تنتشر ظاهرة التحرش والابتزاز الجنسي عبر الإنترنت في تونس بشكل لافت، داخل مجتمع يعاني هشاشة نفسية ووضعا اقتصاديا صعبا، ما عسّر طرق التصدي لها والحد منها، لا سيما في ضوء القصور التشريعي.
ومؤخرا نشرت طالبة بكليّة الطب بمحافظة سوسة الساحلية مقطع فيديو صادمًا، توثّق فيه محادثة بينها وبين طبيب نساء على موقع ”فيسبوك“.
وتضمنت المحادثة تحرش الطبيب بالفتاة ومضايقتها ونعتها بأبشع النعوت بسبب رفضها الردّ عليه.
وأثارت الحادثة موجة غضب كبيرة بين التونسيين، الذين عبروا عن تعاطفهم مع الضحية.
وأعلنت المنظمة التونسية للأطباء الشبان، أنها تتابع الجدل المتعلق بالمضايقة التي قام بها طبيب شاب لإحدى الضحايا، معبرة عن تنديدها بأشد العبارات لأي نوع من أنواع التحرش.
ودعت المنظمة، الطبيبات والأطباء الشبان وكل من يتعرض للإساءة التبليغ ومتابعة المعتدين جزائيا مهما كانت مهنتهم أو موقعهم الاجتماعي.
بدورها، قالت رئيسة الإدارة الفرعية للوقاية الاجتماعية بمحافظة الشرطة فاتن المطوسي لـ ”إرم نيوز“، إن الابتزاز الجنسي يدخل ضمن العنف الرقمي، مشيرة إلى أن الإدارة الفرعية للوقاية الاجتماعية تتدخل بناء على تعليمات من النيابة العامة.
ولفتت المطوسي، إلى أن ”المعتدي يبتز الضحية بعد استدراجها باستعمال الحيلة لإرسال صور حميمية له أو تصويرها في أوضاع مخلة بالحياء ويقوم بعد ذلك بالضغط عليها لابتزازها جنسيا أو ماديا“.
وتابعت أنّ ”هناك فرقة كاملة مختصة في متابعة الجرائم المستحدثة، تعنى بهذه القضايا وأن هذا النوع من الجريمة يتطلب فرقا مختصة خاضعة لتكوين ودراية، حيث إنّ هناك إجراءات فنية يتم اتخاذها لتحديد هوية الجاني، وإذا كان المعتدي في دولة أخرى يتم القيام بإنابة قضائية“.
وأكدت المطوسي أن ”أغلب ضحايا الابتزاز الجنسي دون سن 18 سنة، لأنه ليس لديها قدرة على التمييز في علاقتها مع الأشخاص وهو ما يجعلها ضحية سهلة“.
وأضافت أن ”الحجر المنزلي والدراسة عن بعد بسبب إجراءات ”كوفيد“ ساهما في ارتفاع هذا النوع من الجريمة بسبب المكوث بالمنزل واستعمال شبكات التواصل الاجتماعي“.
وسبق أن أعلنت وزارة المرأة التونسية، أن منسوب العنف ضد المرأة ارتفع وذلك بحسب الإخطارات التي تلقتها الوزارة.
وأشارت المطوسي، إلى أن هناك معاملة خاصة مع ضحايا العنف الرقمي، حيث تتعهد الإدارة بتوفير الإحاطة النفسية للضحايا سواء كانوا قاصرين أو راشدين.
أرقام العنف
وتحصلت ”إرم نيوز“، على أرقام من مصدر من وزارة الداخلية حول انتشار ظاهرة العنف الرقمي في تونس.
وأكد المصدر، أن هذه الظاهرة (العنف الرقمي) ارتفعت في السنوات الأخيرة لتحتل المرتبة الثانية في قضايا العنف المسلط على المرأة بعد العنف المادي الذي يتصدر المرتبة الأولى بنسبة تتراوح بين 58% و62% بحسب آخر الإحصائيات، بينما يأتي العنف الاقتصادي في المرتبة الثالثة.
يشار إلى أن بعض ضحايا العنف الرقمي يقدمن أموالا للمعتدين مقابل عدم التشهير بهنّ.
وفي دراسة أعدها مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة، فإنّ 89% من النساء المستطلعات تعرضن للعنف بجميع أنواعه على ”فيسبوك“، أي 4 نساء من كل 5، فيما لا يلجأ 95% منهن إلى القضاء.
وجاء في الدراسة أن 70% من مرتكبي هذا العنف هم ذكور.
وتكشف جنات كداشي رئيسة جمعية ”صوت حواء“ النسوية، أنّ مركز الاستماع الخاص بالجمعية استقبل عديد الحالات من النساء من ضحايا العنف الرقمي الذي يتمثل خاصة في الابتزاز الجنسي والمادي وتهديد الضحايا بنشر صور فاضحة لهن على الإنترنت.
وأضافت كداشي لـ“إرم نيوز“، أن ”القائمين على الجمعية لاحظوا أن الابتزاز الجنسي يستهدف الفتيات الصغيرات، وخاصة طالبات المدارس الثانوية نظرا لصغر تجربتهنّ في الحياة وضعف خبرتهنّ في الإنترنت، حيث كثيرا ما يقعن ضحايا علاقات وهمية مع شبان يقومون بالتحايل عليهنّ“.
وأكدت أن القانون 58 لحماية المرأة تنقصه بعض الصرامة في التعامل مع الجرائم الإلكترونية في حق المرأة.
