شرعت الجزائر بعد أسبوع من مصادقة البرلمان الأوروبي على لائحته ضد الجزائر، في التمييز بين شركائها في القارة العجوز وتمحيص الصديق من الشريك المشكوك فيه، ويمكن الوقوف على هذه المقاربة من خلال التطورات التي تم تسجيلها خلال الأسبوع المنصرم.
أولى هذه المحطات، كانت استقبال الجزائر لوزير الاقتصاد البرتغالي أونطونيو كوستا سيلفا، وتأكيده على أنّ الجزائر تعتبر شريكًا ذا مصداقية في مجال الطاقة، وقبل ذلك كان الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، عمار بلاني، قد استقبل السفير البرتغالي بالجزائر، لويس دي ألبوكويركي فيلوسو.
وتعتبر البرتغال من الدول الأوروبية الشريكة للجزائر، وهي من الزبائن الكبار للجزائر في مجال الطاقة ولا سيما الغاز، فالجزائر تسيطر على نحو 82 بالمائة من احتياجات هذا البلد الأوروبي من الغاز، وذلك انطلاقا من أنبوب “ميدغاز” الذي يربط الجزائر بإسبانيا دون المرور على التراب المغربي، قبل أن يلتقي مع شبكة خطوط الغاز البرتغالية.
الوزير البرتغالي حظي باستقبال من قبل الوزير الأول، أيمن بن عبد الرحمن، ووزير الصناعة والإنتاج الصيدلاني، علي عون، الذي ترأس رفقة نظيره البرتغالي، الدورة السادسة لفريق العمل المشترك للتعاون الاقتصادي الجزائري البرتغالي، والتي شهدت تقييما للتعاون الثنائي.
وخلال اللقاء، أعرب الوزير علي عون عن “مدى تميز العلاقات الثنائية التي تجمع البلدين، وسبل تطويرها عبر تفعيل عمليات تعاون في المحاور الاستراتيجية الكبرى خاصة فيما تعلق بتكنولوجيا المعلومات والاتصال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وكذا الناشئة، إلى جانب الطاقات المتجددة والعديد من القطاعات الأخرى”.
فيما اعتبر الوزير البرتغالي الزيارة “فرصة ممتازة لمناقشة أجندة التعاون الثنائية”، مؤكدا على أن “الجزائر شريك اقتصادي مهم ذو مصداقية كبيرة، وبلاده مستعدة لتفعيل سبل التعاون والشراكة مع الجزائر خاصة في مجال الطاقة المتجددة، وتطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة”.
ويشكل انعقاد الدورة السادسة لفريق العمل المشترك للتعاون الاقتصادي الجزائري البرتغالي، رسالة للدولة الإيبيرية الأخرى، إسبانيا، مفادها أن استمرار النهج الذي سارت عليه حكومة بيدرو سانشيز، سيفقدها ما تبقى من مصالحها في الجزائر، على اعتبار أن مدريد وروما يلتقيان في الكثير من مصالحهما مع الجزائر.
المحطة الثانية، تمثلت في إقدام الحكومة الإيطالية على فتح مكتب تأشيرة لها في تندوف، حيث يوجد مقر الحكومة الصحراوية ومخيمات اللاجئين الصحراويين، وهو المركز القنصلي الذي وجه لخدمة الجزائريين والموريتانيين واللاجئين الصحراويين، بحضور مسؤولين جزائريين، والسفير الإيطالي، جيوفاني بوجليز، الذي وجه إشارات بليغة مفادها: “هناك أيضا تاريخ مهم من التضامن مع القضية الصحراوية”.
وتعتبر إيطاليا أول دولة تفتح مركزا قنصليا في المدينة التي تأوي مقر الحكومة الصحراوية ومخيمات اللاجئين الصحراويين، وهو القرار الذي يأتي منسجما مع المستوى الذي وصلت إليه العلاقات الجزائرية الإيطالية خلال السنتين الأخيرتين، والتي أصبحت بموجبها روما، موزعا حصريا للغاز الجزائري في القارة الأوروبية.
وخلال حفل التدشين، تم التأكيد من الجانب الإيطالي على أن اختيار تندوف جاء كتجربة رائدة لتسهيل إجراءات “السفراء الصغار من أجل السلام”، وهي مبادرة شبيهة بالبرنامج الإسباني “عطلات في سلام”، حيث يحضر الإيطاليون لاستقبال نحو 250 طفل صحراوي، من قبل الجمعيات والعائلات الإيطالية.
فيما ينظر الجانب الجزائري إلى إيطاليا على أنها “بلد صديق كان حاضرا دائما في أصعب الظروف وهو قبل كل شيء بلد يتمسك باستمرار بالمواقف المبدئية بشأن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، على عكس ما شهدناه للتو مع شركاء آخرين في المنطقة، أكثر خبرة في الازدواجية والحسابات الضيقة والأنانية”، كما جاء في تصريح سابق للرجل الثاني بوزارة الخارجية، عمار بلاني.
ويشكل إقامة الحكومة الإيطالية قنصلية في تندوف رسالة قوية لشركاء الجزائر وفي مقدمتهم فرنسا، التي تشهد العلاقات معها حالة من البرودة تجلت من خلال الانتقاد الذي وجهته لها وكالة الأنباء الجزائرية، في أعقاب تأييد نواب من حزب ماكرون للائحة البرلمان الأوروبي الأخيرة.
الشروق