مثّل التفاوت الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أبرز محاور دراسة أنجزتها مجموعة من الباحثين بإشراف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وطرحت أبرز أوجه التفاوت على مستوى التعليم والتشغيل والصحة، فضلاً عن الجباية والتحولات الاجتماعية، ولعل أهمها التفاوتات الإقليمية والجندرية، كما قدّمت توصيات من أجل حث السلطات على إيجاد منوال تنموي بديل للتقليص من تلك الهوة.
وكشفت الدراسة عن إدراك عدم المساواة في تونس خلال الأعوام الأخيرة، حيث يعتقد 63 في المئة من التونسيين أن التفاوت اتسع أكثر بين الفئات الاجتماعية. كما يظهر هذا الإحساس السلبي من خلال مؤشر السعادة ومؤشر الحراك الاجتماعي وعودة تصاعد الحركات الاجتماعية التي تعكس ارتفاع منسوب الغضب الشعبي، لا سيما في المناطق الداخلية.
مفارقات حقيقية
قال الباحث محمد منذر بلغيث، أحد معدّي الدراسة، إنها “تأتي في وقتها، بالنظر إلى ارتفاع الشعور بعدم المساواة وصعود الحركات الاجتماعية والسياسية والانتفاضات الشعبية في عدد من بلدان العالم، ومنها تونس”. وأضاف أن “الدراسة تغطي النقص في البحوث والبيانات الشاملة حول عدم المساواة لتزويد منظمات المجتمع المدني بأدوات تحليلية وحجج موضوعية من أجل إسناد أنشطتها في مجال المدافعة والمناصرة والتعبئة”.
من جانبه، أفاد الباحث عزام محجوب بأن “الدراسة سعت، بقدر الإمكان، إلى تسليط الضوء على أوجه عدم المساواة وفقاً للنوع الاجتماعي والفئات الاجتماعية والبعد الجغرافي بين المناطق، أي المناطق الداخلية الساحلية من جهة، والبيئات الحضرية الريفية من جهة أخرى، وأيضاً على مستوى الدخل والثروة”. وبحسب الدراسة، “تم التأكيد على ازدياد التفاوتات البينية داخل الجهات المختلفة، بخاصة في المدن الكبرى”.
أما عدم المساواة في مداخيل العمل، فشهد، بحسب محجوب، تزايداً كبيراً في القطاع الخاص. وإذ لا يزال تركيز الممتلكات الزراعية قائماً، فإن الأسر الفقيرة تواجه صعوبات كبيرة في الحصول على سكن لائق وتكوين رصيد عقاري، كما يتمركز إسناد القروض المصرفية بأيدي قليل من المنشآت، بما يشير إلى الطابع الريعي للاقتصاد التونسي.
وأضاف محجوب أنه “من المفارقات الحقيقية أن تونس تحتل وفق الدراسة المرتبة 20 عالمياً (من بين الدول التي يزيد عدد سكانها على 10 ملايين نسمة) في ترتيب متوسط الدخل السنوي للفرد الواحد، الذي يبلغ 8823 دولاراً، فهي بلد غني بالثروة، غير أنه فقير من حيث الدخل”.
منوال تنموي جديد
وبيّنت الدراسة عدم المساواة في فرص التعليم بتونس. فخلال الأعوام الأخيرة، تم تهميش الإنفاق على التنمية والاستثمار في التعليم العام، وفي المقابل، شهد التعليم الخاص تطوراً كبيراً، ما يزيد من الفجوات في التعليم من حيث الأداء والجودة. ويتسبب ذلك، بحسب الدراسة، في خلل بنسبة النجاح في البكالوريا (الثانوية العامة) على حساب أقل المحافظات حظاً، أي مناطق الشمال والوسط الغربيين، إذ تقلّ معدلات إتمام الدراسة الثانوية في خمسٍ من سبع محافظات في هذه المناطق عن 50 في المئة.
كما يظهر التفاوت، بحسب الدراسة، في مجال الصحة العمومية، إذ يبلغ معدل الأسرّة في المستشفيات العمومية بتونس العاصمة 61 سريراً لكل مئة ألف مواطن، مقابل 10 أسرّة فقط في محافظة سيدي بوزيد بالوسط الغربي للبلاد.
وسلّطت الدراسة الضوء على انعكاسات جائحة كورونا على النمو الاقتصادي والتشغيل ومزيد من تدعيم عدم المساواة، إذ كشف الوباء عن الصعوبات التي يواجهها نظام الصحة العامة في تلبية متطلبات الجائحة، بخاصة من خلال التفاوتات بين مناطق تونس في البنية التحتية، وفشل الحكومة في إدارة الأزمة الصحية، وهو ما برز جلياً خلال غضب التونسيين قبل 25 يوليو (تموز) 2021.
وقدمت الدراسة توصيات بهدف إيجاد حلول ووضع منوال تنموي جديد يقلص الهوة وعدم المساواة في تونس، وذلك على مستوى المداخيل الأولية، من أجل أجور دنيا كريمة وعادلة وتتطور بصفة حقيقية. أما على مستوى الاقتطاعات، فأوصت الدراسة بتحسين تصاعدية الأداءات وتوسيع القاعدة الضريبية. وحول الحماية الاجتماعية، دعت إلى إرساء أرضية وطنية لهذه الحماية، بما يتماشى مع توصيات منظمة العمل الدولية، لضمان توفير الحماية للجميع.
independentarabia