عاشت مناطق عديدة في تونس على إيقاع مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين كانوا يرفعون مطالب اجتماعية وينددون “بغلاء المعيشة”، وذلك بعد انتحار بائع متجول في منطقة مرناق (جنوب شرق البلاد) عقب مصادرة السلطات المحلية معدات عمله. وقد أعاد الحادث المأساوي للأذهان ثورة عام 2011 التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي، حين أقدم الشاب محمد البوعزيزي على الانتحار حرقا بعد أن صادرت الشرطة بضاعته، ما أدى إلى موجة احتجاجات واسعة أدت إلى سقوط نظام بن علي. في هذا الحوار، نناقش أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة، حول تداعيات هذه المظاهرات في تونس.
1/ هل تنذر المظاهرات التي شهدتها تونس بانفجار اجتماعي؟
أحمد نجيب الشابي: الاضطرابات التي شهدتها تونس لم تقتصر على منطقة مرناق حيث انتحر البائع المتجول، وإنما تمت في مناطق عديدة ومتباعدة. وهذه التحركات، هي تعبير عن درجة عالية من الاحتقان في الأوساط الشعبية التونسية، جراء الظروف المعيشية التي يكابدونها يوميا، من غلاء المعيشة بشكل غير مسبوق في حياتهم، ثم ندرة المواد الأساسية والأدوية في الأسواق وانقطاعه عنه. وبالتالي الأفق مظلم في تونس والقلق كبير، وتزامن هذه المظاهرات وانتشارها في أكثر من مكان في البلاد، قد يكون نذيرا بانفجار اجتماعي كبير.
2/ هل هناك وجه للمقارنة ما بين ما حصل في عام 2011 وما يحصل اليوم؟
أحمد نجيب الشابي: أظن أن الأمر يختلف. ففي عام 2011 كان هناك إجماع بين مختلف الطبقات الشعبية ضد الحاكم، وهذا الإجماع غير متوفر حاليا. صحيح أن أمل الناس خاب في الرئيس قيس سعيّد، لكن لم يتحول الشعور الشعبي بعد إلى ردة فعل ضده. ولذلك ما أخشاه هو أنه إذا ما وقع انفجار اجتماعي، سيكون خارج السيطرة، ولن تكون هناك قوة مدنية أو غيرها قادرة على تأطير أو توجيه أو التأثير في هذا الانفجار وقد يكون مدمرا.
وعلى كل حال، التحركات الشعبية مشروعة وسلمية، وشخصيا أدعمها لكن في نفس الوقت أقول إن القوى المدنية والسياسية إذا لم تقف لأجل بلدها ووطنها الآن سيكون الأمر جد متأخر إذا ما حدث شيء ما.
3/ ما الذي تنتظره من الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات؟
أحمد نجيب الشابي: الحل بسيط جدا، إذ لا توجد قوة في المغرب سياسية أو غيرها يمكنها أن تنفرد أو تدعي الانفراد بالحل. الحل يجب أن يكون توافقيا. حل الإصلاحات الاقتصادية المؤلمة، وفي نفس الوقت التوافق على الإجراءات الاجتماعية المواكبة لتخفيف وطأتها على المواطنين، وأيضا التوافق على الإصلاحات السياسية، وهذا لا يمكن أن يتم إلا بحوار وطني جامع وعاجل. فما أنتظره من القوى الوطنية هو أن تتجاوز خلافاتها الموروثة عن الحقبة السابقة، وأن تسيطر على تجاذباتها الأيديولوجية وأن ترقى إلى مستوى التحدي الذي تعيشه بلادنا.
4/ على ماذا تؤشر التظاهرات التي تشهدها تونس؟
أحمد نجيب الشابي: السيد قيس سعيد أصبح اليوم معزولا سياسيا عزلة تامة، وآخر دليل هو أنه يعتزم القيام بانتخابات تشريعية في 17 ديسمبر القادم، لكن كل الأحزاب السياسية أعلنت مقاطعتها لهذه الانتخابات، لأسباب عديدة. فبالتالي في المجتمع المدني والسياسي التونسي وحدة هدف، وهو رفض المسار الذي أدخلنا فيه السيد قيس سعيد والعودة إلى الشرعية الديمقراطية والسياسية وإلى الشرعية الدستورية والائتلاف حول حكومة إنقاذ تحظى بدعم عريض من القوى. فهناك وحدة هدف، فهل هناك وحدة صف؟ لا يوجد وحدة صف، لكن ربما تضغط هذه الأحداث التي تتطور على هذه المكونات كي تبحث على درجة دنيا من التنسيق في التحرك. ليس مطلوبا أن تتحول تلك القوى إلى جبهة واحدة، بل يمكن أن يكون هناك أكثر من طرف، ويتم تنسيق العمل ميدانيا من أجل الهدف المشترك. فهذه هي أمنيتي وأعتقد أنها ضرورة. وسنرى ما ستمليه علينا الأيام القادمة.
5/ يؤكد الكثيرون أن تونس باتت على حافة ثورة جديدة. فهل البلاد أمام ثورة؟
أحمد نجيب الشابي: ثورة؟ لا أتوقع ثورة، لأن الثورة تكون موجهة وحاملة لمشروع، مثل ثورة 2011 التي كانت موجهة، وكان الكل ضد واحد. وكان الفساد المستشري وفي نفس الوقت الاستبداد هو الهدف، وبالتالي سقط النظام وعوضته قوى أخرى التي مهما كان أداؤها، دفعت بها الأحداث إلى مقدمة المشهد السياسي عبر الديمقراطية. هذه العوامل غير متوفرة الآن، وبالتالي لا أنتظر ثورة وإنما انفجارا قد يؤدي إلى فوضى، ولذلك أعتقد أن الوضع خطير، ويجب على القوى التونسية على اختلافها أن تعي هذا الخطر. فإذا ما حصلت الفوضى قد يتم تدمير الكيان الاجتماعي. وأتمنى قبل أن يحدث هذا الانفجار ويفوت الأوان، أن تتحرك القوى التونسية بمسؤولية وأن تتوافق حول برنامج أدنى للإنقاذ وتساند حكومة لتقوم بها المشروع، وهذا هو ما نسعى إليه كل يوم في جبهة الخلاص الوطني.
مونت كارلو الدولية