نفت الجزائر على لسان مصادر دبلوماسية، أن يكون لها ضلع في اعتقال زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، واعتبرت أن هذه الأخبار موجهة من المخابرات المغربية، لمحاولة إظهار الجزائر على أنها تتدخل في شؤون جيرانها الداخلية.
وقالت هذه المصادر التي تم تداول تصريحاتها بشكل متزامن وعلى نطاق واسع في وسائل الإعلام الجزائرية الكبرى، إن قضية راشد الغنوشي شأن داخلي في تونس، بينما “سياسة ومبادئ الجزائر معروفة ولم تتغير، وهي عدم التدخل في شؤون الدول الصديقة والشقيقة”.
وجاء حديث المصادر الدبلوماسية الجزائرية، ردا على ما نشره الموقع الفرنسي “مغرب إنتليجنس” الذي يتهمه الإعلام الجزائري بالتبعية للمخابرات المغربية، والذي زعم في مقال له أن “الجزائر كانت على علم مسبق بقرار السلطات القضائية التونسية توقيف الغنوشي في إطار صفقة سرية بين الرئيسين عبد المجيد تبون وقيس سعيد”.
وفي هذا المقال، يذكر “مغرب إنتلجنس” أن القصر الرئاسي في قرطاج، أرسل مراسلات وأجرى اتصالات مع الرئيس الجزائري وحكومته لإطلاعه على خطة اعتقال رئيس حركة النهضة. وتوصل الطرفان، بحسب زعم صاحب المقال، إلى “صفقة تتمثل في إلقاء القبض على راشد الغنوشي بسرعة، ومن ثم توجيه الاتهام إليه رسميا أمام محكمة تونسية من أجل تبرير اعتقاله في نهاية المطاف، مع التزام قيس سعيد بضمان معاملة جيدة جدا لزعيم النهضة تليق برتبته كشخصية سياسية بارزة في تونس والتعهد بعدم الإبقاء على راشد الغنوشي في السجن طويلاً وعدم إصدار أي إدانة جنائية شديدة بحقه، وذلك ضمن هدف أبعد هو السماح لقيس سعيد بتحييد حركة النهضة وتعليق أنشطتها السياسية دون إذلال قيادتها الوطنية أو إلحاق الأذى بزعيمها الأول مما قد يعرض حالته الصحية للخطر”.
ووفق ما ذكرته المصادر الدبلوماسية الجزائرية، فإن الجزائر “قررت وبصفة رسمية مقاضاة موقع مغرب إنتليجنس الذي تسيّره المخابرات المغربية ومقاضاة كاتب المقال والذي يهدف من وراء مقاله إلى خدمة أجندة المغرب بالمنطقة”.
ولا يخرج ما نشره هذا الموقع وفق القراءات الجزائرية، عن الدور المغربي الذي يريد الوقيعة بين الجزائر والرأي العام التونسي المعارض لسياسات قيس سعيد، لمحاولة حشر الجزائر في الزاوية ونزع المصداقية عن موقفها المعلن بعدم التدخل في الشأن التونسي. وهذه الاستراتيجية المغربية، بحسب تحليلات الإعلام الجزائري، تعود لكون المغرب خسر العلاقة مع قيس سعيد بعد حادثة استقبال زعيم جبهة البوليساريو في تونس من قبل الرئيس التونسي في قمة “تيكاد”، لذلك فهو يحاول الإيهام بأن الجزائر هي من تحرك قيس سعيد من وراء الستار، وبالتالي تسجيل نقاط على خصومها المشتركين في المنطقة، الجزائر والرئيس التونسي.
وسبق للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن تحدث بما يشبه ذلك، عندما ذكر أن تونس مستهدفة، واعتبر أن المشاكل بدأت عندما استقبل الرئيس التونسي زعيم جبهة البوليساريو. وقال في تصريحاته لـ”الجزيرة بودكاست”، إن الضغوطات الخارجية على تونس تنطوي على الكثير من الخبث.
ورغم تأكيد الجزائر الدائم على أعلى مستوى أنها ترفض التدخل في شؤون جارتها الشرقية، إلا أنه في كل مرة يتكلم الرئيس عبد المجيد تبون عن دعم الجزائر لتونس، ودعوة الفاعلين فيها للحفاظ على بلادهم، تظهر تأويلات في الساحة التونسية للحديث عن مساندة جزائرية لسياسة قيس سعيد. وبات مألوفا دعما لشكوك الإعلام الجزائري، سماع تصريحات لشخصيات سياسية تونسية تُحمّل الجزائر جانبا من أزمة بلادها، وهي في الوقت ذاته، تبدي ولاء صريحا للمغرب فيما يخص قضية الصحراء الغربية وغيرها.
ومنذ اعتقال الغنوشي، التزمت الجزائر رسميا الصمت ولم تعلق على هذا الموضوع، على الرغم من دعوة شخصيات وأحزاب إسلامية في البلاد، السلطات لعدم “النأي بالنفس”، وهو ما يشير من جانب آخر إلى عدم وجود إجماع حتى في الساحة الجزائرية حول طريقة التعامل مع قيس سعيد في ظل تسارع الأحداث في تونس، وتداخل المصالح الأجنبية في المنطقة.
وقال عبد الرزاق مقري، الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم الجزائرية، وأبرز الشخصيات الإسلامية في البلاد، إن “اعتداء قيس سعيد والقوى الداخلية والخارجية التي يعمل معها والتي تستعمله ضد حركة النهضة والشيخ راشد الغنوشي، تجاوز كل الحدود، وهذا السلوك يمثل خطرا داهما ليس على استقرار تونس فقط، بل على الجزائر والمنطقة كلها”.
وأبرز مقري أن “راشد الغنوشي كان دائما صديقا للجزائر وهو قد ضحى بعلاقات إقليمية ودولية حساسة من أجل وقوفه مع الجزائر، في هذه الفترة التي كثر فيها المتآمرون عليها”، على حد قوله. ولفت إلى أن عبارة ” الشقيقة الكبرى” المقصود بها الجزائر، كانت حركة النهضة هي التي أطلقتها حتى صارت مصطلحا سياسيا دارجا في منطقتنا، كما أن حلفاء قيس سعيد، ليسوا أصدقاء للجزائر بل مُناهم إضعاف بلدنا وضرب استقراره”.
واللافت أنه منذ صعود الرئيس عبد المجيد تبون إلى الحكم، تغيّرت طريقة تعامل السلطات الجزائرية مع زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، بعد أن كان الأخير يحظى في وقت الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة بمعاملة شبه رئاسية، حيث كان يزور باستمرار الجزائر ويحظى بمقابلة الرئيس شخصيا، وكان من الشخصيات النادرة التي يُسمح لها بذلك، في ظل مرض الرئيس الراحل الذي أقعده عن الحركة والكلام.
القدس العربي