذي هو ظاهرة عالمية، وهل الذين سيتحاور معهم قيس سعيد ممن حكموا قبل 25 يوليو 2021 واجهوا الاحتكار والمحتكرين أم فتحوا لهم الطرق كي ينشطوا بحرية تامة في ظل حكومات ضعيفة كان هدفها عدم الصدام مع أيّ طرف صغيرا كان أو كبيرا، فالمهم أن تضمن بقاءها.
وقال الطبوبي في تصريحات نقلتها عنه إذاعة “موزاييك” المحلية إن القضاء على ظاهرة الاحتكار والنقص الذي تشهده بعض الأسواق التونسية (ندرة في بعض المواد الأساسية)، مرتبط بـ”الانفراج السياسي” والوحدة الوطنية وبرنامج وطني.
ولا يعرف مقصد الطبوبي من فكرتي “الوحدة الوطنية” و”برنامج وطني”، هل المقصود بهما هو تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم مختلف الأطراف، وإجراء حوار وطني يفضي إلى برنامج سياسي واقتصادي يتفق عليه الجميع، أم أن الهدف هو إطلاق تصريحات عامة لجلب الانتباه.
ويحذر المراقبون من أن محتوى كلام الطبوبي يمكن أن يعيد النقاش العام إلى ما قبل 25 يوليو 2021، وهو ما يعني القفز على خطوات قيس سعيد خلال عام كامل، والتي توجت بالاستفتاء وإقرار الدستور الجديد في 25 يوليو الماضي، ثم بالانتخابات التشريعية المقررة نهاية العام.
واعتبرت أوساط سياسية تونسية مطلعة أن لجوء الطبوبي إلى هذا الخطاب العام الذي يحتمل الشيء ونقيضه، ويمكن أن يتراجع عنه في أيّ لحظة، يهدف من خلاله إلى تحصيل اهتمام دائم من الرئيس سعيد، والظهور بمظهر الرجل الفاعل في المشهد السياسي كما كان يفعل في سنوات ماضية، حيث كانت الحكومات تستشيره في مختلف التفاصيل وتتجنب غضب الاتحاد.
وأشارت الأوساط السياسية التونسية إلى أن قيس سعيد، الذي سبق وأن أكد أن العلاقة مع اتحاد الشغل جيدة، لا يريد أن يجعل نفسه رهينة لأيّ شخص أو تحالف سياسي أو اجتماعي، وأنه يعالج الأزمات بنفسه وبشكل يومي، ولا يقبل أن يتدخل أيّ شخص أيّا كان في مجال عمله، وهو ما يتعارض مع الدور الذي يريد أن يلعبه الطبوبي واتحاد الشغل.
وقالت هذه الأوساط إن قيس سعيد شخص مختلف تماما عمّن سبقوه، وهو لن يقبل بأيّ ضغوط بشأن إعادة الاتحاد إلى ما كان يلعبه في السابق إذا كان ذلك سيقود إلى تعطيل صلاحياته أو عرقلة خطته لإصلاح النظام السياسي، أو الدفع نحو حوار وطني استعراضي من أجل البحث للاتحاد عن دور.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها الطبوبي عن الاستقرار السياسي، فقد قال في تصريحات سابقة إنه “لا يمكن التقدّم بوضع البلاد دون تحقيق استقرار سياسي وخلق مناخ إيجابي لجلب الاستثمار، والتفاوض والحوار هما سبيلا الخروج من الأزمة”، وإن “الاتحاد منفتح على كل الإصلاحات خاصة أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي لا يحتمل التأخير”.
ورغم هذه التصريحات التي قد تقود إلى القطيعة بين الاتحاد والحكومة، فإن الطبوبي ما يزال يأمل في التوصل إلى تفاهمات مع الحكومة.
وقال الأمين العام للاتحاد، السبت، إن جلسة التفاوض التي جمعت الجمعة الاتحاد بالحكومة شهدت بعض التعثر، معبرا عن أمله في النجاح في تقريب وجهات النظر في الجلسات القادمة.
وأكد الطبوبي، في تصريح لمراسل الإذاعة المحلية “الجوهرة أف أم”، خلال زيارته إلى المنستير، ضرورة تقدم أحد طرفي المفاوضات بمبادرات قصد تقريب وجهات النظر، لحماية البلاد من أي توترات اجتماعية، في ظل تواصل اهتراء المقدرة الشرائية للأجراء، مع الأخذ بعين الاعتبار الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد.
وتوقع أن يتم في الساعات القليلة القادمة التوصل إلى مزيد حلحلة الإشكاليات التي اعترضت المفاوضات، رافضا وصف جلسة التفاوض المنعقدة بالفاشلة.
موزاييك