وضعت التطورات التي تعرفها منطقة شمال أفريقيا تونس في قلب المعادلة الأميركية، حيث تتكثف التحركات الدبلوماسية والعسكرية للمسؤولين الأميركيين بهدف تعزيز الشراكة التي تربطهم بتونس.
وفي الوقت الذي تبدو فيه المنطقة على رمال متحركة في ظل استمرار الاحتجاجات المنادية بالتغيير في الجزائر، وتطورات الملف الليبي على وقع تفاهمات جنيف السويسرية التي أفرزت سلطة انتقالية، تتحرك الولايات المتحدة لتعزيز تعاونها مع تونس.
ويرى مراقبون أن الحضور الأميركي المتزايد في تونس على ضوء تلك التحركات له أسباب عديدة في مقدمتها التصدي للإرهاب لاسيما في ظل الجهود التي تبذلها تونس في مكافحة الظاهرة، حيث حققت القوات التونسية الأمنية والعسكرية نجاحات هامة مؤخرا تمثل آخرها في اصطياد خمسة عناصر إرهابية وصفت بالخطيرة في غرب البلاد الأسبوع الماضي.
كما تسعى الولايات المتحدة إلى تحجيم النفوذ الروسي في ليبيا جارة تونس وكذلك في القارة الأفريقية التي تم إهمالها خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو ما يستدعي تعاونا أكبر مع الحلفاء على غرار تونس والمملكة المغربية التي تُعد كذلك شريكا قويا لواشنطن.
وانطلقت الجمعة مناورات عسكرية بين جيشي الطيران التونسي والأميركي ستستمر لستة أيام تهدف إلى تبادل الخبرات وتنمية المهارات في مجال مهام الدعم والاعتراض الجوي، بما يمكّن من تقاسم الخبرات في مجال التكامل، جو – أرض، والتمرّس عليه ومواكبة التقنيات الحديثة ورفع القدرات لمجابهة التهديدات، التقليدية منها والمستجدة وفقا لبيان نشرته وزارة الدفاع التونسية حول المناورات.
وأكدت الوزارة أن هذه التدريبات تأتي “تواصلا لبرنامج التعاون الذي تم إرساؤه منذ عدة سنوات مع الجانب الأميركي، وفي إطار برامج التعاون العسكري في مجال التدريب العملياتي مع بعض الدول الصديقة”.
واعتبر مختار بن نصر الرئيس السابق للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب في تونس أن “هناك تحولا في السياسة الأميركية في أفريقيا، مع الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن هناك التفاتة للقارة سواء بتحريك القواعد أو بدعم دول المنطقة في مكافحة الإرهاب”.
وتابع بن نصر في تصريح لـ”العرب” أنه “بالنسبة إلى تونس هناك برنامج كامل لتأهيل القوات التونسية، ولتكريس تعاون عسكري أكبر وهو تعاون تحتمه الصعوبات التي تشكو منها المنطقة بسبب مخاطر الإرهاب سواء في الساحل أو غيره، إلى جانب مخاطر تسلل عناصر إرهابية وهو ما رأيناه مؤخرا مثلا في عملية الشعانبي حيث قضت القوات التونسية على عنصرين جزائريين”.
وأوضح أن “الإدارة الأميركية تبدو من خلال هذه التدريبات أيضا وتحركاتها الأخرى وكأنها تسعى إلى استمالة دول شمال القارة الأفريقية لمواجهة التدخلات الخارجية في ليبيا سواء الروسية أو التركية أيضا”. وكانت الإدارة الأميركية السابقة بقيادة دونالد ترامب قد أهملت ليبيا ما فتح الباب بمصراعيه أمام التدخلات الأجنبية التي عكسها استعانة حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج سابقا بالمرتزقة السوريين والعرب وكذلك بالقوات التركية.
ولكن التعاون الأميركي – التونسي لم يقتصر على البعد العسكري فقط حيث أخذ مؤخرا منحى اقتصاديا أيضًا إذ تُراهن الحكومة التونسية برئاسة هشام المشيشي كثيرا على دور واشنطن لانتشال البلاد من أزمتها الاقتصادية الحادة.
وبالفعل وجدت تونس دعما سخيا من الولايات المتحدة في هذا الصدد، حيث منحت واشنطن مؤخرا تونس 500 مليون دولار لتمويل مشاريع وفقا لما أعلن عليه وزير المالية التونسي علي الكعلي، علاوة على دعم واشنطن للموقف التونسي في مفاوضاتها مع المانحين الدوليين على غرار صندوق النقد الدولي والبنك العالمي.
ورأى وزير الخارجية التونسية الأسبق أحمد ونيس أن الولايات المتحدة بصدد تقديم الدعم اللازم لتونس لدى المؤسسات الدولية المانحة مثل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي.
وشدد ونيس في تصريح لـ”العرب” على أن “الولايات المتحدة تتدخل وتتوسط لدينا من أجل كسب التعاطف مع تونس في مواجهة الأزمة المالية والاقتصادية التي نمر بها، وللولايات المتحدة دور مؤثر وهام في هذه المؤسسات لكن هذه التدخلات وخاصة التي يقودها السفير دونالد بلوم لا يمكن أن تكون بمعزل عن الشعور الأميركي بأن تونس غاضبة من إدارة بايدن وكذلك ترامب خاصة بسبب القضية الفلسطينية”.
وتعرف تونس أزمة اقتصادية حادة تزامنت مع أزمة سياسية أفضت إلى حدوث قطيعة بين رأسي السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية، قيس سعيد، ورئيس الحكومة هشام المشيشي).
ويُشير مراقبون في تونس إلى أن الولايات المتحدة باتت تتدخل لدفع فرقاء الأزمة على الجلوس على طاولة واحدة لإنهاء الخلافات خاصة بعد الاتصال الذي جمع نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس بالرئيس قيس سعيد الذي شدّدت فيه المسؤولة الأميركية دعم بلادها للديمقراطية التونسية ومؤسساتها في إشارة ضمنية لضرورة استكمال الهيئات الدستورية ولاسيما المحكمة الدستورية المعطلة منذ 2015.
وجاء ذلك الاتصال في أعقاب سلسلة لقاءات بين السفير الأميركي في تونس دونالد بلوم بأطراف سياسية وازنة في المشهد على غرار رئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي ورئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيسة الحزب الدستوري الحر المعارض عبير موسي وغيرهم.
وتنازع الولايات المتحدة فرنسا على النفوذ في تونس وهي مستعمرة فرنسية سابقة مستفيدة في ذلك من أخطار باريس على ما يبدو خاصة على المستوى الاقتصادي، إذ عاد الرئيس سعيد مؤخرا من فرنسا بعد مشاركته في قمة تمويل الاقتصادات الأفريقية بلا وعود تقريبا بشأن ديون تونس بخلاف ما حدث مع السودان الذي تم إلغاء ديونه من الجانب الفرنسي.
بقلم: صغير الحيدري
صحيفة العرب