يوماً بعد اخر يتضح بشكل واضح أن الشعب الجزائري الذي عانى في تاريخه الحديث ظلم وويلات الاستعمار الفرنسي، ظل منذ تعرض فلسطين للعدوان والغدر-يناصرالقضية الفلسطينية، ويقدم للشعب الفلسطيني كل ما أمكنه من دعم ومساندة مادية ومعنوية بمختلف أشكالها وألوانها ووسائلها.وتعتبر المساندة الثقافية والفكرية والعلمية ذات أهمية بالغة إلى جانب المساندة المادية، إذ تُبقي على الوعي بحقيقة القضية وأبعادها واسبابها وآثارها، وفي هذا السياق يمكن القول إن الجزائر جعلت من صُحفها المحلية وسيلة ناقلة للثوابت الوطنية أمام ترسانة التهويد الممنهج للأرض الفلسطينية وسياسات التهجير القسري لأبناء الشعب الفلسطيني وسرد الرواية الفلسطينية بشكل واقعي، وكانت الجزائر من الدول التي جعلت من صحفها المحلية منبراً لرفع الصوت الفلسطيني وكشف الحقائق الفلسطينية وما يحدث من اعتداءات متواصلة بحق الشعب الفلسطيني، نعم إن الموقف الجزائري تجاه القضية الفلسطينية فريد من نوعه. «الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة»، لم يكن شعاراً أطلقه الرئيس الجزائري الراحل الهواري بومدين، بل شعوراً تجسد في وجدان الجزائريين تجاه القضية الفلسطينية وشعبها. وهذا ما يعبّر عن المسؤولية الجزائرية الكبيرة وموقفها التاريخي المشرف مع القضية الفلسطينية.
موقف مشرف
لطالما أعلنت الجزائر مرات تلو الاخرى دعمها للقضية الفلسطينية ضد الكيان الغاصب ونددت بجرائم الكيان الصهيوني، إضافة إلى ذلك وكما هي العادة فقد كان للجزائر خلال الأيام الماضية موقف مشرف حيث دعت جميع الدول العربية لتقديم المساعدة المادية للشعب الفلسطيني ودعمه لمواجهة الصلف الصهيوني وفي هذا الصدد دعت الجزائر الدول العربية والإسلامية للتخندق في صف واحد إلى جانب القضية الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني، وتوحيد الكلمة والموقف ضد الكيان الغاصب، وهنا يمكن القول بشكل واضح، إن الجزائر لم تتردد يوماً في موقفها الواضح والعلني ضد الاحتلال الإسرائيلي على جميع الصعد، وهذا ما شكل حالةً من الخوف والهلع عند كيان الاحتلال الإسرائيلي، فالخبير الإسرائيلي عاموس هارئيل مثلاً اعترف بأن الجزائر هي التي هزمت “إسرائيل” عام 1973، قائلاً في مقابلة سابقة “اعترف بأن الضربة الكبرى في حرب تشرين الأول/أكتوبر التي شهدت انتكاسة إسرائيلية، جاءت من الجزائر التي غامر وتشجّع طيرانها وحلّق فوق سماء “تل أبيب”، وهي المغامرة التي لم يجرؤ أي طيران عربي على اقترافها”.
الدور التاريخي للجزائر تجاه فلسطين
إن الجزائر دوماً تسير على مبادئ ثورتها المجيدة ونهج قادتها العظام، وهي وفية لعروبتها وقضيتها المركزية فلسطين ، ولم يسجل عليها يوماً، أنها تخلت عن دورها التاريخي تجاه فلسطين وقضيتها، فكانت في كل الأوقات والأزمنة، خير سند للشعب الفلسطيني في مسيرته التحررية سعياً لدحر الاحتلال ونيل حقوقه المشروعة وفي المقدمة منها الحرية والاستقلال. ومازالت الجزائر اليوم كما عهدناها مستمرة في دعمها وملتزمة بواجبها تجاه فلسطين وشعبها، ومن خلال المواقف الثابتة للجزائر تجاه فلسطين يتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن فلسطين حاضرة ولم تغبْ عن أذهان وعقول وقلوب الجزائريين كل الجزائريين، فالجزائر الحريصة دوماً على مصالح الشعب الفسطيني ووحدة قواه السياسية وفصائل المقاومة الفلسطينية، بادرت الجزائر مجدداً برعاية رسمية وشعبية، إلى دعوة الدول العربية للالتقاء حول القضية الفسطينية وتقديم كامل الدعم المادي والمعنوي للمقاومين في أرض فلسطين.