وفي السياق ذاته، أفادت منسقة مشروع في جمعية ”تونسيات“ بسمة الطربلسي في تصريح لـ ”إرم نيوز“ بأن أكثر فئة مستهدفة في العنف السيبراني هي المرأة.
ودعت جمعية ”تونسيات“ إلى زيادة فصول في القانون 58 والمجلة الرقمية لحماية المرأة من هذه الجرائم خاصة أن هناك صعوبة في تقصي الجاني. وأكدت بسمة الطرابلسي أن تسليط العقوبة في العنف السيبراني يبقى اجتهادا من القاضي.
من جانبها، قالت الأخصائية النفسية سندس قربوج لـ“إرم نيوز“، إن ”القانون 58 للقضاء على العنف المسلط على النساء لا يشير إلى العنف الرقمي ولا يجرّمه“.
وأضافت أنه في حال مراجعة ترسانة القوانين ودمج العنف الرقمي ضمنها يمكن الحد من هذه الظاهرة.
وأكدت قربوج، أن ”العنف الرقمي يعتبر ظاهرة قائمة على النوع الاجتماعي ويستهدف النساء بوصفهن نساء وهو عنف خصوصي مسلط على النساء له أثر نفسي على المدى القريب أو البعيد، ويتسبب العنف الرقمي في ”فوبيا وسائل التواصل الاجتماعي“.
وعرفت قربوج، العنف الرقمي بأنه ”كل اعتداء أو تهديد يستهدف النساء عبر الابتزاز الجنسي أو الاعتداء المادي والمعنوي أو التحرش الجنسي من خلال المحمل الرقمي“.
وأشارت إلى أن للعنف الرقمي خطورة تتجاوز العنف العادي لأن من بين خصائصه الشمول ويتضمن التهديد والابتزاز والعنف الاقتصادي مضيفة أن العنف الرقمي يتجاوز أحيانا الإنترنت ليصبح جسديّا من قبل المعتدي وقد يشمل العائلة بسبب التشهير به.
وتابعت قربوج، أن أغلب الضحايا يخشين الفضيحة من خلال التشهير بهن خاصة أنه من بين خصوصيات العنف الرقمي أنّ الفاعلين مجهولون وينشطون بحسابات مزورة.
وأضافت أنه من خصائص العنف الرقمي الاستهانة في التعامل مع الضحايا ومضايقتهم والضغط عليهم نفسيا من قبل المجتمع نفسه كما أنه يستمد خطورته من أن المعتدي يعاني من وهم القوة مقابل وهم الهشاشة لدى الضحايا الذين يخافون من الفضيحة عبر التشهير بهنّ.
وأكدت أنه من خلال الدراسة التي تم إعدادها فإن 5% فقط من الضحايا تلقوا مساندة غير مشروطة من قبل الأصدقاء، أو رواد شبكات التواصل الاجتماعي أو العائلة.
وبينت قربوج أنّ أغلب ضحايا العنف الرقمي أصبحن يعانين من ”فوبيا شبكات التواصل الاجتماعي“، مشيرة إلى أن عددًا من الضحايا تحدثن عن إحساسهن بالوصم أو الذنب والشعور بالعجز أثناء عملية الاعتداء بسبب التهديد إضافة إلى شعورهن بالخذلان.
وأضافت أن هناك عددًا من الضحايا جعلن من نقطة الضعف نقطة قوة وواجهن العنف الرقمي وانخرطن في عمليات توعية للنساء حتى لا يقعن ضحايا، كما دعت السلطات الأمنية إلى تطوير تعاملها في قضايا العنف الرقمي، مشددة على دور المجتمع في التصدي لهذه الظاهرة.
ويتحدث رئيس منظمة ”أمن شباب تونس“ أيمن القطاري لـ ”إرم نيوز“، أنّ المنظمة تشتغل كثيرا على ملف الابتزاز الجنسي الذي يستهدف الفتيات القاصرات بسبب التهور أو اللاتي يجهلن كثيرا استخدام الإنترنت.
وأشار القطاري إلى أنه من بين القضايا التي تعاملت معها المنظمة، قصة فتاة ”تعرضت للابتزاز الجنسي من قبل شخص يقيم في دولة عربية ربطتهما علاقة حب سرعان ما تطورت إلى إرسال صور ومحادثات حميمية على فيسبوك فأصبح بعد ذلك يهددها ويرسل الصور لأصدقائها كلما رفضت إقامة علاقة جنسية معه عبر الإنترنت أو إرسال مزيد من الصور الحميمية له“.
ومن بين القصص التي عملت عليها المنظمة أيضًا ”قصة امرأة متزوجة تعرضت للابتزاز الجنسي من قبل شاب قام بتصويرها داخل منزلها ثم تولى تهديدها عبر الإنترنت بإرسال صورها أو إقامة علاقة معه وبعد ذلك تم التنسيق مع الأمن التونسي الذي ألقى القبض عليه“.
واعتبر القطاري أن ”العنف الرقمي هو امتداد لظاهرة منتشرة لكنها تطورت مع وسائل التواصل الاجتماعي لتصل إلى حد تدمير حياة أسر ونفسية النساء ضحايا هذا العنف لذلك طالبت المنظمة من وزارة الداخلية بوضع إدارة عامة تتصدى لمثل هذا النوع من الجريمة لا سيما أن هناك بعض المبتزين في دول عربية أخرى“.
وأشار إلى أن المنظمة أكدت على الضحايا بأن عليهم تتبع الجناة قضائيا كما تعمل على توفير الإحاطة النفسية لهن.
إرم نيوز