بكل المقاييس تشكل تونس في اعقاب عشرية سوداء نموذجا حيا على التحول الحاصل في الحركة الصهيونية منذ قيام الربيع العبري من خلال استبدال المواجهة المباشرة باسلوب الاجتياح الناعم للنسيج الاجتماعيي و الاقتصادي للسيطرة على القرار الوطني من الداخل .. و فيما تتجه الانظار الى بوادر التطبيع الاقتصادي و الثقافي بين تونس و اسرائيل في الاونة الاخيرة فان الاخطر هو التمدد الاسرائيلي في شرايين المجتمع و النسيج الاقتصادي على مدى عقد من حكم الاخوان
مقاربة الاجتياح الاسرائيلي رهنت على هدغين محورين اولهما مسح الشخصية الوطنية بما في ذلك جذور الانتماء الى الحضارة العربية الاسلامية .. و ثانيهما التخريب الممنهج لمحركات الاقتصاد الوطني اعتمادا على اخطبوط التهريب و الارهاب الذي يتمتع بحماية سياسية مفضوحة
بالمحصلة فانه من خلال تواتر الاعلان دون خجل عن التطبيع الثقافي و التجاري و حتى الاكاديمي مع تل ابيب تكون تونس قد دخلت مرحلة اخطر وهي التعويم التي تعكس بدورها مدى التغلغل الاسرائيلي الحاصل في المجتمع و الاقتصاد عبر بوابتين كبيرتين اولهما منظومة الاقتصاد الموازي التي انتجت لوبي مالي يملك اضعاف ما تملكه خزائن الدولة و البنك المركزي .. و ثانيهما الانتقال الديمقراطي المزعوم الذي انتج دولة عاجزة هيكليا و ماليا و معرضة لمخاطر الاختراق تبعا لخيار المحاصصة او الغنيمة الذي فرضه الاخوان و دستور 2014 الذي لا يختلف في تداعياته عن قانون بريمر لتقسيم العراق
اثر اعلان الرئيس بن علي في القمة العربية بالقاهرة في مارس 2001 عن وقف كل اشكال التطبيع مع تل ابيب ردت عليه هذه الاخيرة باطلاق اجندا استهداف الدولة التونسية الذي بدا باول ظهور للارهاب كسر مفهوم ” واحة الامان ” الذي كان اهم ركيزة لتنافسية الاقتصاد التونسي و ذلك من خلال ضربة الغريبة التي اودت بحياة 17 سائحا المانيا في افريل 2001 ثم ما يعرف باحداث سليمان عام 2005 .. و بالنتيجة فان التوظيف الظاهر للثورة من خلال تحويلها الى انقلاب على مرتكزات الدولة الوطنية لم يكن بداية مسار و انما استكمالا لارضية المرحلة الاخيرة في الاستهداف الاسرائيلي لتونس من خلال قيام سلطة سياسية عاجزة او متواطئة تساعد على تدمير البلاد ثم اعادة بنائها على شاكلة مشروع مارشال لقبول التعامل مع اسرائيل و الانبهار بثقافتها
و في اعقاب عشرية سوداء واجهتها تونس تبدو ملامح الاختراق الاسرائيلي جلية من خلال تاييد ثلاثة محاور اساسية و مترابطة هي تدمير اسس الاستقلال المالي لتونس و تكريس مفهوم مجتمع المافيا او التدافع الاجتماعي المتعارض مع منطق الدولة و الوحدة الوطنية .. و استهداف كل الروافد التي تخلق الاعتزاز يبالانتماء و الثقة في الذات بما في ذلك ريادة التعليم و منظومة القيم
و بالمحصلة فان مفهوم الضبابية الذي وسم الاوضاع العامة على مدى عشرية كاملة هو نتيجة حتمية للتدمير الناعم لكل مقومات الامن القومي الشامل بابعاده السيادية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الذي ادارته اسرائيل من وراء الستار معتمدة على التواطؤ السياسي في اعلى هرم السلطة و قاعدة مالية قوية انبثقت عن تغول مافيا الكونترا و التوريد المتوحش
و الواضح ان هذا المسار قد ادرك مرحلته الاخيرة منذ عودة الاخوان الى واجهة الحكم التي تزامنت مع تسارع اجندا تفليس تونس
و من اهم مؤشرات التغلغل الاسرائيلي في تونس :
1- تضاعف التطبيع العلمي و الاكاديمي ثلاث مرات في العشرية الاخيرة
2- تفاقم الاختراق الاسرائيلي في العامين الاخيرين من خلال اختراق منظومة الانتخابات و المجال الاقتصادي و السياسي و الامني
3- مشاركة معهد باستور و عدة مستشفيات في ابحاث طبية لصالح اسرائيل
4- تركيز خلايا لاستقطاب الشباب عبر مظلمة المساعدة على بعث المشاريع
5- شبكات دعارة اسرائيلية تستقطب شباب تونس عبر الانترنات و وصلت مؤخرا الى مرحلة التشبيك من خلال قيام مموس بتقديم شكوى للامن الاسرائيلي تتهم فيها تونسي بالتحرش بها
6- تهريب بضائع تونسية الى اسرائيل انطلاقا من موانئ تونسية منها بنزرت
7-تحول تجارة السلاح الى بوابة للاختراق الاسرائيلي لاجهزة الامن
8- شبكة فرنكوصهيونية تشتغل على ربط علاقات تجارية بين تونس و اسرائيل سواء بشكل مباشر او عبر شركات مقيمة في فرنسا.