الإعلام الجزائري يفضح انتهاكات وجرائم الاحتلال
إن التجربة الإعلامية المتميزة التي بدأتها الصحف الجزائرية منذ ما يزيد على عقد من الزمان، دعماً للقدس والأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني وعبر كل وسائل الإعلام على اختلاف أسمائها، المرئية والمقروءة والمسموعة، وايضاً الكُتاب والإعلاميين الجزائريين الذين يخصصون مساحات في كتاباتهم وتقاريرهم وعلى صفحات الجرائد المقروءة، لعرض قضية الأسرى وهمومهم ومعاناتهم، وفضح انتهاكات وجرائم الاحتلال بحقهم، قد جعل منها تجربة اعلامية متميزة واستثنائية في اسناد الأسرى ودعم قضاياهم وتعزيز صمودهم، فنقل وسائل الإعلام الجزائرية للأحداث الدائرة في مناطق الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة على الرغم من أن العالم منشغل بقضايا دولية أخرى إلا أن الجزائر ما زالت تُركز على قضية فلسطين لإيجاد حل لها عبر إنهاء حالة الصراع الدائرة في الواقع الفلسطيني بسبب الاحتلال.فتتعاطى وسائل الإعلام الجزائرية من خلال خطاب إعلامي ورسالة إعلامية موجهة لكل المستويات المحلية والإقليمية والدولية لإرسال الصورة الحقيقية عن القضية الفلسطينية، لكون الملف الفلسطيني ما زال الملف العالق حتى اللحظة دون حل جذري للحقوق الفلسطينية.
الجزائر عقبة أمام الكيان الصهيوني في الاتحاد الإفريقي
لايخفى على أحد المهمة الدبلوماسية والسياسية الكبيرة الذي قام بها الدبلوماسيون الجزائريون المتمثلة بطرد كيان الاحتلال من الاتحاد الافريقي، حيث سبق وأن قاد وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة مشاورات مع وزراء خارجية عدد من الدول التي تدعم منح “إسرائيل” صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي، لإقناعها بالعدول عن موقفها والتصويت لصالح سحب هذه الصفة.والتقى لعمامرة في هذا السياق وزير الخارجية والتعاون والتكامل الإفريقي لجمهورية توغو روبرت دوسي، ووزير الخارجية التشادي شريف محمد زين، ووزير الخارجية الأوغندي هينري أوريم أوكيلو، وهي من الدول التي تدعم الوجود “الإسرائيلي” في الاتحاد. وعقد وزير الخارجية الجزائري سلسلة لقاءات تشاورية أخرى مع عدد من نظرائه من الدول التي تدعم قرار سحب صفة مراقب من “إسرائيل”، كجنوب إفريقيا، وأنغولا وليبيا وجيبوتي، استكمالاً للعريضة التي كانت وقّعتها سبع دول عربية عضوة في الاتحاد، وهي مصر والجزائر وجزر القمر وتونس وجيبوتي وموريتانيا وليبيا.
من خلال الدور البارز الذي قامت به الجزائر في هذا الملف وتولي الجزائر لهذه المهمة الصعبة لطرد “إسرائيل” من الاتحاد، يتبين أن هذه الخطوة مهمة، بل بالغة الاهمية، لان السلطات الجزائرية اقدمت عليها في وقت تتهافت فيه حكومات عربية عديدة للتطبيع مع اسرائيل، واقامة علاقات سرية وعلنية معها، وتحالفات فوق الطاولة وتحتها، وتضع حركات المقاومة على قوائم “الارهاب”، وبمباركة جامعة الدول العربية.
خلفية تاريخية ورفض للتطبيع
على مدار عقود بقيت الجزائر متمسكة بموقفها الداعم لفلسطين والرافض للاحتلال الإسرائيلي والتطبيع معه، منذ الحركة الوطنية الجزائرية (1918-1954)، ثم ثورة التحرير ضد المستعمر الفرنسي (1954 .وعقب الاستقلال عام (1962) شاركت الجزائر في حروب الشرق الأوسط ضد إسرائيل عامي 1967 و1973 .وخلال السبعينيات كانت عبارة الرئيس الراحل هواري بومدين، “الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة” عنوانا للموقف الجزائري. وفي 15 نوفمبر 1988، أعلن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في مؤتمر بالعاصمة الجزائرية، قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس.وكان هذا الإعلان الثاني من نوعه، فقد أعلنت حكومة “عموم فلسطين” الوثيقة الأولى للاستقلال في أكتوبر 1948.وترفض الجزائر الاعتراف بإسرائيل، كما رفضت اتفاقات “أوسلو” بين فلسطين وإسرائيل منتصف التسعينيات.
وهكذا يمكن القول إنه في زمن التيه العربي، وغياب الدول العربية ، تبقى الجزائر بوصلة، تذكر العرب بأنهم يسيرون عكس التيار، تذكر الجزائر الثورة والحراك والكرامة بأن أم القضايا العربية هي فلسطين، ولا يمكن أن يكون للعرب والمسلمين عز دونها، ولا يمكن أن تكون الهرولة نحو إسرائيل إلا انحرافا وشذوذا، بميزان العروبة والدين، بميزان الوطن، بميزان الإنسانية وأخلاقياتها، بميزان السياسة وبراغماتيتها. ” ففلسطين أم القضايا وهي قضية مقدسة” لأن الشعب الجزائري ثائر وحر، والحر يقدس المقدسات، ففلسطين مقدسة لدى الشعب الجزائري وخط أحمر في قلب ووجدان الجزائريين والجزائريات، هم مع فلسطين ظالمة أو مظلومة.
وكالات