موقع المغرب العربي الإخباري :
يعتبر قانون تمجيد الاستعمار الفرنسي الذي أقره البرلمان الفرنسي بتاريخ 2فيفري/شباط 2005م، وصمة عار على جبين فرنسا الاستدمارية، وكذلك رسالة سياسية واضحة للسلطات في الدول التي خضعت للاحتلال الفرنسي مفادها أن باريس لا تخجل أبداً من تاريخها وماضيها الاستعماري الذي يمتد لحوالي قرنين من الزمن، والذي تعتبره فرنسا أرثاً تاريخياً ونقطة مضيئة وناصعة البياض في تاريخ الإنسانية وحضارتها، حيث أن هذا القانون ينص صراحة على أن تمتدح المقررات الدراسية الدور الايجابي للاستعمار الفرنسي، كما ذكر موقع Swiss inf.info ، بتاريخ 22ديسمبر/كانون الأول 2005م في مقال بعنوان (قانون فرنسي يصدم النخب الفرنسية في بلدان ومناطق وراء البحار).
هذه البلدان المستعمرة كانت جزءاً من الإمبراطورية الفرنسية التي كانت المنافس الرئيسي للإمبراطورية الانجليزية في استعباد الشعوب وقتلها وتشريدها ونهب ثرواتها، والتي لا يماثلها في العصر الحديث إلاّ الكيان الصهيوني المجرم، فهذا القانون الذي جاء تحت رقم 158.2005، المتعلق بعرفان الأمة والمساهمة الوطنية لفائدة المرحّلين وأهمل وأغفل عمدا ً الممارسات الاّ انسانية، وطمس الهوية والدين والتاريخ وجرائم التنكيل، والتعذيب التي ارتكبتها فرنسا عن سبق الاصرار والترصد في كل الشعوب التي احتلتها، ومنها الشعب الجزائري، كما ذكر موقع TRTعربي بتاريخ 30أكتوبر/تشرين الأول 2021م في مقال بعنوان( فرنسا أيديولوجية تمجيد الاستعمار والهروب من الاعتراف بالجرائم).
فالسّياسة الفرنسية وحتى بعد أن انسحبت فرنسا من مستعمراتها السّابقة بعد أن أصبح بعضها جزءاً من الدولة الفرنسية كغويانا الفرنسية التي تقع على الساحل الشمالي لأمريكا ولها حدود برية مع البرازيل وسورينام، وهي أحد أقاليم فرنسا الواقعة فيما وراء البحار، وعملتها هي اليورو، لم تتغير بل بقية محافظة على أساسياتها، والتي من بينها عدم قطع صلتها مع مستعمراتها السّابقة، هذا القانون والذي يؤكد في بنوده أن دولاً مثل الجزائر، كانت أحد الأقاليم الفرنسية طوال 130سنة، ويجب استرجاعها مهما طال الزمن، والتدخل في شؤون هذه الدول، ومحاولة تمثيلها في المحافل الدولية، بطريقة غير مباشرة، ومعاملتها وكأنها لا تزال ضمن نطاق النفوذ الفرنسي، وخاصة في مجلس الأمن الدولي، والتصويت دوماً ضدّ كل القرارات التي تحاول فيها الدول التي تمتلك حق الفيتو كروسيا و أمريكا إدانة الجرائم التي يرتكبها حكامها ضدّ شعوبهم، وخاصة في القارة الأفريقية .
والشيء الذي يتفق عليه معظم السّاسة الفرنسيين سواء كانوا في السلطة أو المعارضة، هو تمجيد الاستعمار الفرنسي ، باعتباره المدخل الذي استعملته فرنسا في تطوير الشعوب البدائية، التي استعمرتها واخراجها من ربق الجهل والتخلف والظلامية، الفكرية والمعرفية، إلى نور الحضارة الغربية والتمدن والرقي، بل تتباهي هاته النخب اللائكية بذلك، وعلى رأسها مارين لوبان التي قالت: بأن بلادها احتلت بلداناً أخرى، إلى جانب الجزائر ليس من أجل استعمارها ونهب ثرواتها، بل من أجل نشر الثقافة الفرنسية وأبجدياتها فيها، وقد سبقها في ذلك الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولاي ساركوزي، قبل سنوات عندما قال: بأن الاستعمار الفرنسي للجزائر شكل أضافة حضارية، وبأن حزبه تبنى قانون تمجيد الاستعمار الفرنسي، المعروف بقانون فيفري/شباط 2005م. كما ذكر موقع الجزيرة، بتاريخ 20أفريل/نيسان 2017م في مقال بعنوان( لوبان: الاحتلال الفرنسي حقق للجزائر مكاسب كثيرة).
