موقع المغرب العربي الإخباري :
تعيش تونس هذه الأيام على وقع صفيح ساخن، حيث تحوّلت ذكرى الاحتفال باندلاع شرارة ثورة الياسمين إلى مناسبة للاحتجاج والتعبير عن المواقف السياسية من المسار الذي اتخذه الرئيس، قيس سعيد.
ويوم أمس وتزامنا مع احياء الذكرى الحادية عشر لاندلاع الثورة في 17 ديسمبر/كانون الأول من سنة 2010، خرج المئات من التونسيين في مسيرات جابت الشارع الرمز “شارع الحبيب بورقيبة” وسط العاصمة، إما للاحتجاج على الاجراءات التي اتخذها الرئيس، قيس سعيد، بوصفها انقلابا على الدستور وعلى مكاسب الثورة، وإما للتعبير عن مساندتهم لمسار 25 من يوليو باعتباره مسارا تصحيحيا وللمطالبة بمحاسبة من تسببوا في خراب البلاد خلال العشرية الأخيرة على حد تعبيره.
وانتقد متظاهرون من الشق الأول المعارض للرئيس تطويق شارع الحبيب بورقيبة بالحواجز الحديدية ومنعهم من التظاهر والتعبير عن مواقفهم، مقابل السماح لمساندي الرئيس بالتظاهر والولوج إلى شارع الثورة.
كما احتج أنصار مبادرة “مواطنون ضد الانقلاب” على أقدام قوات الأمن على فض اعتصامهم المفتوح وإزالة شعاراتهم ورفع الكراسي ومنعهم من نصب الخيام في شارع الحبيب بورقيبة.
وأطلقت قوات الأمن التونسية ظهر اليوم، الغاز المسيل للدموع من أجل إجبار المتظاهرين على فض الاعتصام المفتوح الذي دخل فيه أنصار “مواطنون ضد الانقلاب” منذ يوم أمس بهدف “إنهاء الانقلاب على الدستور”.
مصادرة حق التظاهر
وفي تصريح لـ “سبوتنيك”، قال الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي: “في ذكرى اندلاع الثورة التي حاول رئيس الجمهورية إعادة كتابة تاريخها، عادت الدولة التونسية ليس فقط إلى الوراء وإنما إلى مربع الاستبداد”.
وأكد الشابي أن قوات الأمن منعت أمس الأحزاب الديمقراطية مثل الجمهوري والتيار الديمقراطي والتكتل والشخصيات الوطنية والنواب والمواطنين والمناضلين ووزراء سابقين من دخول شارع الثورة، رغم أنهم سلكوا الدرب القانوني وأعلموا الجهات الأمنية في الآجال المحددة باعتزامهم احياء ذكرى اندلاع الثورة في شارع الحبيب بورقيبة.
وتابع “في كل عام يفتح هذا الشارع للمواطنين من مختلف الأطياف للتعبير عن آرائهم، ولكننا فوجئنا هذه المرة بجحافل من البوليس تعترض طريقنا وتسد كل المنافذ المؤدية إلى شارع الحبيب بورقيبة الذي خصصته وزارة الداخلية لأنصار الرئيس قيس سعيد ومكّنتهم من التواجد أمام المسرح البلدي رغم أن أعدادهم ضئيلة”.
ويرى الشابي أن القوات الأمنية اتخذت المسيرة التي يقودها أنصار قيس سعيد كتعلة لإقصاء المعارضة، منتقدا ما تعرض له أنصار مبادرة “مواطنون ضد الانقلاب” الذين تم استبعادهم إلى أقصى الطرف الآخر من الشارع ومنعم من الاعتصام.
واعتبر المتحدث أن رئيس الجمهورية أقام أمس الدليل بصورة نهائية على أن الدستور الذي أوصله إلى الحكم وأقسم على احترامه أُلغي نهائيا، رغم تأكيداته المتكررة بأنه متمسك بباب الحقوق والحريات.
