أدت أزمة النفايات في محافظة صفاقس جنوبي تونس إلى احتقان اجتماعي كشف عن ضرورة إعطاء أهمية قصوى للوضع البيئي في البلاد، كونها أولوية مهمة تطرح مخاوف صحية وبيئية ومناخية.
تابعوا تطبيق “عرب ٤٨”… سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات
وتشهد مدينة عقارب في صفاقس، منذ أسبوع، احتجاجات شعبية رفضا لقرار حكومي بإعادة فتح مكب نفايات بالمدينة.
ففي أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي، جرى إغلاق المكب؛ إثر احتجاجات على رمي نفايات كيميائية في الموقع المخصص للنفايات المنزلية.
لكن في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، قررت الحكومة إعادة فتح المكب، بعدما تسبب إغلاقه في تراكم آلاف الأطنان من النفايات بالشوارع والأسواق، ما دفع الآلاف للاحتجاج في صفاقس، أكبر مدينة اقتصادية جنوبي البلاد.
وعامة، تواجه تونس، البالغ عدد سكانها نحو 12 مليون نسمة، صعوبات في معالجة القمامة، وهي تطمر أو تحرق غالبيتها، بينما يعاد تدوير كمية صغيرة، وفق منظمات معنية.
هذه الأزمة تدق اليوم ناقوس الخطر بشأن مشكلة تلوث بيئي ومناخي ربما تحتل المرتبة نفسها من حيث الأهمية مع الوضع السياسي والاقتصادي المتأزم أيضا في البلاد.
وقد تخلف الأزمة على المدى البعيد والمتوسط أمراضا خطيرة، ما يفرض اليوم حلولا واستراتيجيات واضحة، بحسب نشطاء في مجال البيئة يحذرون من خطورة الوضع البيئي في تونس.
إستراتيجيات خاطئة
حسام حمدي، ناشط بيئي، قال “للأناضول” إن “إستراتيجية استغلال المصبات في تونس كانت خاطئة منذ التسعينيات، فعملية ردم النفايات غير صحية، خاصة وأننا لا نعرف طبيعة المواد المصنعة منها”.
وأضاف أن “العمليّة تواصلت في العشرية الفارطة، وهو ما خلّف تراكمات، وكنا نتوقع جيدا ما نعيشه اليوم من استفحال لأزمة المصبات والنفايات”.
وتابع: “أزمة تفرض علينا اليوم إعادة طرح الموضوع بجدية وإيجاد إستراتيجية وطنية واضحة للتصرف في النفايات وعدالة بيئية في كل الجهات والمناطق، وضبط إستراتيجية أكثر جدوى من حيث التفكير في المردودية الاقتصادية والصحية”.
ورأى حمدي أن “أهم ما يمكن التركيز عليه اليوم هو العمل على تقليص النفايات، فهناك منتجات دخيلة غير قابلة للتثمين (المعاجلة) تغزو أسواقنا ويمكن التخلي عنها”.
وزاد بأن “التثمين هو آخر مرحلة وحتى ينجح يجب القيام بعملية الفرز الانتقائي بطريقة صحيحة.. كمجتمعات نامية ليست لنا إستراتيجية جيدة لتثمين النفايات”.
وأردف: “الدولة اليوم تنفق مصاريف كبيرة لفائدة شركات متخصصة في ردم النفايات، فيما نحاول أن يكون التثمين قاطرة للتنمية يوفر فرصًا وموارد أوفر للدولة”.
واعتبر أن “عدم وجود إمكانيات للتثمين يعتبر حجج واهية، فمشاكل فساد تحوم حول وزارة البيئة، ويجب على الدّولة أن توفر إمكانيات لتحويل هذه النقمة (النفايات) إلى نعمة”.
تنمية صديقة للبيئة
وحث حمدي السلطات على “الاستماع لكافة الخبراء في مجال تثمين النفايات وتشريك كافة الأطراف، فالموضوع لا يقتصر على وزارة البيئة، بل يشمل كل المتدخلين، ويجب وضع إستراتيجية وطنية لتحويل المشكل إلى حل”.
وأردف أن “المشكل الأساسي هو غياب منوال (مخطط) تنموي واضح في تونس، ففي عشر سنوات لم تُحل مشاكل البيئة والنفايات، ويجب ضبط منوال تنموي يراعي صحة التونسيين ويكون صديقا للبيئة، وهذا ما يكفله الدستور”.
واعتبر أن “الوضع البيئي هو العمود الأساسي لأي وضع اقتصادي أو اجتماعي، فبدون بيئة سليمة لا يمكن تقديم اقتصاد سليم”.
