في مدينة كربلاء في جنوب العراق، حيث مرقد الإمام الحسين، ورمز واقعة الطفّ التي استشهد فيها الإمام الحسين (ع) في المدينة نفسها قبل مئات السنين، الشعائر العاشورائية أمر تاريخي. الهيمنة الشبابية واضحة في بلد يشكّل من هم دون 25 عاماً نسبة 60% من سكانه، في إحياء المواكب العاشورائية وفي الأنشطة الخدمية مثل حملات تقديم الطعام وإقامة مجالس العزاء.
واختار أمير محمد البالغ من العمر 26 عاماً أن ينضمّ الى “الطرفة العباسية”، أحد المواكب الأكثر قدماً في كربلاء والمعروف بردّاته المميزة التي تحمل دائماً طابعاً سياسياً. وأمير “رادود” في الموكب، أي يؤدي قصائد ندب للإمام الحسين وصحبه وعائلته(ع).
ويقول “في الطرفة العباسية خصوصاً تكتب الردات الثورية التي تتكلم عن معاناة الشعب العراقي. نتمنى إيصال هذه المعاناة من الفساد والحروب وعمليات الخطف، الى العالم، عبر الردّات الحسينية الثورية”.
وتنظم المواكب العاشورائية عادة داخل كربلاء قرب مرقد الإمام الحسين خلال الأيام العشرة الأولى من محرم. ويشارك فيها الملايين.
ويستذكر رجل بالغ من العمر 63 عاماً أيام نظام حزب البعث السابق برئاسة صدام حسين، حينما كانت الشعائر ممنوعة علناً. ويقول “كنا نذهب للمشاركة في مجالس العزاء، لكن في الأروقة الضيقة والمظلمة لكي لا يرانا رجال الأمن ونتعرض للاعتقال. كثر تعرضوا للتعذيب والاعتقال حينها”.
وكان الشيعة مهمشين الى حد ما في ظل حكم صدام حسين. ومنذ أن سقط النظام السابق في العام 2003، بات الشيعة يتحكمون بمفاصل السلطة في البلاد. وأصبح أداء الشعائر ممكناً.
في سوق الشيوخ في ذي قار جنوب كربلاء، دخلت الإيقاعات الحماسية الجديدة في صلب الشعارات التي تؤديها المواكب.
ويكرّس كرّار عبد الأمير البالغ 31 عاماً والذي يعمل خادماً في العتبة العباسية إلى جانب عمله كصائغ مجوهرات، من جهته وقته كاملاً خلال شهر محرم للاهتمام بموكب كله من الشباب يسمّى “عشاق علي الأكبر”، في إشارة الى علي ابن الحسين الذي قتل معه يوم واقعة الطف. وينظم مسيرات ويوزّع طعام مجانيا على المشاركين. إلا أن الأطعمة التي يعدها مع فريقه لا علاقة لها بالأطباق التقليدية الخاصة بالمناسبة، وأبرزها الأرز واللحم.
ويروي كرار لفرانس برس بينما كان يحضّر لموكب عزاء وحوله عدد من الشباب الذين يعملون معه، “نقدّم ألفي قطعة بيتزا و500 قطعة همبرغر”.
ورغم أن بعض الموروثات لا تزال راسخة، تتغيّر ممارسة العادات والتقاليد من جيل إلى آخر. ودخل عليها الإنترنت الذي أصبح منبراً أيضاً للكثير من الشباب للتعبير عن حزنهم في هذه المناسبة، وكذلك عن إحباطهم.
ويرى الشيخ صالح محمد مهدي البالغ من العمر 40 عاماً والذي يكرّس غالبية وقته في العمل مع الشباب أن “الثوابت موجودة… لكن التعاطي يجب أن يختلف لأننا الآن في زمن مختلف تتخلله أجهزة إلكترونية متطورة. ولا بدّ للدين أن يتعاطى مع هذا التقدم والتطور وينظر إلى الشباب بنظرة أخرى”.
ا ف ب