“المحاسبة أولوية”
على الجانب الآخر، يطالب سياسيون وناشطون في المجتمع المدني ومساندون لحراك 25 يوليو الذي أطلقه رئيس الجمهورية، بمحاسبة المنظومة السابقة التي حكمت البلاد طيلة العشرية الأخيرة التي تلت الثورة وعلى رأسها حركة النهضة.
وفي الصدد، شدد الناطق الرسمي باسم حزب التيار الشعبي، محسن النابتي، في حديثه لـ “سبوتنيك”، على ضرورة تنقية المناخ السياسي ومحاسبة المنظومة الحاكمة التي أجرمت في حق الشعب التونسي سواء في قضايا الإرهاب والتسفير أو تدمير الاقتصاد ونهب ثروات الشعب.
تجاوزات بالدليل
وقال النابتي إن الأدلة والقرائن التي تثبت تورط عدد من الأحزاب السياسية وعلى رأسها حركة النهضة عديدة، مضيفا أن قضية الاغتيالات السياسية أثبتتها القرائن التي قدمتها هيئة الدفاع عن الشهيدين محمد البراهمي وشكري بالعيد طيلة الثماني سنوات المنقضية.
وتابع “هذه القرائن تدعّمت لاحقا بتقرير التفقدية العامة لوزارة العدل الذي أثبت تواطأ رئيس النيابة العمومية القاضي بشير العكرمي المحسوب على حركة النهضة في إخفاء 4 آلاف ملف إرهابي في خزائن المحاكم والتستر على مثل هذه العمليات، وهو تقرير صادر عن جهة رسمية”.
وشدد النابتي على أن موضوع الجهاز السري لحركة النهضة واختراقها لأجهزة الدولة الرسمية والسيادية مثبت بالوثائق الموجودة في المحاكم والتي تطال حتى رئيس الحركة راشد الغنوشي، مشيرا إلى أن رأس التنظيم السري “مصطفى خذر” معتقل لدى المحاكم التونسية منذ ما يزيد عن الخمس سنوات، منتقدا عدم تقدم هذا الملف.
ولفت النابتي إلى خروقات أخرى للمنظومة السابقة، منها مسألة تزوير الانتخابات وعقود اللوبينغ الخارجي، قائلا “تقرير محكمة المحاسبات أثبت تلقي أحزاب النهضة وقلب تونس وعيش تونسي أموالا خارجية استخدمت في الحملات الانتخابية، كما أن وزارة العدل الأمريكية نشرت وثائق أماطت اللثام عن 3 عقود لوبينغ لحركة النهضة، وهي جريمة يعاقب عليها القانون التونسي بحل الحزب نهائيا ومحاكمة قيادته”.
ويرى النابتي أن قائمة الجرائم التي ارتكبتها المنظومة السابقة لا تحصى ولا تعد، وخاصة منها مسألة تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر وتوطين الإرهابيين في تونس من خلال بيع الجنسية التونسية لهم واستخراج مضامين ولادة مزورة، فضلا عن الفساد المالي الكبير.
تطهير القضاء
بدورها، قالت الناشطة السياسية نادية الخليفي، إن المرحلة تستوجب تطهير المناخ السياسي من كل التجاوزات التي أدت إلى خراب البلاد وأوصلت تونس إلى هذه المرحلة الصعبة.
واعتبرت الخليفي أن جزءً من القضاء في تونس هو في خدمة المصالح الضيقة ويتستر على المفسدين والأثرياء وأصحاب المال والنفوذ ورجال الأعمال، وهو ما يفسر عدم محاسبة الأحزاب التي وثّقت التقارير الرسمية تورّطها في تلقي تمويلات أجنبية خلال الانتخابات الفارطة على غرار حزب حركة النهضة وقلب تونس، وفقا لقولها.
ويذكر أن الرئيس التونسي قيس سعيد قد وجّه في أكثر من خطاب انتقادات لاذعة للقضاة الذين اتهمهم بالمحسوبية والانحياز والتورط في تجاوزات وقضايا فساد والعمل لمصلحة أطراف بعينها، مشددا على أن “تطهير البلاد لا يكون إلا بتطهير القضاء”.
المصدر سبوتنيك
انسخ الرابط :
Copied