وأفاد بأن “نحو 95% من النفايات قابلة لتكون ثروة وتكون قابلة لإعادة التثمين، لكن العكس يحصل، وهو معاجلة النفايات بطريقة غير بيئية”.
مشكلة مؤرقة
ووفق بدر الدّين جمعة، نّاشط بيئي، فإن “مشكل النفايات في تونس أصبح موضوعا يؤرق، خاصة في غياب إستراتيجية واضحة، وتواصل المشكل سيجعل الدولة أمام نفس الوضعية التي حصلت في عقارب وجرادو وغيرها من المناطق”.
وأضاف جمعة “للأناضول” أن “تعاقب عدة مسؤولين على وزارة البيئة هو أحد الأسباب لعدم وجود إستراتيجية واضحة للتخلص من النفايات”.
وتابع: “يكمن المشكل في توفر مكان لردم النفايات على المدى القريب والمتوسط، وقد نجد أنفسنا في مواجهة ما حصل في عقارب في ظل عدم وجود حلول بديلة للمشكل البيئي”.
وعي المواطن
وقال جمعة إن “المقترحات التي طالما قدمها الخبراء في مجال البيئة، عالميا ووطنيا، هو الحد من إنتاج الفضلات من المصدر”.
وأوضح أن “ذلك يدخل في ثقافة المواطن وأيضا في المنتجات المصنّعة في البلاد، عبر الحد من إنتاج الأكياس البلاستيكية وبعض مواد التّعليب ودعم قدرات البلديات تقنيا وفنيا للاستعداد للإستراتيجية المستقبلية”.
ودعا إلى “العمل على وعي المواطن في سلوكه واستهلاكه وشراءاته للتقليص من إنتاج الفضلات، ومن ثم العمل على تثمين تلك النفايات عبر إنتاج الطاقة الكهربائية أو الغازات أو غيرها”.
وشدد على “ضرورة أن يخضع موضوع معالجة النفايات في تونس لدراسات معمقة حسب الثقافة الاستهلاكيّة بالبلاد وملاءمة الحاجات لإيجاد حلول تتوافق مع خصوصية المجتمع”.
واستطرد: “المواطن حلقة مهمة في أي منظومة، لكن الأهم هو الإرادة السياسية التي ستضع الإستراتيجية إضافة إلى التشريعات التي ستسهل ذلك”.
ورأى أن “مجال التعامل مع الفضلات ليس في منأى عن الفساد، وهناك أطراف (لم يسمها) استفادت من هذا المشكل”.
وزاد بأن “شركات استغلال المصبات ونقل وردم الفضلات ليست سوى حلولا وقتية تخلت عنها عدة دول، بالإضافة إلى أن الدولة توفر لتلك الشركات اعتمادات (مالية) كبيرة للقيام بهذه العملية (الرّدم)”.
واعتبر أن “ما عرفته مدينة عقارب من أزمة نفايات ما هو إلا جرس إنذار ينبئ بمشكل بيئي يستوجب حلولا عاجلة وعلى المدى البعيد وليست معالجة سطحية ووقتية”.
وأردف: “تونس جميلة وبها تنوع بيولوجي ومعروفة بالسياحة البيئية وبمناطقها الخضراء ومن المؤسف أن لا يُحل موضوع بهذه الخطورة في القريب العاجل بإستراتيجيات تراعي الحفاظ على البيئة”.
وخلال لقائه نشطاء مجتمع مدني في عقارب، الخميس، تعهد الرئيس التونسي، قيس سعيد، بإيجاد “حل قريب” لأزمة مكب النفايات.
فيما اقترح وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية محمد الرقيق، الأحد، أن تخصص وزارته قطعتي أرض في صفاقس كحل مؤقت لأزمة النفايات في المحافظة.
وأمس الإثنين، شارك مئات في مسيرة احتجاجية بمدينة المحرس في صفاقس؛ رفضا لمقترح السلطات إقامة مركز لمعالجة النفايات في المدينة.
ووفق وكالة التصرف في النفايات، التابعة لوزارة البيئة، فإن تونس تنتج سنويا نحو 2.5 مليون طن من النفايات المنزلية، تُلقى في مصبات مرخص لها قانونيا وعددها 11.
وتبلغ نسبة المواد العضوية في النفايات المنزلية نحو 68%، والبلاستيك 11%، والورق 10%، والبقية عبارة عن معادن وجلد ومطاط وقماش.
فيما تٌقدر كمية النفايات الصناعية بحوالي 250 ألف طن سنويا، بحسب الوكالة، وتوجد في تونس مصبات عشوائية غير معلوم عددها.
المصدر عرب 48