عقدة الجزائر
قد يختلف السّياسيون في فرنسا على برامجهم الانتخابية أو اختلاف مذاهبهم ومشاربهم الفكرية والفلسفية والأيديولوجية، ولكنهم متفقين جميعاً، بما فيهم الرئيس الحالي ماكرون وخصمه في انتخابات الرئاسة في 2017م، فرانسوا فيون الذي كان مرشح الجمهوريين واليمين والوسط في تلك الانتخابات، أو خصمه الحالي إريك زامور على عداءهم الشديد للجزائر، بكل ثقافتها وحضارتها وتاريخها العريق، ومحاولتهم الدائمة التقليل من جرائمهم الوحشية، التي راح ضحيتها الملايين من العزل الأبرياء طوال قرن ونيف، والايحاء بأن التواجد الفرنسي في هذا البلد لم يكن الهدف منه تدميره أو احتلاله أو استيطانه أو استئصال شعبه، كما فعل الأمريكان والبرتغاليين والاسبان بشعوب الأنكا لاكاتا في قارة أمريكا(الشمالية، الوسطى، والجنوبية)، بل الهدف كان مساعدة الشعب الجزائري على التخلص من الاحتلال العثماني، الذي دام حوالي 5قرون كاملة، وجعل الاستعمار الفرنسي الجزائر مثالاً حضارياً مشرفاً يحتذى به في القارة السمراء.
ولكن بالرغم من رحيل فرنسا عن هذا البلد منذ أزيد من نصف قرن من الزمن، ولكن لا تزال النخب الفرنسية تحلم باستعادة تلك الجنة المفقودة مجدداً، والتي كانت تمول كل أوروبا تقريباً بالحبوب والخضر والفواكه في القرن19م، وكانت تعتبر من أهم المستعمرات الفرنسية من الناحية الجيوسياسية، فالجيش الفرنسي الذي كان أحد جيوش الحلفاء التي هزمت هتلر في الحرب العالمية الثانية، فشلت في هزيمة ثلة من المجاهدين الجزائريين الذين حاربوه بسلاح كان يعتبر بدائيا إذا ما قورن بالسلاح الفرنسي المتطور، واستعانت فرنسا بحلف الناتو الذي قصفت طائراته المتقدمة معاقلهم في الجبال وأحرقت قرى ومداشر بأكملها وخاصة في جبال جرجرة ومنطقة القبائل، وخرج هذا الجيش الذي لا يقهر يجر أذيال الخيبة والهزيمة المرة، خسر خلالها مئات الآلاف من جنوده، بالإضافة لعشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين في صفوفه.
وتأكيداً على أن الجزائر كانت ولا تزال محور الاهتمام الفرنسي، فإن الإعلام الفرنسي يخصص مساحة واسعة في صفحات جرائده أو حصصه التلفازية، للحديث عن أخر المستجدات التي تحدث في الجزائر، و النفوذ الفرنسي في الجزائر لا يزال قوياً ولا تزال فرنسا قبلة كل المرشحين لدخول قصر المرادية، ولا ينكر أحد أن هذا اللوبي من يقف دوماً ومنذ سنة 2010م، لإجهاض مشروع تجريم الاستعمار الفرنسي للجزائر، ولأربع مرات متتالية، هذا اللوبي المتغلغل في أجهزة الدولة المختلفة، وأحزابها الرئيسية كحزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، وهي من أبرز الأحزاب التي أسقطت هذا المشروع في المناقشات البرلمانية لأن معظم قادتها مرتبطين بفرنسا، وأبرز مثال على ذلك هو عمار سعيداني الأمين العام السّابق لحزب جبهة التحرير الوطني، والذي بقيم حالياً في باريس، أو خلفه الحالي أبو الفضل بعجي الذي أجهض عدة محاولات قام بها نواب محسولين على حزبه لتمرير قانون تحريم الاستعمار الفرنسي في البرلمان.
وقد كانت فرنسا ولا تزال العقبة الرئيسية أمام نهضة الجزائر، وهي التي تقوم كل سنة بتكريم عملاءها، الذين فروا معها بعد استقلال الجزائر، والمعروفين لدى عموم الشعب الجزائري بالحركى، والذين تجاوز عددهم 500ألف، في رسالة ضمنية للعالم أجمع، بأن فرنسا الاستعمارية لن تنسى مطلقاً الخدمات الجليلة التي قدمها هؤلاء، وهم الذين باعوا وطنهم الأم وتخلوا عن كل شيء من أجلها، بالتأكيد لن تتخلى عن الجزائر، وستعمل جاهزة وبكل السبل والوسائل الممكنة لاسترجاعها، فهي لن تنسى هزيمتها المذلة على يد رجالاتها في الماضي، وتعمل على ردّ الصاع صاعين من خلال إعادة احتلالها عسكرياً كما يفكر صناع القرار فيها مستقبلاً.
المصدر رأي اليوم
انسخ الرابط :
Copied